(صفحه450)
الثالث: لو استلزم التصرّف في ملكه الضرر على غيره، وتركه الضرر علىنفسه، كما أنّه لو حفر بئراً في داره لتضرّر الجار، ولو لم يحفر يلزم الضرر علىنفسه، فهل يجوز هذا التصرّف أم لا؟
قال المشهور بالجواز، وقد استدلّ عليه بوجهين:
أ ـ انصراف حديث الضرر عمّا إذا كان ترك تصرّفه في ملكه موجبلتضرّره، لأنّ النهي عن الإضرار بالغير لا يقتضي تحمّل الضرر، فلا يجب علىالمالك تحمّله بترك التصرّف في ملكه لئلاّ يقع الضرر على جاره.
وهذا الدليل متين صحيح.
ب ـ أنّ جواز حفر البئر مثلاً ضرري، لتضرّر الجار به، ومنع المالك عنالتصرّف في ملكه أيضاً ضرري، لتضرّر المالك به، فيتعارض حديث «لضرر» في مصداقين من نفسه، وذلك لأنّه قضيّة حقيقيّة منحلّة إلى قضايكثيرة، وإذا سقط الحديث عن صلاحيّة التمسّك به في المقام يرجع إلى قاعدة«السلطنة» أو إلى الاُصول العقليّة والشرعيّة.
وفيه: أنّه لا يعقل أن يتكفّل دليل نفي نفسه أو مصاديقه، فقوله صلىاللهعليهوآله :«لا ضرر ولا ضرار» إنشاء لنفي الأحكام الضرريّة ـ على مسلكهم ـ فهذالإنشاء لا يمكن أن ينفي «لا ضرر» لاستلزامه كون الدليل النافي نافياً لنفسهومعدماً لذاته أو مصاديقه التي هي هو.
لا يقال: حكومة مصداق من «لا تنقض اليقين بالشكّ» على مصداق آخرفي الشك السببي والمسبّبي من هذا القبيل.
فإنّه يقال: قضيّة الشكّ السببي والمسبّبي ليست من قبيل ما نحن فيه، بلالاستصحاب الجاري في السبب يرفع الشكّ الذي هو موضوع الأصلالمسبّبي، فلا يجري لعدم تحقّق الموضوع، وهذا ممّا لا مانع منه.
ج5
وأمّا لو فرض في مورد نفي «لا تنقض» نفسه، أي يتكفّل إنشاء عدم نقضاليقين بالشكّ إعدام عدم النقض فهو أيضاً محال، وما نحن فيه من هذا القبيل.
ولو استلزم التصرّف في ملكه الضرر على الغير وترك التصرّف لا يوجبالضرر على نفسه، إلاّ أنّه يوجب الحرج والضيق والكلفة عليه، فهل يقدّم دليلنفي الضرر، وهو قوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار» أو دليل نفي الحرج، وهو قولهتعالى: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»؟(1)
قيل: دليل الحرج حاكم على دليل الضرر، فيجوز للمالك أن يتصرّف فيملكه في المثال.
أقول: هذا صحيح على مسلكنا في معنى حديث «لا ضرر»، لأنّ دليل نفيالحرج ناظر إلى أدلّة الأحكام الأوّليّة وحاكم عليها فيما إذا كانت مستلزمةللحرج، فكما أنّ وجوب الصوم حكم ديني منفيّ بآية «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِيالدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» لو كان حرجيّاً فكذلك حرمة الإضرار بالغير أيضاً حكمديني منفيّ بالآية لو كانت حرجيّة، إلاّ أنّ الأوّل حكم إلهي،والثاني حكمنبوي سلطاني، ولكنّ كليهما من الدين والآية نافية للحرج الذي كان منالدين، فهي حاكمة على دليل وجوب الصوم وعلى دليل حرمة الإضراربالغير كليهما.
وأمّا على مسلك القوم من كون «لا ضرر» بمعنى نفي تشريع الأحكامالضرريّة فلا معنى لحكومة دليل الحرج عليه، لأنّ كلاًّ منهما قاعدة ثانويةناظرة إلى أدلّة الأحكام الأوّليّة، إذ دليل «الحرج» إخبار عن نفي الحكمالحرجي، وحديث «الضرر» إخبار عن نفي الحكم الضرري، وحديث«الضرر» متضمّن للحكم الإلهي ـ على مذهبهم ـ كآية «الحرج» فكلاهما في
(صفحه452)
عرض واحد، فلا يمكن حكومة أحدهما على الآخر ونظارته إليه.
وهذا شاهد آخر على استقامة مسلكنا في معنى الحديث دون مسلكالمشهور.
هذا تمام الكلام في قاعدة «لا ضرر» والحمد للّه ربّ العالمين.
ج5
(صفحه454)