وحاصله: أنّ رواية «عقبة» حيث لا تكون جامعة لجميع أقضية رسولاللّه صلىاللهعليهوآله فكيف يمكن قياسها برواية «عبادة» الجامعة، وادّعاء مطابقة ألفاظها ثمّاستنتاج أنّ قضيّة «لا ضرر ولا ضرار» كانت قضاءً مستقلاًّ في رواية «عقبة»غير مرتبط بقضيّة «الشفعة» و«عدم منع فضل الماء والكلاء» كما أنّها منقولةبنحو قضاء مستقلّ في رواية «عبادة»؟!
على أنّ حديث «لا ضرر ولا ضرار» لو لم يرتبط في الأصل بقضيّة«الشفعة» و«عدم منع فضل الماء والكلاء» وتحقّق تذييلها به من جهة التقطيع،لم يعقل تكراره، فالتكرار دليل على كونهما مذيّلين به في رواية «عقبة».
على أنّ «محمّد بن عبداللّه بن هلال» ضعيف، فلا يجوز الاعتماد بخبره فيكون قضيّة «لا ضرر ولا ضرار» علّة لقضيّة «الشفعة» و«عدم منع فضل الماءوالكلاء».
على أنّ «لا ضرر ولا ضرار» يلائم الحكم التحريمي، لا التنزيهي، مع أنّالمشهور قال بكراهة منع فضل الماء والكلاء، لا بحرمته، وبأنّ قوله صلىاللهعليهوآله : «ليمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء» حكم تنزيهي لا تحريمي.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لا ريب في صدور «لا ضرر ولا ضرار» عنالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا ريب أيضاً في كون قصّة «سمرة بن جندب» مذيّلة به، وأمّ
صدوره بنحو الاستقلال أو في ذيل قضيّة اُخرى أيضاً فلا دليل عليه.
إن قلت: إنّ عبادة بن صامت رواه بنحو قضاء مستقلّ.
قلت: روايته ليست بحجّة عندنا، لأنّها مرويّة بطريق العامّة.
كلام حول تذييل الحديث بقيد «على مؤمن» أو «في الإسلام»
بقي البحث في كون قيد «على مؤمن» و«في الإسلام» من الحديث وعدمه.
أمّا الأوّل: فلا دليل على صدوره من النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذيل «لا ضرر ولضرار»، لأنّ روايته مرسلة(1) لا اعتبار بها في إثبات هذا القيد.
نعم، لولا الإرسال لتقدّمت على الأخبار الخالية عن هذا القيد، لتقدّم«أصالة عدم الزيادة» على «أصالة عدم النقيصة» في مقام الدوران.
وأمّا الثاني: فلا اعتماد بما رواه العامّة مثل ابن الأثير في النهاية، من قوله:«في الحديث: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» فإنّ الأخبار المنقولة بطرقالعامّة ليست بحجّة عندنا.
وأمّا مرسلة(2) الصدوق فهي وإن كانت حجّة بالتقريب الذي ذكرنا آنفاً،إلاّ أنّا نحتمل أن تكون تلك الزيادة من بعض النسّاخ، ومنشأ الاشتباه كلمة«فالإسلام» في جملة «فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شرّاً» فإنّ كثيرما يتّفق للكاتب أن يقع نظره على كلمة، فيكتبها مرّتين، ثمّ بعد هذا الاشتباهوالتكرار صحّح النسخة بعض من تأخّر عنه بظنّه، فبدّل «الفاء» بـ «في»وغفل عن كونه من قبيل الغلط في التكرار.
فعلى هذا: لا دليل على صدور قيد «على مؤمن» أو «في الإسلام» عن
- (1) راجع ص396، الخبر المنقول تحت الرقم 2.
- (2) راجع ص399، الخبر المنقول تحت الرقم 8 .
ج5
النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذيل حديث «لا ضرر».
كلام حول مفردات الحديث
هل «الضرر» و«الضرار» بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد، أو بينهما فرق؟
وعلى الثاني فهل الفرق ذاتي وجوهري، أو ما هو بين الثلاثي والمفاعلة؟فيكون «الضرار» بين اثنين دون «الضرر».
ولابدّ من النظر إلى قول اللغويّين فيهما أوّلاً، ثمّ إلى موارد استعمالات«الضرار» في الكتاب والسنّة ثانياً، ليتّضح الحال، وإن كان المعتمد ما استعملفيه في الكتاب والسنّة، سواء كان مطابقاً لقول أرباب اللغة أم لا.
أمّا قول اللغويّين: فإليك نمازج منه:
1ـ ففي الصحاح: الضرّ: خلاف النفع، وقد ضرّه وضارّه بمعنى، والاسم:الضرر، ثمّ قال: والضرار: المضارّة(1).
هذا ظاهر في كونهما بمعنى واحد من جميع الجهات، ويحتمل أن يكون مرادهمن قوله: «بمعنى» عدم فرق جوهري بينهما، وإن كان «الضرار» بين اثنينوبمعنى مجازاة ضرر الغير، دون «الضرر» فإنّه ابتداء الفعل، ولكنّه خلافالظاهر، فإنّ ظاهر كلامه عدم الفرق بينهما أصلاً.
2ـ وفي القاموس: الضرر: ضدّ النفع، وضارّه يضارّه ضراراً، ثمّ قال:والضرر: سوء الحال، ثمّ قال: والضرار: الضيق.
ولا يبعد أن يكون مراده من «سوء الحال» الضرر المالي والجسمي، ومن«الضيق» الضرر الروحي.
ويؤيّده أنّه لو أراد من الأوّل مطلق سوء الحال، ولو كان روحيّاً، ومن
- (1) الصحاح: مادّة «الضرّ».
(صفحه402)
الثاني مطلق الضيق، ولو كان ماليّاً وجسميّاً، لم يظهر بينهما فرق، وظاهرهالفرق بينهما.
وعلى هذا فكان الفرق بينهما ذاتيّاً وجوهريّاً، وهذا هو الذي يستفاد منالقرآن والأحاديث كما سيأتي.
3ـ وفي المصباح المنير: ضرّه، يضرّه، من باب قتل إذا فعل به مكروهاً،وأضرَّ به، يتعدّى بنفسه ثلاثيّاً، وبالباء رباعيّاً، والاسم: «الضرر»، وقد اُطلقعلى نقص يدخل الأعيان، وضارّه مضارّة وضراراً: بمعنى «ضرّه»(1).
وهذا صريح في كونهما بمعنى واحد، وأنّه لا فرق بينهما أصلاً.
وقوله: «يتعدّى بنفسه ثلاثيّاً، وبالباء رباعيّاً» يعني لو بقي على كونه ثلاثيّمجرّداً لكان متعديّاً بنفسه، فيقال: «ضرّه» ولو كان من باب الإفعال الذي هوعلى أربعة أحرف لكان لازماً ومحتاجاً لتعديته إلى الباء، بخلاف ما هو الغالبفي باب الإفعال، فيقال: «أضرّ به» ولا يقال: «أضرّه».
4ـ وفي النهاية لابن الأثير: في الحديث: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»،الضرّ: ضدّ النفع، ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً، وأضرَّ به يضرّ إضراراً، فمعنىقوله: «لا ضرر» أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقّه، والضرار:فِعال(2)، من «الضرّ»: أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه،والضرر: فعل الواحد، والضرار: فعل الاثنين، والضرر: ابتداء الفعل، والضرار:الجزاء عليه، وقيل: الضرر: ما تضرّ به صاحبك وتنتفع به أنت، والضرار: أنتضرّه من غير أن تنتفع به، وقيل: هما بمعنى، وتكرارهما للتأكيد.
فالفرق بينهما ـ على ما اختاره ابن الأثير ـ أنّ الضرر: فعل الواحد وابتداء
- (1) المصباح المنير: مادّة «الضرّ».
- (2) أي من باب المفاعلة. منه مدّ ظلّه.
ج5
الفعل، والضرار: فعل الاثنين والجزاء عليه من دون أن يكون بينهما فرق فيأصل المعنى.
وقوله: «فمعنى قوله: لا ضرر: أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئاً منحقّه» صريح في كون «لا» في الحديث بمعنى النهي، مع أنّ المشهور أنّه لنفيالجنس، لا للنهي.
وأمّا الآيات والأخبار: فيستفاد منهما أنّ «الضرار» هو الضرر الاعتقاديوالعرضي والروحي، لا الضرر المالي والجسمي الذي هو معنى «الضرر»، ولهو بين الاثنين، في مقابل «الضرر».
1ـ قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدا ضِرَارا وَكُفْرا وَتَفْرِيقا بَيْنَالْمُؤْمِنِينَ»(1).
لا ريب في أنّ المنافقين كانوا بصدد إيجاد الضرر الاعتقادي على المؤمنينوالتفريق بينهم وجعلهم في تزلزل روحي بعمارتهم هذا المسجد الذي سمّي فيالقرآن ضراراً، ولم يصل إلى المؤمنين ضرر مالي ولا جسمي بعمارة هذالمسجد، ولا أنّ المؤمنين أضرّوا بالمنافقين كي يكون الضرار في الآية بينالاثنين.
2ـ وقال تعالى أيضاً: «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا»(2).
في تفسير هذه الآية روايات نذكر إحداها، وهي:
ما عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه قال: «لا ينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ثمّيراجعها وليس له فيها حاجة، ثمّ يطلّقها، فهذا الضرار الذي نهى اللّه عزّ وجلّعنه، إلاّ أن يطلّق ثمّ يراجع، وهو ينوي الإمساك»(3).