(صفحه130)
أطراف الشبهة غير المحصورة، وما ذكره المحقّق الحائري رحمهالله بصدد بيانموضوعها.
وأمّا بناءً على ما اختاره المحقّق النائيني رحمهالله ـ من ضبط غير المحصور ببلوغكثرة الأطراف إلى حدّ لا يتمكّن المكلّف عادةً من جمعها في الاستعمال، ثمّاستنتاج(1) عدم حرمة المخالفة القطعيّة اللازم منه عدم وجوب الموافقةالقطعيّة ـ فلا يجوز التوضّي بأحد الأطراف، لأنّ عدم حرمة المخالفة القطعيّةالناشئة من عدم إمكان الجمع في الاستعمال لا يقتضي إحراز المائيّة.
لكنّ الفاضل المقرّر قال: إنّه رحمهالله كان يميل إلى سقوط حكم الشبهة عن كلّطرف وصحّة التوضّي به(2).
وهذا لا يلائم مبناه رحمهالله فيما به يمتاز المحصور عن غيره.
والحاصل: أنّه يجوز التوضّي بأحد أطراف الشبهة غير المحصورة بناءً علىما ذكره المحقّق الحائري رحمهالله ، ولا يجوز بناءً على ما اختاره المحقّق النائيني، كما ليجوز أيضاً بناءً على صحيحة عبداللّه بن سنان.
الثانية: أنّ عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة هل يختصّبالشبهات التحريميّة أو تعمّ الوجوبيّة؟(3)
الحقّ أنّ صحيحة عبداللّه بن سنان لا تعمّها، لاختصاص قوله عليهالسلام : «كلّشيء فيه حلال وحرام» بالشبهات التحريميّة، فلا يمكن إثبات عدم وجوبالاحتياط بها في الشبهات الوجوبيّة، إلاّ بضميمة عدم القول بالفصل.
لكنّ الدليل المذكور في كلام المحقّق الحائري رحمهالله يعمّها بلفظه ولسانه،
- (1) عطف على «ضبط غير المحصور». م ح ـ ى.
- (2) فوائد الاُصول 4: 122.
- (3) ويمكن التمثيل للشبهة الوجوبيّة غير المحصورة بما إذا نذر ـ بنذر صحيح ـ شرب ما في إناء خاصّ،وكان ذلك الإناء مردّدا بين أطراف غير محصورة.منه مدّ ظلّه.
ج5
ضرورة أنّ الأمارة العقلائيّة كما تدلّ في كلّ طرف من أطراف الشبهة التحريميّةغير المحصورة على عدم كونه هو الحرام، كذلك تدلّ في كلّ من أطراف الشبهةالوجوبيّة غير المحصورة على عدم كونه هو الواجب.
(صفحه132)
ج5
في ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي
التنبيه الخامس: في ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي
وقبل الخوض في البحث ينبغي تقديم اُمور:
بيان صور المسألة
الأوّل: أنّ للمسألة صورا عديدة:
وذلك لأنّ العلم بالملاقاة قد يكون بعد العلم الإجمالي بنجاسة بعضالأطراف، وقد يكون قبله وقد يكون مقارنا له.
والملاقى ـ بالفتح ـ تارةً يكون حين حدوث العلم الإجمالي داخلاً في محلّالابتلاء، واُخرى يكون خارجا عنه.
وأيضاً أحد طرفي العلم الإجمالي إمّا أن يكون هو الملاقى ـ بالفتح ـ أوالملاقي ـ بالكسر ـ أو مجموعهما، والطرف الآخر في جميع هذه الفروض شيءآخر غيرهما.
بيان دليل وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس
الثاني: أنّه لا ريب في وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس، فهل هومن آثار وجوب الاجتناب عن ذلك النجس(1)، أو جعل الشارع كل
- (1) بمعنى أنّ ما دلّ على وجوب الاجتناب عن الدم مثلاً هو الذي يدلّ على وجوب الاجتناب عمّا يلاقيه،بحيث لو لم يجتنب عن الملاقي فكأنّه لم يجتنب عن الدم. منه مدّ ظلّه.
(صفحه134)
من النجاسات نجسا و منجّسا لما يلاقيه؟ فالملاقي موضوع آخر للنجاسة،فكما أنّ نجاسة الدم حكم وضعي تعبّدي استقلالي كذلك نجاسة ملاقيه، وكمأنّ لزوم الاجتناب عن الدم حكم تعبّدي مستقلّ، كذلك وجوب الاجتنابعن ملاقيه وليس من مصاديق لزوم الاجتناب عن الدم. وبعبارة اُخرى:قوله عليهالسلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(1) يدلّ على أنّ للشارع ـ حينملاقى الماء القليل دما ـ ثلاثة أحكام:
أ ـ نجاسة الدم ولزوم الاجتناب عنه.
ب ـ سببيّة الدم لنجاسة ملاقيه.
ج ـ نجاسة الملاقي ـ الذي هو الماء في المثال ـ ولزوم الاجتناب عنه.
وبالجملة: هل تكون نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ ولزوم الاجتناب عنه حكممستقلاًّ أو من توابع نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ولزوم الاجتناب عنه؟
يستفاد من كلمات بعضهم الثاني(2)، ولذا استدلّ على تنجّس الماء القليلبملاقاة النجاسة بما دلّ على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى: «وَالرُّجْزَفَاهْجُرْ»(3) بدعوى أنّ الاجتناب عن «الرجز» يراد به ما يعمّ الاجتناب عنملاقيه.
وفيه: أنّ ظاهر الآية هو وجوب الاجتناب عن نفس «الرجز» لاعنه وعنملاقيه.
وادّعى دلالة بعض الأخبار أيضاً عليه، وهو رواية عمرو بن شمر عن
- (1) وسائل الشيعة 1: 158 و 159، كتاب الطهارة، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1، 2، 5 و 6.
- (2) نسب الشيخ الأعظم رحمهالله هذا القول إلى السيّد أبي المكارم في الغنية ثمّ ناقش فيه. راجع فرائد الاُصول2: 239. م ح ـ ى.