(الصفحة 62)
قال السيّد في العروة بعد جعل الأقوى ما ذكرنا: ودعوى أنّه ليس بموجود كماترى ، وكون القيمة أمراً وهميّاً ممنوع ، مع أنّا نقول : إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجيّاً ، فإنّ الدّين مملوك ، مع أنّه ليس في الخارج .
ومن الغريب إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيّته ، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الربح . نعم ، لا بأس أن يُقال: إنّه بالظهور ملك أن يملك; بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أنّه قال : بل لعلّ الوجه في خبر «عتق الأب» ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية(1).
إذ لا يخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح ، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلاينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور . نعم ، إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة ، وإن كانت موقوفة على رضا المالك ، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث ، و تعلّق الخمس والزكاة ، وحصول الاستطاعة للحجّ ، وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدّين مع المطالبة ، إلى غير ذلك(2) ، انتهى .
- (1) جواهر الكلام: 26/375 ـ 376 .
- (2) العروة الوثقى: 2/549 ـ 550 ذيل مسألة 3423 .
(الصفحة 63)مسألة 28 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية; سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بالخسران إلى أن تستقرّ ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعاً ، فلا جبران بعد ذلك . وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال ، أقواها تحقّقه بالفسخ
ولقد أجاد فيما أفاد بل جاء بما فوق المراد ، ونضيف إليه : أنّه لو مات المالك بعد ظهور الربح وقبل الإنضاض أو القسمة ، هل يمكن أن يُقال بأنّه ليس للعامل شيء ويكون تمام المال إرثاً لورثة المالك ، وغير ذلك من التوالي الفاسدة الكثيرة كما لا يخفى ، فلا ينبغي التأمّل في الاستحقاق بالظهور ، وقد انقدح نظير بعض إشكالات صاحب الجواهر (قدس سره) في زماننا هذا من بعض الصائغين، حيث إنّهم شرعوا في التجارة بالذهب والفضّة وكان رأس مالهم حين الشروع عشرة ملايين مثلاً في عين كونه مقداراً معيّناً من الذهب مثلاً ، فلمّا عملوا طول السنة وبلغ موعد الخمس صار قيمة ذهبهم مضاعفاً مثلاً ، حتّى عشرين مليوناً في عين سقوط الكمّية وكسر المقدار من زمان الشروع.
فبالنتيجة صارت القيمة أكثر والمقدار والكمّية أقلّ ، فزعموا التخلّص بذلك عن مثل الخمس ; نظراً إلى عدم زيادة الكمّية وعدم بقاء المقدار الذي شرعوا في التجارة بذلك المقدار ، غافلاً عن صدق الاغتنام العقلائي والربح العرفي الموجب لثبوت الخمس لارتفاع القيمة السوقية العقلائية ، وعدم تبديلهم عين الأموال المتعلِّقة بهم بدون القيمة المرتفعة ، فتدبّر حتّى لا يختلط عليك الأمر ، فإنّه لو لم ينضّ العامل في المقام ولم يطالب القسمة وقد ربح ربحاً كثيراً ، هل يمكن الالتزام بعدم استحقاقه من الربح شيئاً; لتوقّفه على الإنضاض أو القسمة؟ وهذا واضح جدّاً.
(الصفحة 64)مع القسمة وإن لم يحصل الانضاض ، بل لا يبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة ، بل تحقّقه بالفسخ فقط ، أو بتمام أمدها لو كان لها أمد ، لا يخلو من وجه1.
1 ـ الربح وقاية لرأس المال ، فلا تتحقّق ملكيّته بمجرّد الظهور بنحو الملكيّة المستقرّة ، بل ملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة وتزول كلّها أو بعضها بالخسران الذي يمكن أن يتحقّق إلى أن تستقرّ ، ولكنّه وقع الخلاف في أنّه بماذا يتحقّق الاستقرار بعد وضوح تحقّقه عند اجتماع الاُمور الثلاثة; أي الإنضاض ، وفسخ المضاربة ، وتحقّق القسمة ، فإنّه عند اجتماع هذه الاُمور الثلاثة لا مجال لتوهّم الجبران بوجه ، وأمّا مع عدم الاجتماع ففيه وجوه بل أقوال .
قال السيّد في العروة : ولا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، ولا قسمة الكلّ كذلك ، ولا بالفسخ مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّ رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة ، فهل تستقرّ الملكيّة أم لا؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار .
والحاصل : أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك، ثمّ يقسّم ما زاد عنه بينهما على حسب حصّتهما ، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ، وتماميّتها بما ذكرنا من الفسخ والقسمة(1) ، انتهى .
- (1) العروة الوثقى: 2/550 مسألة 35 .
(الصفحة 65)مسألة 29 : كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف; سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها ، وسواء تلف بعضه أو كلّه، فلو اشترى في الذمّة بألف وكان رأس المال ألفاً فتلف، فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبراً لرأس المال . نعم ، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة إلاّ مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول1.
وقد علّقنا في حاشية العروة على مطالب من هذه المسألة ، فعلّقنا على قوله : «ولا قسمة الكلّ» إلاّ إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ ، وعلى قوله : «ولا بالفسخ» الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد ، وعلى قوله : «إن قلنا بوجوب الإنضاض» وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار ، وعلى قوله : «وتماميّتها بما ذكرنا» بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ(1) .
1 ـ كما يجبر الخسران في التجارة بالربح ويقع بينهما الكسر والانكسار ، كذلك يجبر به التلف وإن لم يكن ضامناً له لكونه أميناً ، من دون فرق بين أن يكون بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع في أصل التجارة ، وسواء تلف بعضه أو كلّه ، فلو اشترى في الذمّة بألف وكان رأس المال ألفاً فتلف فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبراً لرأس المال ، خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من أنّ مقتضى الرواية الصحيحة المتقدِّمة الواردة في اشتراء الأب جهلاً وقوع الشراء في المورد المفروض للمالك دون العامل ، وعليه: فوجه الجبران واضح: عدم ضمان العامل للألف التالف الذي هو رأس المال ، وكون الربح جابراً للخسارة والتلف ،
- (1) الحواشي على العروة الوثقى: 234 .
(الصفحة 66)
ووقوع الكسر والانكسار كما هو المناط في الموارد الاُخر ، مثل الخمس والزكاة .
نعم ، وقع في المتن استثناء صورة واحدة; وهي تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة ، فإنّه يوجب بطلان المضاربة لعدم الموضوع ، والمفروض عدم كونه ضامناً إلاّ مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول ، كما إذا باع الجميع نسيئة ولا يطمئنّ بعدم وصول الثمن أصلاً ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه حكي عن الشهيد عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته(1) . وقال السيّد في العروة : وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من الله سماويّة أو أرضيّة ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ولو كان لاحقاً مطلقاً; سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي .
ودعوى أنّ مع الضامن كأنّه لم يتلف; لأنّه في ذمّة الضامن كما ترى . نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً; كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر . وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد; إذ لا يبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لا يجبر . نعم ، إذا
- (1) حكى عنه في المسالك: 4/392 .