محتملاته.
وكذا قوله عليهالسلام : «واللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون» فإنّ الظاهر منه إرادة العلمبعدم تسمية جماعة حين الذبح، كالبربر والسودان.
وعلى فرض صحّته سنداً وصدوره لبيان الحكم الواقعي لا للتقيّة دلالةً،فهل يدلّ على جواز الارتكاب في ما نحن فيه أم لا؟
وأمّا قوله: «ما أظنّ كلّهم يسمّون» فالمراد منه عدم وجوب الظنّ أو القطعبالحلّيّة، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين، بناءً على أنّ السوق أمارةشرعيّة لحلّ الجبن المأخوذ منه ولو من يد مجهول الإسلام، فالحكم بحلّيّةاللحم والسمن والجبن في الفقرة الأخيرة من الرواية مستند إلى سوقالمسلمين، لا إلى كون الشبهة غير محصورة(2).
هذا ما أفاده الشيخ الأعظم رحمهالله حول حديث أبي الجارود.
نقد كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله في ذلك
والإنصاف أنّه بيان غير تامّ، لأنّ السائل لم يسأل عن جبن جعلت فيهالميتة يقيناً، أو لم تجعل فيه الميتة كذلك، بل سأل عن جبن شكّ في أنّه هلجعلت فيه الميتة أم لا.
على أنّ عدم إيجاب جعل الميتة في الجبن في مكانٍ الاجتناب عن جبنغيره من الأماكن، أمر بديهي، وليس من شأن الإمام عليهالسلام بيان البديهيّات.
سيّما أنّه عليهالسلام اعتمد في كلامه على العلم والشكّ حيث قال: «إذا علمت أنّهميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكُل».
والحاصل: أنّ الرواية وردت في مورد الشكّ، فتدلّ على جواز الارتكابفي الشبهة غير المحصورة.
وأمّا ما أفاده رحمهالله بالنسبة إلى الفقرة الأخيرة من الحديث فهو خلاف الظاهر،فإنّ ظاهر هذه الفقرة أنّه عليهالسلام كان يشتري اللحم والسمن والجبن المشكوكةالحلّيّة لأجل كون الشبهة غير محصورة.
بل كونه لأجل أماريّة سوق المسلمين لا يلائم صدر الرواية.
وأمّا ذكر «السوق» في كلامه عليهالسلام فأراد به «أنّي بنفسي أدخل السوقوأشتري اللحم والسمن والجبن مباشرة، ومع أنّي أعلم بوجود الميتة في لحومالعالم لا أجتنب من اشتراء اللحم وأكلها، لأجل كون الشبهة غير محصورة».
والحاصل: أنّ حديث أبي الجارود قابل للاستناد به في المقام مع قطع النظرعن المناقشة في سنده وجهة صدوره.
ج5
كلام المحقّق اليزدي رحمهالله في المسألة
الثالث: ما أفاده المحقّق المؤسّس الحائري رحمهالله بقوله:
غاية ما يمكن أن يقال في وجه عدم وجوب الاحتياط هو أنّ كثرةالأطراف توجب ضعف احتمال كون الحرام مثلاً في طرف خاصّ، بحيث ليعتني به العقلاء ويجعلونه كالشكّ البدوي، فيكون في كلّ طرف يقدم الفاعلعلى الارتكاب طريق عقلائي على عدم كون الحرام فيه(1)، إنتهى موضعالحاجة من كلامه.
وإن شئت توضيح ذلك وتصديقه فارجع إلى طريقة العقلاء، ترى أنّ كثرةالأطراف قد تكون بحدّ يعدّ الاعتناء ببعضها خروجاً عن طريقة العقلاء، مثلاً:لو كان الإنسان في بلد له عشرة آلاف بيت، وسمع أنّه وقع في واحد من بيوتالبلد حريق، فوثب للتفتيش عن الواقعة، وأظهر الوحشة والاضطراب، معلّلبأنّه يمكن أن يكون في بيتي، لعدّ عند العقلاء ضعيف العقل، وليس ذلك إللكثرة الأطراف وضعف الاحتمال، وإلاّ فالعلم الإجمالي محقّق، وبيته أحدالأطراف، فغرضه تامّ في حفظ بيته.
ولو سمع أحد أنّ واحداً من أهل بلدة فيها مأة ألف نسمة قتل، وكان ولدهالعزيز فيها، فاضطرب من هذا الخبر، ورتّب عليه الأثر من التفتيش عن حالولده وإظهار الوحشة والاضطراب، لعدّ سفيهاً ضعيف العقل، وليس ذلك إللكثرة الاحتمال، وأنّ العقلاء لا يعتنون به لأجل موهوميّته، وهذا واضح.
هذا توضيح ما أفاده المحقّق الحائري.
ولكنّه رحمهالله ضعّفه بقوله:
(صفحه118)
ولكن فيما ذكرنا تأمّل، فإنّ الاطمئنان بعدم الحرام في كلّ واحد واحدبالخصوص كيف يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينها وعدم خروجه عنها،وهل يمكن اجتماع العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالسلب الكلّي(1)؟! إنتهىموضع الحاجة من كلامه.
الجواب عن هذا الإشكال
ولكن يمكن الجواب عنه بأنّ المستحيل هو الجمع بين العلم بوجود الخمرمثلاً بنحو الموجبة الجزئيّة في أطراف غير محصورة، وبين الظنّ بعدم وجودالخمر فيها أصلاً بنحو السالبة الكلّيّة، مع أنّ الدليل ـ كما اعترف به هذا المحقّقالكبير ـ هو الاطمئنان بعدم كون كلّ واحد من الأطراف مع قطع النظر عنسائرها خمراً، وهذا لا ينافي العلم بوجود الخمر فيها بنحو الموجبة الجزئيّة،لتغاير متعلّقهما. ويشهد عليه إمكان الجمع بين العلم بخمريّة أحد الإنائين فيالشبهة المحصورة، وبين الشكّ في خمريّة كلّ منهما.
نعم، هاهنا شبهة اُخرى، وهي أنّ كلاًّ من الأطراف وإن جرت فيه أمارةعقلائيّة على عدم كونه خمراً، إلاّ أنّ حجّيّة الأمارات سواء كانت شرعيّةأو عقلائيّة مشروطة بعدم العلم التفصيلي أو الإجمالي بخلافها، مع أنّا نعلمإجمالاً هاهنا بكذب واحدة من هذه الأمارات، فتتساقط كلّها عن الحجّيّة، كمأنّا لو علمنا بكذب أحد الخبرين لكان الأصل الأوّلي تساقطهما.
إن قلت: نعم، ولكن على وفق كلّ من هذه الأمارات أمارة عقلائيّة اُخرىدالّة على عدم كونها هي الأمارة الكاذبة.
قلت: يتولّد هاهنا علم إجمالي آخر بكذب واحدة من هذه الأمارات