(الصفحة 111)
ثانيها : ما اختاره بعض الأعلام (قدس سره) من بطلان الشرط دون العقد ، أمّا بطلان الشرط فلمخالفته للسنّة ; لأنّ مقتضاها تبعيّة الربح للمال في الملك وكونه لصاحبه ، فاشتراط كونه كلاًّ أو بعضاً لغيره يكون من الشرط المخالف للسنّة ، وقال في توضيحه ما ملخّصه : إنّ الربح المشترط كونه للغير ، إذا كان موجوداً بالفعل ومملوكاً له فلا مانع من أخذه في العقد; لأنّه شرط سائغ ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يصحّ أخذه شرطاً; إذ لا يصحّ تمليك المعدوم ، ويكون من الشرط المخالف للسنّة إلاّ ما أخرجه الدليل ، كالمضاربة ونحوها .
ولذا لم يتوقّف أحد في بطلان هذا الشرط إذا اُخذ في ضمن عقد آخر كالبيع والإجارة; بأن يشترط البائع على المشتري في عقد بيع الدار مثلاً أن تكون أرباح بستانه له ، فإنّه فاسد جزماً ، إذا الشرط لا يكون مشرّعاً ، هذا إذا كان بصورة شرط النتيجة ، وأمّا إذا كان بصورة شرط الفعل فهو أيضاً كذلك وإن كان قد يفصّل بينهما ، وأمّا عدم بطلان العقد فلعدم اقتضاء بطلان الشرط لبطلان العقد كما قد تقرّر في محلّه(1) .
ثالثها : بطلان كليهما ; أمّا بطلان الشرط فلما ذكر ، وأمّا بطلان العقد فلاستلزام بطلان الشرط لبطلان العقد .
والتحقيق يوافق القول الأوّل من صحّة العقد والشرط معاً ; لأنّ بطلان الشرط المخالف للسنّة لا يكون أمراً قابلاً للتخصيص حتّى أخرجه الدليل في مثل المضاربة ، أفهل يمكن الالتزام بأنّ الشرط المحرّم للحلال أو المحلّل للحرام باطل
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 202 ـ 203 .
(الصفحة 112)مسألة 11 : العامل من الشريكين أمين ، فلا يضمن التلف إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، وإن ادّعى التلف قبل قوله . وكذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي والتفريط وقد أنكر1.
مسألة 12 : عقدالشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ، والظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها لا بالمزج ونحوه ، كمزج اللوز باللوز ، والجوز بالجوز ، والدرهم والدينار بمثلهما ، ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه ، فيتخلّص فيه بالتصالح . وكذا ينفسخ
بنحو العموم ، الذي يكون قابلاً للتخصيص في بعض الموارد; لأنّ سياقه آب عن ذلك ، فثبوت الدليل في مثل المضاربة دليل على عدم كونه مخالفاً للسنّة ، بل مخالفاً للإطلاق القابل للتقييد بالاشتراط .
وأمّا البطلان في مثل ما إذا اُخذ في ضمن عقد لازم آخر ، كالبيع والإجارة المذكورين ، فعلى تقدير تسليمه فإنّما هو لأجل الجهالة السارية في باب الشروط ، فتوجب بطلان مثلهما ، أو لأجل الإشكال في أصل شرط النتيجة في مقابل شرط الفعل ، لا لأجل كون المنفعة معدومة ، وإلاّ فلو فرض حصول الربح للبستان وكذا علم مقداره ، فلا إشكال في صحّة الشرط المذكور إلاّ على الفرض الثاني ، والتحقيق في محلّه .
1 ـ لا شبهة في أنّ العامل من الشريكين الذي بيده المال أمين بالأمانة المالكيّة ، كالعامل في باب المضاربة ، وعليه: فيجري عليه حكم الأمين من عدم ضمانه مع التلف من دون تعدٍّ وتفريط ، وقبول قوله مع ادّعاء التلف ، وكذا في مقابل دعوى الشريك التعدّي والتفريط كسائر الموارد .
(الصفحة 113)بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس أو السّفه ، ولا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً مع عدم جواز تصرّف الشريك1.
مسألة 13 : لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه ، إلاّ إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع ، فيجب عليهما الوفاء ، وكذا في ضمن عقد جائز ، فيجب الوفاء ما دام العقد باقياً2.
1 ـ عقد الشركة جائز من الطرفين إجماعاً; لعدم كونه من العقود اللازمة ، مضافاً إلى أنّه لا يكون أهمّ من المضاربة الجائزة كما تقدّم ، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ العقد ، وحينئذ فإن كان الامتزاج فيها مغايراً للامتزاج الموجب للشركة القهرية ـ لما تقدّم(1) من أنّ الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة أخصّ من الامتزاج المعتبر في الشركة العقدية ـ يرجع بعد الانفساخ كلّ مال إلى صاحبه من دون إشكال ، وأمّا في غيره فلابدّ من التخلّص بصلح ونحوه ، وكذا ينفسخ بعروض الموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس والسفه; للخروج عن صلاحية الإذن المعتبر بسبب أحد هذه الاُمور ، لكن نفى البُعد في المتن عن بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً مع عدم جواز تصرّف الشريك ، ولعلّ الوجه فيه عدم لزوم التفكيك; لعدم توقّف انحفاظ المال عليه ، وإلاّ فالظاهر لزوم القسمة .
2 ـ لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم; لعدم استلزام جعل الأجل للزوم الشركة ولو إلى ذلك الأجل ، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضاء الأجل ، إلاّ إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد لازم كالبيع والإجارة ، فيجب عليهما الوفاء
(الصفحة 114)مسألة 14 : لو تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد ، أو بصحّة عقدها في غيره . هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلاًّ ، وإلاّ فلا إشكال . وعلى الصحّة لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، ولكلّ منهما اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر1.
بهذا الشرط تكليفاً ، وأمّا عدم تأثير الرجوع على تقدير المخالفة فلا ، غاية الأمر أنّه يكون عدم الوفاء به موجباً لجواز الفسخ في ذلك العقد اللازم ، نظراً إلى خيار تخلّف الشرط كما هو واضح . وأمّا إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد جائز ، فالظاهر أيضاً بمقتضى ما تقدّم وجوب الوفاء بالشرط ما دام كون ذلك العقد الجائز باقياً ، فراجع .
1 ـ لو تبيّن بطلان عقد الشركة لجهة موجبة له ، فحيث إنّ الشركة العقديّة متقوّمة بالإذن ، فإذا كان إذنهما متقيّداً بالشركة الحاصلة بالعقد ، أو بصحّة عقد الشركة في غيره ، تكون المعاملات الواقعة غير صحيحة لعدم ثبوت الإذن فيها ، وإذا لم يكن إذنهما متقيّداً بذلك فالظاهر أنّ المعاملات الواقعة محكومة بالصحّة ، وعلى تقديرها يكون لهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين ، وإذا اتّجر كلّ منهما أو واحد مستقلاًّ يكون له اُجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر ، وأمّا لو اتّجرا معاً من دون استقلال فلا يستحقّ شيئاً من اُجرة المثل ; لأنّ العمل كان مشتركاً بينهما . نعم ، لو اُحرز أنّ عمل أحدهما يكون أنقص من الآخر يكون للآخر بنسبة الزيادة اُجرة المثل بالإضافة إلى حصّة الآخر ، والسرّ في إضافة الحصّة إلى الآخر واضح ; لعدم الاستحقاق بالإضافة إلى عمل حصّة نفسه . هذا تمام الكلام في مسائل الشركة .
(الصفحة 115)
القول في القسمة
وهي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض; بمعنى جعل التعيين بعدما لم تكن معيّنة بحسب الواقع ، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً ، وليست ببيع ولا معاوضة ، فلا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصّان بالبيع ، ولا يدخل فيها الرّبا وإن عمّمناه لجميع المعاوضات1.
1 ـ حقيقة القسمة تعيين حصّة كلّ شريك بعدما لم تكن معيّنة بحسب الواقع ، كما في امتزاج الماء بالماء والخلّ بالخلّ الموجب للشركة القهريّة الواقعيّة ، ولا تكون الحصص متميِّزة ولا متعيّنة عرفاً ولا عقلاً ، وليست القسمة عبارة عن تمييز ما هو معيّن واقعاً ومشتبه ظاهراً ، فإنّه يرد عليه:
أوّلاً: عدم التعيّن الواقعي في المثال الذي فرضناه; لعدم التمييز ولو عقلاً فضلاً عن العرف .
وثانياً: لزوم الرجوع إلى القرعة فقط في مثل تلك الموارد ، كما وردت بالإضافة إلى قطيع غنم دخل فيها غنم مملوك للآخر من غير تعيين ، من غير حاجة إلى شيء آخر من تعديل السّهام وغيره ، كما يأتي إن شاء الله تعالى .
ويدلّ على مشروعيّة القسمة الكتاب; كقوله تعالى :
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى}(1) ، وقوله تعالى :
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}(2) ، والسنّة : فقد روي أنّ عبدالله بن يحيى كان قسّاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) (3)، وقد قسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر على
- (1) سورة النساء : 4/8 .
- (2) سورة القمر : 54/28 .
- (3) المبسوط: 8/133 و 134 .