فيما إذا اضطرّ إلى بعض الأطراف
التنبيه الثاني: فيما إذا اضطرّ إلى بعض الأطراف
لو اضطرّ إلى ارتكاب بعض الأطراف في الشبهات التحريميّة، أو تركبعضها في الشبهات الوجوبيّة فهل هو مانع عن تأثيره في سائر الأطراف أملا؟
اعلم أنّ الاضطرار قد يتعلّق بواحد معيّن وقد يتعلّق بغير معيّن، وفي كلّمنهما تارةً: يتحقّق الاضطرار قبل التكليف، واُخرى: بعده وقبل العلم الإجماليبه، وثالثة: بعد العلم الإجمالي.
حكم ما إذا اضطرّ إلى واحد معيّن
فلو كان الاضطرار إلى بعض الأطراف معيّنا، كما إذا اضطرّ إلى ارتكابالإناء الواقع في اليمين، فالظاهر أنّه لا أثر للعلم الإجمالي في صورتين: وهما مإذا كان الاضطرار قبل تعلّق التكليف، أو بعده وقبل العلم به.
أمّا على مسلك المشهور من أنّ الأعذار ـ كالاضطرار وعدم القدرة توجب سقوط الأحكام عن الفعليّة، فواضح، لأنّ العلم بتكليف دائر أمره بينكونه إنشائيّا لو صادف مورد الاضطرار، وفعليّا لو كان في الطرف الآخر، ليوجب علما بالتكليف الفعلي على أيّ تقدير، فلا معنى للتنجيز.
وأمّا على ما اختاره سيدّنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» في باب الأعذار
ج5
من بقاء الأحكام على فعليّتها، كان المكلّف قادرا أو عاجزا، مختارا أومضطرّا، من دون أن يكون الاضطرار موجبا لتحديد التكليف وتقييد فعليّته،غاية الأمر يكون المكلّف معذورا في ترك الواجب الفعلي أو ارتكاب الحرامالفعلي(1)، فلأنّ(2) العلم الإجمالي لا يكون مؤثّرا إلاّ إذا تعلّق بتكليف فعليقابل للاحتجاج، ولا علم لنا بتكليف كذلك في المقام، لأنّ التكليف لو كان فيالطرف المضطرّ إليه فهو وإن كان فعليّا، إلاّ أنّه غير قابل للاحتجاج، وإن كانفي الطرف الآخر كان تكليفا فعليّا قابلاً للاحتجاج.
وبالجملة: قابليّة التكليف الفعلي المعلوم بالإجمال للاحتجاج أمر محتمل لمعلوم، فلا ينجّزه العلم الإجمالي.
والحاصل: أنّه لا أثر للعلم الإجمالي في هاتين الصورتين، لا على مسلكالمشهور ولا على مسلك الإمام«مدّ ظلّه».
إن قلت: لا ريب في لزوم الاحتياط عند الشكّ في القدرة إلى أن يقف علىعذر مسلّم، وليس له مخالفة التكليف الفعلي المعلوم بمجرّد الشكّ في القدرة علىامتثاله، بل لابدّ له الإقدام على الامتثال إلى أن يظهر عجزه. ومثله المقام علىمسلك الإمام«مدّ ظلّه» فإنّ العلم الإجمالي قد تعلّق بالتكليف الفعلي، والمكلّفشاكّ في كونه مضطرّا إلى الإتيان بمتعلّق التكليف، فيكون من قبيل الشكّ فيالقدرة، فيجب له الاحتياط، من غير فرق في ذلك بين العلم التفصيليوالإجمالي.
قلت: بين المقامين فرق واضح، فإنّ التكليف هناك قطعي، والشكّ فيوجود العذر، وأمّا المقام فالتكليف وإن كان محقّقا إلاّ أنّ العذر مقطوع
- (1) تهذيب الاُصول 3: 217.
- (2) جواب «أمّا». م ح ـ ى.
(صفحه88)
الوجود.
توضيحه: أنّ المكلّف بعد ما وقف على التكليف الفعلي ـ أي غير المقيّدبالقدرة ـ يجب له الاحتياط وترك المساهلة حتّى يجيب أمر المولى بامتثالقعطي، أو عذر كذلك، فلو أجاب أمر المولى بالشكّ في القدرة فقد أجابه بميشكّ كونه عذرا عند العقل والعقلاء.
وهذا بخلاف المقام، فإنّ العذر وهو الاضطرار حاصل في المقام قطعا، ومأسمعناك ـ من أنّ الاضطرار عذر في الطرف المضطرّ إليه، دون الطرف الآخر،وأنّ مرجع ذلك إلى الشكّ في العذريّة، لأنّ التكليف لو كان في الطرف المضطرّإليه فهو معذور قطعا، ولو كان في الطرف الآخر فهو غير معذور قطعا، فالشكّفي أنّ الحرام في أيّ الطرفين يلازم الشكّ في وجود العذر في ذلك الطرف مدفوع بما عرفت في صدر المسألة من أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي أنيتعلّق العلم بتكليف فعلي قابل للاحتجاج، والتلكيف في المقام وإن كان فعليّعلى مبنى الإمام«مدّ ظلّه» إلاّ أنّه غير صالح للاحتجاج مطلقا، بحيث لو ارتفعالإجمال لتنجّز التكليف، بل هو صالح للاحتجاج على وجه، وغير صالح علىوجه آخر، ومرجعه إلى عدم العلم بالصالح مطلقا، ومعه لا يوجب تنجيزأصلاً.
وإن شئت قلت: فرق واضح بين الشكّ في القدرة أو الاضطرار مع العلمبالتكليف وبين العلم بالعجز أو الاضطرار مع الشكّ في انطباقه على موردالتكليف أو غيره، فإنّ العلم بالعجز والاضطرار يكون عذرا وجدانيّا، فلميتعلّق علم العبد بتكليف فعلي لا يكون معذورا فيه، ولكنّ الشكّ في العجزلا يكون عذرا عند العقلاء مع فعليّة التكليف، وهذا هو الفارق بين البابين.
هذا فيما إذا تعلّق الاضطرار بواحد معيّن قبل التكليف، أو بعده وقبل