ج5
الثبوت أو في العروض.
وإن شئت قلت: شكّ في أنّ العنوان دخيل في الحكم حدوثاً وبقاءً أوحدوثاً فقط(1)، فيستصحب مع زوال العنوان، وأمّا إذا علم أنّ العنوان دخيلفي الحكم ويكون جزءً للموضوع، فلا معنى لجريان الاستصحاب.
وما نحن فيه من قبيل الثاني، فإنّا نعلم أنّ الأمر متعلّق بالمركّب بما له منالأجزاء، فمع انتفاء جزء منه ينتفي الحكم المتعلّق بالمركّب بالضرورة، فلا معنىللشكّ في بقاء شخص الحكم.
ولا يمكن أن يقال: إنّ وجود الجزء المفقود وعدمه سواء لدى العرف، فإنّهنظير الحالات المتبادلة، نظير استصحاب الكرّيّة فيما نقص منه مقدار فشكّ فيبقائه على الكرّيّة، وذلك لأنّ الجزء بالنسبة إلى المركّب ـ بعد تسليم كونهجزءً ـ لا يكون إلاّ مقوّماً، لا من قبيل الحالات، وقياسه باستصحاب الكرّيّةمع الفارق، لأنّ دخالة المقدار المفقود في الكرّيّة مشكوك فيها، لاحتمال كونالكرّ هو البقيّة، فيكون المقدار الناقص كالحجر في جنب الإنسان، وأمّا جزءالمركّب فدخالته في تعلّق الحكم به معلومة، كما أنّ فقدان المركّب بفقدان بعضالأجزاء كذلك، كما أنّ رفع الحكم برفع موضوعه كذلك، فلا مجال لدعوىالشكّ في المقام.
- (1) كما إذا قال الشارع: «الماء المتغيّر لونه أو ريحه أو طعمه بسبب النجاسة نجس» وعلمنا أنّه يصير طاهرإذا زال تغيّره بملاقاة الكرّ أو الجاري أو بنزول المطر عليه، ولكن شككنا في أنّه هل يصير طاهراً إذا زالتغيّره من قبل نفسه أم لا؟ فقالوا بجريان استصحاب النجاسة، وعلّة الشكّ هاهنا أنّا لا نعلم أنّ التغيّر دخيلفي حدوث النجاسة فقط، فالنجاسة باقية بعد زوال التغيّر من قبل نفسه، أو في بقائها أيضاً، فيصير طاهربزوال التغيّر ولو من قبل نفسه.
وإن شئت قلت: لا نعلم أنّ التغيّر يكون دخيلاً بنحو الواسطة في الثبوت أو في العروض، فعلى الأوّلتكون النجاسة باقية، دون الثاني، لأنّ الواسطة في الثبوت علّة ثبوت العرض حقيقةً لذي الواسطة، وأمّالواسطة في العروض فيقوم بها العرض أوّلاً وبالذات، وينسب إلى ذيها ثانياً وبالعرض، فلا يعقل بقاءالعرض بدون الواسطة، فنحكم حينئذٍ ببركة قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» ببقاء نجاسة الماء إذا زالتغيّره من قبل نفسه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه302)
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّه لا مجال لاستصحاب الحكم الشخصي من بابالمسامحة العرفيّة في الموضوع.
تقرير جريان استصحاب الوجوب الانبساطي في المقام
الثالث: استصحاب الوجوب النفسي الانبساطي.
توضيح ذلك: أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب ينبسط على جميع أجزاء المركّب،فيتعلّق كلّ جزء منه بجزء من أجزائه، فيصير واجباً بالوجوب الانبساطي،فنحن نعلم أنّ كلّ جزء من الأجزاء الباقية كان واجباً بالوجوب الانبساطي،وبعد تعذّر الفاتحة وارتفاع اتّصافها بالوجوب الانبساطي نشكّ في بقاءاتّصاف سائر الأجزاء به وارتفاعه، فنستصحبه ونحكم ببقاء اتّصاف كلّ واحدمن الركوع والسجود و... بهذا الوجوب.
نقد جريان استصحاب الوجوب الانبساطي في المسألة
وفيه أوّلاً: أنّا نمنع اتّصاف الأجزاء بهذا الوجوب ـ كما قلنا مراراً ـ لأنّصورة الأجزاء في المركّبات الاعتباريّة وإن لم تكن فانيةً واقعاً، بل قد تكونمن مقولات مختلفة، إلاّ أنّ الآمر يلاحظها أمراً واحداً ويأمر به، فلا تكونالأجزاء في نظر الشارع اُموراً متعدّدة كي يتّصف كلّ واحد منها بالوجوبالانبساطي.
على أنّ الإرادة واحدة بسيطة، والبعث الناشئ منها أيضاً واحد بسيط، فليكون للأمر أجزاء حتّى يتعلّق كلّ جزء منها بجزء من المأمور به، فلا أجزاءالمركّب تكون اُموراً متعدّدة ولا البعث مركّب من الأجزاء والأبعاض، فكيفيتحقّق الوجوب الانبساطي؟!
وثانياً: لو سلّمنا كون الوجوب منبسطاً على أجزاء المركّب لكان وجوب
ج5
كلّ جزء معلولاً لتعلّق الأمر بالصلاة التامّة في القضيّة المتيقّنة، وبعد العجز عنالفاتحة لزال تعلّق الأمر بها، فزال معلوله، وهو اتّصاف الأجزاء بذلكالوجوب الانبساطي، ولو كانت متّصفة بالوجوب بعد العجز أيضاً فلا يكونإلاّ وجوباً انبساطيّاً آخر معلولاً لتعلّق الأمر بالصلاة الناقصة، وهو مشكوكالحدوث، فلا يكون الشكّ في الوجوب الضمني التبعي المتعلّق بالأجزاء بعدالعجز شكّاً في البقاء حتّى يجري الاستصحاب، بل شكّ في الحدوث، لمغايرةالقضيّة المتيقّنة مع المشكوكة.
والحاصل: أنّ الاستصحاب لا يجري في المقام بوجه من الوجوه الثلاثةأصلاً.
(صفحه304)
ج5
في قاعدة الميسور
البحث الثالث: في قاعدة «الميسور»
هل يمكن إثبات وجوب سائر الأجزاء ببركة قاعدة «الميسور» أم لا؟
أقول: لا.
وذلك لأنّ دليل «القاعدة» هو النبويّ المشهور: «إذا أمرتكم بشيء فأتومنه ما استطعتم»(1) والعلويّان المشهوران: «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2)و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(3).
وجميعها مرسلة لا يجوز التمسّك بها.
إن قلت: نعم، ولكن ينجبر ضعف سندها بالشهرة الفتوائيّة على طبقها.
قلت: لا يجبر ضعف السند إلاّ بالشهرة عند القدماء، واشتهار الفتوى علىطبق هذه الروايات إنّما حدث بين المتأخّرين.
وعلى فرض صحّتها فهل تدلّ على وجوب باقي الأجزاء في المقامأم لا؟
لابدّ من إفراد كلّ من النبويّة والعلويّتين ببحث مستقلّ:
البحث حول قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»
- (1) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 206، باختلاف يسير.
- (2) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 205، وفيه: «لا يترك الميسور بالمعسور». م ح ـ ى.
- (3) عوالي اللئالي 4: 58، الحديث 207.