(صفحه296)
إحداهما: قوله صلىاللهعليهوآله : «ما لا يطيقون»، والثانية: قوله صلىاللهعليهوآله : «ما لا يعلمون».
فبالاُولى نحكم بعدم وجوب الجزء المتعذّر فيه على العاجز، وبالثانية نحكمبعدم وجوب إتيان الباقي عليه.
فلا إشكال في جريان البراءة الشرعيّة بهذا التقرير في المقام.
ج5
في مقتضى الاستصحاب عند الاضطرار إلى ترك أحد القيود
البحث الثاني: في الاستصحاب
وهو يقرّر بوجوه فيما إذا عرض عليه العجز في أثناء الوقت:
تقريب جريان استصحاب الكلّي في المسألة
الأوّل: استصحاب وجوب باقي الأجزاء على نحو القسم الثالث مناستصحاب الكلّي على أحد وجهين:
أ ـ أنّ الباقي كان واجباً عليه بالوجوب الغيري قطعاً، لأنّ كلّ جزء منأجزاء المأمور به واجب غيري، وإذا صار عاجزاً عن الفاتحة مثلاً ارتفعالوجوب الغيري عن الباقي قطعاً، ولكن يحتمل حدوث الوجوب النفسي لهمقارناً لارتفاع الغيري، فيستصحب الجامع، وهو وجوبه الكلّي من غيرخصوصيّة الغيريّة والنفسيّة.
ب ـ أنّ الباقي كان واجباً عليه بالوجوب النفسي الضمني قطعاً، لأنّ الأمرالمتعلّق بالمركّب يتبعّض ويتجزّى بعدد أجزاء المركّب ويتعلّق كلّ جزء منالأمر بجزء من المركّب، فلقوله تعالى: «أَقِيمُوا الصَّلاَةَ»(1) أبعاض يتعلّقبعضها بالركوع، وبعضها بالسجود، وبعضها بفاتحة الكتاب، وهكذا، وإذا صارعاجزاً عن الفاتحة ارتفع الوجوب النفسي الضمني عن الباقي قطعاً، ولكن
(صفحه298)
يحتمل حدوث الوجوب النفسي الاستقلالي له مقارناً لارتفاع الضمني،فيستصحب الجامع، وهو وجوبه الكلّي من غير خصوصيّة كونه ضمنيّاً أواستقلاليّاً.
نقد جريان استصحاب الكلّي في المقام
ويرد عليه أوّلاً: أنّ الأوّل مبنيّ على كون الأجزاء واجبة بالوجوب الغيري،والثاني مبنيّ على كونها واجبة بالوجوب الضمني، مع أنّا لا نقول بواحدٍ منهما،بل قلنا في أوائل مبحث الأقلّ والأكثر(1): يكون الداعي إلى إتيان الأجزاءنفس الأمر بالمركّب، لا بعضه، ولا أمراً غيريّاً متولّداً منه، لأنّ المغايرة بينالمركّب وأجزائه لا يكون إلاّ بالإجمال والتفصيل، فلا يكون غيرها حقيقةً.
وثانياً: أنّه يشترط في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكمشرعيّاً أو موضوعاً ذا أثر شرعي، والجامع بين الوجوبين لا يكون موضوعلأثر شرعي كما هو واضح، ولا هو حكم شرعي مجعول، لأنّ المجعول إنّما هوكلّ واحد من الوجوبين، وأمّا الجامع بين الوجوب النفسي والغيري أوالضمني والاستقلالي فهو أمر انتزاعي غير مجعول أصلاً، بل إذا حكم الشارعبوجوب الصلاة ووجوب الصوم فلا يكون الجامع بينهما مجعولاً مع أنّهمنفسيّان استقلاليّان، فضلاً عمّا إذا كانا متغايرين في النفسيّة والغيريّة، أوالضمنيّة والاستقلاليّة.
بل لا يمكن جعل الجامع بينهما إذا كان الدليل عليهما معنى حرفيّاً، مثل«صلّ» و«صم» على ما هو التحقيق من وضع الهيئات للمعنى الحرفي، فإنّالوضع في الحروف عامّ والموضوع له خاصّ، على ما اخترناه ـ خلافاً للمحقّق
ج5
الخراساني رحمهالله (1) ـ فإذا كان الموضوع له في صيغة الأمر خاصّاً فلا يمكن جعلالجامع بين الوجوبين المستفادين من الأمرين، لأنّ خصوصيّة هذا الوجوبغير خصوصيّة ذاك الوجوب.
نعم، إن كان الدليل عليهما معنىً اسميّاً أمكن جعل الجامع بينهما ثبوتاً، ولكنّهلم يقع في الشرع إثباتاً.
وبالجملة: المستصحب لا يكون حكماً شرعيّاً، ولا موضوعاً ذا أثرشرعي، فلا يجري هذا الاستصحاب.
وثالثاً: أنّه لابدّ في الاستصحاب من اتّحاد القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة فيغير الزمان، مع أنّهما متغايرتان في المقام، لأنّ المتيقّن إنّما هو وجوبات متعدّدة،لأنّ كلّ جزء من أجزاء الباقي كان متّصفاً بالوجوب الغيري أو الضمني،والمشكوك هو وجوب واحد متعلّق بتمام الباقي، فالاستصحاب بهذا التقرير ليجري في المقام.
توجيه جريان استصحاب الوجوب النفسي في المقام
الثاني: استصحاب الوجوب النفسي الشخصي الذي تعلّق بالصلاة التامّةوتوجّه إلى المكلّف قبل عجزه يقيناً، فإنّ الصلاة الفاقدة للجزء المتعذّر فيه وإنكانت مغايرة عقلاً للصلاة التامّة، إلاّ أنّها لا تكون مغايرةً لها عرفاً، فإذشككنا في وجوب الصلاة الفاقدة للفاتحة على من صار عاجزاً عنها في أثناءالوقت نستصحب الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلّق بالصلاة التامّة ونحكمباتّصاف الفاقدة أيضاً بهذا الوجوب، لما قلنا من اتّحادهما عرفاً.
- (1) فإنّه رحمهالله ذهب إلى كون الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف كلّها عامّاً. راجع كفايةالاُصول: 25. م ح ـ ى.
(صفحه300)
وهذا مثل ما إذا كان ماء الحوض كرّاً، ثمّ نقص، فشككنا في بقاء كرّيّته،ومثل ما إذا وجب إكرام زيد ثمّ قطع بعض أعضائه، فشككنا في بقاء وجوبه،فلا شكّ في جريان الاستصحاب في هذين الموردين، ولا يكون هذا إلاّ لأجلمسامحة العرف، فإنّه يرى اتّحاد الماء السابق المعلوم كرّيّته مع الماء الباقي منهالمشكوك كرّيّته، وأيضاً يرى اتّحاد زيد الكامل أعضائه مع زيد المقطوع بعضأعضائه، فكذلك المقام.
نقد جريان استصحاب الوجوب النفسي في المسألة
وفيه أوّلاً: أنّ العناوين الشخصيّة ـ مثل زيد وهذا الماء ـ لا تتغيّر عرفبسبب الزيادة والنقيصة، ولذا تقول: «كنت طفلاً، فصرت شابّاً» فترى نفسكقبل الشباب وبعده واحداً، وإن تغيّرت تغيّراً فاحشاً، والسرّ في ذلك أنّ ملاكالبقاء في الموجودات الخارجيّة هو بقاء الشخصيّة والهذيّة، وهو حاصل عندالعرف بزيادة وصف أو ارتفاعه، بخلاف العناوين الكلّيّة، فإنّ الكلّي الواجدلقيد مغاير للفاقد له حتّى في نظر العرف، ألا ترى أنّ الإنسان العالم يكونمغايراً للإنسان غير العالم عنده؟ فلا يجري استصحاب الحكم المتعلّقبالإنسان العالم لإثباته لغيره، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ الصلاة عنوانكلّي، فالصلاة الواجدة لفاتحة الكتاب مباينة للصلاة الفاقدة لها حتّى عندالعقلاء، فلا يجوز استصحاب الوجوب المتعلّق بالاُولى لإثباته للثانية، لعدماتّحاد القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، فقياس المقام باستصحاب الكرّيّة ووجوبإكرام زيد قياس مع الفارق.
وثانياً: أنّ ما يقال في الاستصحاب من أنّ تبدّل بعض الحالات لا يوجبتغيّر الموضوع، إنّما يكون فيما إذا تعلّق حكم بعنوان وشكّ في كونه واسطة في