(الصفحة 73)مسألة 34 : لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية وقع فضوليّاً ، فإن أجازه المالك وقع له وكان الخسران عليه ، والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه . وإن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه ويجب على العامل ردّه إليه ، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل ، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني ، وإن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل . هذا إذا لم يعلم العامل بالحال ، وإلاّ يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده ، فينعكس الأمر في المفروض . وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة ، فإن أمضاها وقعت له ، وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه ، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة
على الأوّل ، وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني ، وذلك للإقدام مع انكشاف الحال عنده والعلم بالفساد ، وفي صورة الجهل احتاط وجوباً بالتصالح ; لأنّ المفروض ثبوت الجهل بالفساد مطلقاً من ناحية ، وكون عمله محترماً من ناحية اُخرى ، فالأحوط التصالح ، بل نهى عن ترك الاحتياط بالتصالح مطلقاً ، وعلى كلّ حال لا يضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال ; لأنّ كلّ عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده .
نعم ، يضمن ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلاً بالفساد; لأنّ الجهل لا يؤثّر في الحكم الوضعي بالضمان أوّلاً ، وخروج النفقة في المضاربة الصحيحة إنّما هي كانت مستندة إلى الإذن من المالك على ما هو المتعارف ، والمفروض بطلان المضاربة وإن كان المالك أيضاً جاهلاً بالفساد ، كما لايخفى . وإن شئت قلت : إنّ عدم الضمان في المضاربة الصحيحة ليس لأجل اقتضاء المضاربة ذلك ، بل إنّما هو لأجل الإذن العرفي غير الموجود في المضاربة الفاسدة ، كما هو ظاهر .
(الصفحة 74)التلف ، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح ، ويردّها على تقدير الخسران; بأن يلاحظ مصلحته ، فإن رآها رابحة أجازها وإلاّ ردّها .
هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل . وأمّا معاملة العامل مع المضارب ، فإن لم يعمل عملاً لم يستحقّ شيئاً ، وكذا إذا عمل وكان عالماً بكون المال لغير المضارب . وأمّا لو عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله ورجع بها على المضارب1.
1 ـ لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية ، فهنا عناوين خمسة : المالك ، والمضارب ، والعامل ، وعقد المضاربة ، والمعاملة الواقعة بعده على تقدير الوقوع ، ولذا يترتّب هنا أحكام كثيرة تالية :
الأوّل : أنّ عقد المضاربة وقع فضوليّاً ; لأنّ المفروض عدم إذن المالك ولا الشارع ، ولا ثبوت الوكالة ولا الولاية; لجريان الفضوليّة في جميع العقود إلاّ ما قام فيه الدليل على الخلاف ، كالنكاح ونحوه .
الثاني : أنّ العقد الفضولي يتوقّف على إجازة المالك الحقيقي ، وفي المقام إن أجاز المالك عقد المضاربة الواقع فضولاً وقع له ، وكان الخسران عليه والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه ، من دون أن يكون للمضارب شيء ; لأنّ مرجع الإجازة ليس إلاّ إلى وقوع عقد المضاربة للمالك ، والتصرّف في ماله بهذا العنوان وترتّب أحكام المضاربة عليه ، التي منها اشتراك الربح بين المالك والعامل ، كما عرفت .
الثالث : إن ردّ المالك العقد الفضولي المذكور ، فإن كان ذلك قبل تحقّق التجارة والمعاملة من العامل يجوز له مطالبة العامل استرداد ماله ، ويجب عليه ردّه إليه ; لأنّه ماله وقع في يده بغير إذن ولا إجازة وإن كان الغير جاهلاً بذلك . هذا في صورة
(الصفحة 75)
بقاء المال وعدم تعيّبه ، وأمّا في صورة التلف أو التعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل ، كما في سائر موارد تعاقب الأيادي ، فإن رجع إلى الأوّل ـ أي المضارب ـ لم يرجع هو على الثاني أي العامل ، وإن رجع إلى الثاني يرجع هو على الأوّل .
هذا إذا لم يعلم العامل الحال ، وإلاّ يكون قرار الضمان واستقراره على من تلف أو تعيّب عنده ، فينعكس الأمر في المفروض . وإن كان ردّ المضاربة الفضولية بعد أن عومل بماله من قبل العامل كانت التجارة الواقعة من العامل فضوليّة ; لأنّها تجارة بمال الغير ، فإن أمضاها المالك الأصلي فالمعاملة تقع له ، ويترتّب عليه كون تمام الربح له وتمام الخسران عليه كسائر المعاملات الفضوليّة ، وإن ردّها تجوز له المراجعة إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف ، ولا فرق في ذلك بين صورتي العلم والجهل ، ويجوز للمالك مراعاة مصلحته في هذه التجارة ، فإن رآها رابحة أجازها وتمام الربح له ، وإن رآها غير رابحة ردّها .
هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل . وأمّا حال العامل مع المضارب ، فإن لم يعمل عملاً بعد أو عمل ولكن كان عالماً بكون المال لغير المضارب ، فلا يستحقّ شيئاً لا من الربح ولا اُجرة المثل ، أمّا الأوّل: فواضح ، وأمّا الثاني: فلعدم الأمر به من المالك ، وصدور الإذن من المضارب غير المالك أو الوكيل عنه أو الولي غير مجد أصلاً . هذا فيما لو لم يعمل عملاً أصلاً ، وأمّا مع تحقّق العمل منه خارجاً فالظاهر استحقاق اُجرة المثل على المضارب في صورة الجهل; لكونه مغروراً من قبله ، والمغرور يرجع إلى الغارّ كما لايخفى .
(الصفحة 76)مسألة 35 : لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجرِ العادة عليه ، وعدّ متوانياً متسامحاً ، فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف ، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال ، وليس له مطالبة الربح الذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به1.
مسألة 36 : لو اشترى نسيئة بإذن المالك كان الدَّين في ذمّة المالك ، فللدائن الرجوع عليه ، وله أن يرجع على العامل خصوصاً مع جهله بالحال ، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك ، ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك2.
1 ـ يجب على العامل بعد أخذ رأس المال الاتّجار به ، ولا يجوز تعطيله عنده بمقدار لم تجرِ العادة عليه ، وعدَّ متوانياً متسامحاً ، فإن فعل ذلك وعطّله من دون جهة عرفية عقلائية ، وتلف المال يخرج عن عنوان الأمين غير الضامن ; لأنّ التعطيل كذلك مستلزم للتعدّي والتفريط الموجب لضمان الأمين ، كما قرّر في محلّه من القواعد الفقهيّة(1) ، لكن على تقدير الضمان لا يستحقّ المالك غير رأس المال وأصله ; لأنّ المفروض عدم حصول الربح; لعدم الاتّجار به وإن كان مقصّراً في ذلك ، لكن التقصير لا يتعدّى عن تخلّف الحكم الشرعي ، وليس له مطالبة سهمه من الربح الذي كان يحصل على فرض الاتّجار به ، كما لا يخفى .
2 ـ لو اشترى نسيئة بإذن المالك ، فحيث إنّ الشراء للمالك ـ كما يدلّ عليه الصحيحة المتقدِّمة(2) الواردة في اشتراء الأب مع الجهل بالحال ـ يكون الدَّين في
- (1) القواعد الفقهيّة للمولّف أدام الله ظلّه: 27 ـ 43 .
- (2) في ص61 .
(الصفحة 77)مسألة 37 : لو ضاربه بخمسمائة مثلاً فدفعها إليه وعامل بها ، وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة ، فالظاهر أنّهما مضاربتان ، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى . ولو ضاربه على ألف مثلاً فدفع خمسائة فعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائة اُخرى ، فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كلّ بربح الاُخرى1.
ذمّة المالك ، وللبائع الرجوع عليه وأخذ الدَّين منه ، وله أن يرجع إلى العامل; سواء كان عالماً بالحال أو جاهلاً ، أمّا على التقدير الثاني فواضح ، وأمّا على التقدير الأوّل فلحصول المعاملة والتجارة منه وإن كانت مضاربة .
نعم، في صورة عدم التبيّن للدائن ـ أنّ الشراء للغير ـ يختلف الحكم بحسب الظاهر والباطن ; أمّا بحسب الظاهر فيتعيّن له الرجوع إلى العامل; لأنّه كان هو المشتري ولم يكن الحال متبيّناً عند البائع ، وأمّا بحسب الواقع فيجوز له الرجوع على المالك; لأنّ الدّين في ذمّته حقيقة كما هو المفروض ، فيجوز له الرجوع به عليه ، وتظهر الثمرة فيما لو أنكر البائع وقوع البيع لغير العامل ، وادّعى وقوع البيع لنفسه وثبوت الدَّين في عهدته ، فإنّه يجوز له أخذ الدَّين من المشتري فقط ، كما هو واضح لايخفى .
1 ـ لو ضاربه بخمسمائة مثلاً فدفعها إليه وعامل بها ، وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة ، فالظاهر تعدّد المضاربة وإن كان المالك واحداً ، كما إذا ضارب شخصاً آخر أيضاً بخمسمائة ، ولا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى ، خصوصاً إذا عيّن في كلّ مضاربة تجارة خاصّة ، مع أنّ ما وقع أوّلاً عقد خاصّ ، متعلّق بمال خاصّ ، وما وقع لا يتغيّر عمّا وقع عليه من الخصوصيّات ، والمضاربة وإن كانت من العقود الجائزة إلاّ أنّ معنى الجواز لا يرجع إلى التغيير بالنسبة إلى ما