ج5
ذكره، لأنّ التخصيص فيه عقلي، والعقل يحكم جزما بأنّ ما يوجب الامتناعهو إطلاق الدليل لا عمومه الأفرادي، فالمخصّص لم يكن أمره دائرا بين الأقلّوالأكثر كالمثال المذكور، بل يحكم العقل بأنّ ملاك التصرّف في العامّ ـ أي أدلّةالاُصول في أطراف العلم الإجمالي ـ ليس إلاّ في تقييد الإطلاق، لا تخصيصالأفراد.
وأمّا الثاني: فلأنّ الترخيص المستفاد من أدلّة الاُصول مقيّد عقلاً بعدملزوم الإذن في المعصية القطعيّة، أي بكون المكلّف قادرا تشريعا على إتيانه،وكلّ واحد من المتعارضين يقتضي صرف قدرة المكلّف إلى متعلّقه، ونفيالموانع عن وجوده، فلمّا لم يكن للعبد إلاّ صرف قدرته في واحد منهما ـ أييكون عاجزا عن إتيانهما ـ يقع التعارض بينهما، فحينئذٍ إمّا أن نقول بسقوطالتكليفين واستكشاف العقل تكليفا تخييريّا، أو نقول بتقييد إطلاق كلّ منهمبحال امتثال الآخر.
وبالجملة: يكون حال ما نحن فيه حال المتزاحمين طابق النعل بالنعل.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ جوابه مع طوله ممّا لا طائل تحته(1)، إنتهىكلامه«مدّ ظلّه».
هذا كلّه مبنيٌّ على الإغماض عن اغتشاش حديث «مسعدة بن صدقة»متنا، وإلاّ فلميكن قابلاً للاستناد في المقام كما تقدّم، وقد عرفت عدم تماميّةالاستدلال بسائر أحاديث الباب أيضاً.
والحاصل: أنّه لا يمكن إثبات الترخيص في بعض أطراف العلم الإجماليباستناد أصالة الحلّيّة، كما لم يمكن إثباته في جميع الأطراف باستنادها.
البحث حول جريان الاستصحاب في بعض الأطراف
- (1) أنوار الهداية 2: 202، وتهذيب الاُصول 3: 211.
(صفحه80)
ولا يمكن أيضاً التمسّك بالاستصحاب لإثبات الترخيص في بعضالأطراف، لما سيجيء في مبحث الاستصحاب، من أنّ المراد من «اليقين»و«الشكّ» في قوله عليهالسلام : «لاتنقض اليقين أبداً بالشكّ»(1) هو الحجّة المعتبرةواللاحجّة، وحيث إنّ العلم الإجمالي أيضاً حجّة معتبرة فجريان الاستصحابفي أطرافه يستلزم نقض الحجّة الذي ينهى عنه نفس دليل الاستصحاب.
والحاصل: أنّ الاُصول العمليّة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي أصلاً، لبالنسبة إلى المخالفة القطعيّة، ولا بالنسبة إلى المخالفة الاحتماليّة، فلابدّ للمكلّفمن الموافقة القطعيّة.
هذا تمام الكلام في أصل مبحث دوران الأمر بين المتباينين من مباحثالاشتغال.
- (1) وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
ج5
(صفحه82)
في منجّزيّة العلم الإجمالي فيما إذا كانت أطرافه تدريجيّة
تنبيهات المتباينين
وينبغي التنبيه على اُمور:
الأوّل: في منجّزيّة العلم الإجمالي فيما إذا كانت أطرافه تدريجيّة
لو تعلّق العلم الإجمالي بأطراف تدريجيّة لكان منجّزا أيضاً ووجبموافقته، كما إذا دار الأمر بين كون أداء الدين واجبا منجّزا وبين كون الحجّواجبا معلّقا، لأنّا نعلم بتعلّق التكليف الآن بأحد الأمرين، وكون المتعلّق فيأحدهما حاليّا وفي الآخر استقباليّا لا يمنع من تأثير العلم الإجمالي، بل هومنجّز أيضاً فيما إذا كان أحد طرفيه واجبا مطلقا والطرف الآخر مشروطا.
خلافا لما هو ظاهر كلام المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ تدريجيّة الأطرافتنحصر فيما إذا كان بعضها واجبا منجّزا والآخر معلّقا، حيث قال: لو كان بينأطراف تدريجيّة لكان منجّزا ووجب موافقته، فإنّ التدرّج لا يمنع عن الفعليّة،ضرورة أنّه كما يصحّ التكليف بأمر حالي، كذلك يصحّ بأمر استقبالي، كالحجّفي الموسم للمستطيع(1).
وذلك لعدم الفرق في تأثير العلم الإجمالي بين ما إذا كان التدرّج بنحوالواجب المنجّز والمعلّق وبين ما إذا كان بنحو الواجب المطلق والمشروط.
ج5
إن قلت: كيف يكون العلم الإجمالي مؤثّرا، مع أنّ التكليف لم يتحقّق بعدُ فيأحد الطرفين، وهو الواجب المشروط؟
قلت: لو تساهل المكلّف في رعاية العلم الإجمالي هنا لكان لاعبا بأمرالمولى.
توضيح ذلك: أنّ تحصيل غرض المولى واجب، وإن لم يأمر به أو ببعضمقدّماته، ولذلك قلنا بوجوب تحصيل مقدّمات الواجب قبل وجوب ذيالمقدّمة فيما إذا علم بعجزه عن تحصيلها عند وجوبه، كما إذا قال المولى: «إذغربت الشمس يجب عليك الكون على السطح» وكان العبد قادرا على نصبالسلّم قبل الغروب وعاجزا عنه بعده، فالكون على السطح وإن لم يكن واجبعليه قبل الغروب كي يترشّح منه وجوب مقدّمي إلى نصب السلّم ـ بناءً علىوجوب مقدّمة الواجب ـ إلاّ أنّه مع ذلك يجب عليه نصبه كي يتمكّن منتحصيل غرض المولى في وقته، ولو لم ينصبه قبل الغروب معتذرا بعدم توجّهتكليف عليه حينئذٍ كي يجب تحصيل مقدّماته، ولم يأت بالمأمور به في وقتهمعتذرا بعدم القدرة عليه حينئذٍ، حكم العقل بكونه لاعبا بأمر المولىومستحقّا للعقوبة، لاستقلال العقل بلزوم تحصيل غرض المولى، وإن لم يلتفتنفسه إلى بعض مقدّماته.
ولأجل ذلك نحكم بوجوب إنقاذ ولد المولى إذا كان مشرفا على الغرق،ولا يجوز على العبد الإهمال في ذلك، معتذرا بأنّ المولى لم يأمره بإنقاذه، إذيكفي في وجوب الإنقاذ علم العبد بتعلّق غرضه بحفظ ولده.
وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ من تيقّن بصدور أمر من قبل المولى، إمّبنحو الواجب المطلق، أو بنحو الواجب المشروط، فلو أهمل في الامتثال لكانلاعباً بأمر المولى ومستحقّاً لعقوبته، فلابدّ له من موافقة العلم الإجمالي