المصداقيّة للمخصّص ـ فلا يجوز فيه التمسّك بالإجماع، لأنّ معقده هو الشبهةالمحصورة ونحن نشكّ في صدقها عليه، ولا بالصحيحة، لما تقدّم في محلّه منعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص، سواء كان المخصّصلفظيّا أو لبّيّا، فيبقى تحت العمومات والإطلاقات الأوّليّة، مثل دليل وجوبالاجتناب عن الخمر، لأنّها هي المرجع فيما لم يثبت الترخيص فيه.
هذا بناءً على كون المخصّص هو الإجماع.
وأمّا بناءً على كونه قضاوة العرف، وبعبارة اُخرى: شهادة العقل العرفيبلزوم الاجتناب في الشبهات المحصورة، فلا يجوز التمسّك بالصحيحة حتّى فيالشبهة المفهوميّة للمخصّص، لما عرفت(1) من أنّ المخصّص العقلي ـ سواء كانضروريّا أو نظريّا ـ بمنزلة المخصّص اللفظي المتّصل، فكأنّه عليهالسلام قال: «كلّ شيءفيه حلال وحرام فهو لك حلال إلاّ إذا استلزم الترخيص في المعصية» فإذشككنا في مورد أنّه هل بلغ كثرة أطراف العلم الإجمالي إلىحدّ لم يكنالترخيص فيه ترخيصا في المعصية أم لا؟ لم يجز التمسّك فيه بعموم «كل شيءفيه حلال وحرام فهو لك حلال» كما لا يجوز التمسّك فيه بمخصّصه الذي عبّرنعنه بـ «العقل العرفي» سواء كان الاشتباه ناشئا عن عدم تبيّن مفهوم«الترخيص في المعصية» ـ وهذا ما يعبّر عنه بالشبهة المفهوميّة للمخصّص ـ أوعن الجهل بصدقه عليه لأجل الاُمور الخارجيّة مع وضوح مفهومه ـ وهذا ميعبّر عنه بالشبهة المصداقيّة للمخصّص ـ وذلك لما عرفت من أنّ المخصّصالعقلي ـ ولو كان نظريّا ـ بمنزلة المخصّص اللفظي المتّصل، فكما لا يجوز التمسّكبالعامّ في الشبهة المفهوميّة أو المصداقيّة للمخصّص اللفظي المتّصل كذلك ليجوز التمسّك به في المقام.
فالمرجع حينئذٍ هو العمومات والإطلاقات الأوّليّة الدالّة على وجوبالاجتناب، سواء كانت الشبهة مفهوميّة أو مصداقيّة.
هذا كلّه فيما إذا كان الدليل على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غيرالمحصورة هو الروايات التي عمدتها صحيحة عبداللّه بن سنان.
وأمّا بناءً على كون الدليل هو الوجه المذكور في كلام المحقّق الحائري رحمهالله فهليجب الاحتياط في موارد الشكّ أم لا؟
الحقّ هو التفصيل بين الشبهة المفهوميّة والمصداقيّة.
توضيح ذلك: أنّ هاهنا دليلين:
أ ـ العمومات والإطلاقات الأوّليّة، مثل دليل وجوب الاجتناب عنالخمر.
ب ـ الأمارة العقلائيّة الدالّة في كلّ طرف على عدم كونه خمرا فيما إذا بلغتكثرة الأطراف إلى حدّ لا يعتني العقلاء في كلّ منها باحتمال كونه خمرا.
وحينئذٍ فلو شككنا في مورد هل بلغت كثرة أطرافه إلى هذا الحدّ أم لا؟فإن كان بنحو الشبهة المفهوميّة(1) كان المرجع هو العمومات والإطلاقاتالأوّليّة الدالّة على وجوب الاجتناب، إذ كان أمر المخصّص دائرا بين الأقلّوالأكثر، فكان هو المرجع في القدر المتيقّن، وبقي مازاد عليه تحت العموماتوالإطلاقات الأوّليّة.
وإن كان بنحو الشبهة المصداقيّة(2) فلا يجوز التمسّك بالعمومات
- (1) كما إذا علمنا أنّ عدد الأطراف إذا كان ألفا أو أقلّ لم تكن الكثرة بمثابة لا يعتني العقلاء في كلّ طرفباحتمال كونه خمرا، وإذا بلغ إلى عشرة آلاف أو أكثر كانت الكثرة بهذه المثابة، وشككنا فيما بينهما،فحينئذٍ لو تردّد خمر بين خمسة آلاف إناء لشككنا في بلوغه تلك الكثرة. م ح ـ ى.
- (2) كما إذا علمنا أنّ حدّ جريان الأمارة العقلائيّة وعدمه هو بلوغ الأطراف إلى عشرة آلاف وعدمه، فإذا تردّدخمر بين أواني شكّ في أنّها هل بلغت إلى عشرة آلاف أم لا؟ كان من مصاديق الشبهة المصداقيّة.م ح ـ ى.
ج5
والإطلاقات في مورد الشكّ، كما لا يجوز التمسّك بالمخصّص.
فلا يجب الاحتياط فيه، لعدم تحقّق ما يُلزمه بعد عدم صلاحيّة الأدلّةالأوّليّة للتمسّك بها فيه.
هذا تمام الكلام في الشبهة غير المحصورة.
ولكن ينبغي ذكر نكتتين في خاتمة هذا البحث، لاشتمالهما على ثمرة فقهيّة:
الاُولى: أنّه لا ريب في عدم صحّة الوضوء بمايع مردّد بين الماء والبول،وإن كان يجري فيه أصالة الطهارة والحلّيّة لكونه من مصاديق الشبهةالبدويّة.
وذلك لأنّ ما يتوضّأ به لابدّ من أن يكون ماءً، فلابدّ من إحراز كونه ماءًوجدانا أو من قيام دليل معتبر على ذلك، وأصالة الطهارة والحلّيّة وإن كانتتحكم بطهارته وحلّيّته، إلاّ أنّها لا تثبت كونه ماءً.
إنّما الكلام في أنّ خمرا إذا تردّدت بين أطراف غير محصورة وقلنا بعدموجوب الاجتناب فيها فهل يجوز التوضّي بأحد هذه الأطراف أم لا؟
الحقّ هو الجواز، بناءً على كون الدليل على عدم وجوب الاحتياط ما ذكرهالمحقّق الحائري في كتاب «الدرر»، وعدمه بناءً على كون الدليل على ذلك هوالروايات.
توضيح ذلك: أنّ صحيحة عبداللّه بن سنان تكون في مقام بيان حكمالأطراف، وهو حلّيّتها، وليست في مقام بيان الموضوع من كونه خمرا أو ماءً،بخلاف الأمارة العقلائيّة المذكورة في كلام المحقّق الحائري رحمهالله ، فإنّها تحكم فيكلّ طرف بعدم كونه خمرا، وهو عبارة اُخرى عن الحكم بكونه ماءً.
وبالجملة: الفرق بين هذين الدليلين أنّ الروايات تكون بصدد بيان حكم