(الصفحة 141)والآخر للآخر لم يصحّ .
ثانيها : تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك .
ثالثها : تعيين المدّة بالأشهر أو السنين ، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة ، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان ، أوجههما الأوّل ، لكن فيما إذا عيّن مبدأ الشروع في الزرع ، وإذا عيّن المدّة بالزمان لابدّ أن يكون مدّة يُدرك فيها الزرع بحسب العادة ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراكه .
رابعها : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلك ، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع ، أو لم يكن لها ماء ، ولا يكفيه ماء السماء ، ولا يمكن تحصيل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء ، لم يصحّ .
خامسها : تعيين المزروع; من أنّه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، ويكفي فيه تعارف يوجب الانصراف ، ولو صرّح بالتعميم صحّ ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه .
سادسها : تعيين الأرض ، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات ، أو مزرعة من هذه المزارع بطل . نعم ، لو عيّن قطعة معيّنة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها ، وقال: «زارعتك على جريب من هذه القطعة على النحو الكلّي في المعيّن» فالظاهر الصحّة ، ويكون التخيير في تعيّنه لصاحب الأرض .
سابعها : أن يعيّنا كون البذر وسائر المصارف على أيّ منهما إن لم يكن تعارف1.
1 ـ يعتبر في المزارعة ـ زائداً على ما اعتبر في المتعاقدين من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد ، وعدم الحجر لفلس إن كان تصرّفه ماليّاً دون غيره ،
(الصفحة 142)
كالزارع إذا كان منه العمل محضاً لا مع البذر أو سائر المصارف ـ اُمور تالية :
أحدها : أن يكون النماء والحاصل مشاعاً بينهما ، فلوجعل الكلّ لأحدهما ، أو بعضه الخاصّ ـ كالذي يحصل متقدّماً ، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية ـ لأحدهما والآخر للآخر لم يصحّ ، ويدلّ عليه روايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تقبل الأرض بحنطة مسمّـاة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخُمس لا بأس به . وقال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخُمس(1) .
وصحيحة عبيدالله بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس(2) . والظاهر اتّحاد الروايتين وعدم تعدّدهما ، كما نبّهنا عليه غير مرّة في نظائرهما ، وقد ذكرنا في كتاب المضاربة(3) أنّه لا دليل على اعتبار كون الربح الحاصل بين المالك والعامل بنحو الإشاعة ، وقلنا بكفاية تعيين المقدار الذي يترتّب على الاتّجار برأس المال على حسب التعارف ، وذكرنا أنّ معاملة البنك الإسلامي في زماننا هذا في هذه المملكة إنّما هي منطبقة على ما ذكرنا .
لكن هنا رواية صحيحة دالّة على النهي عن قبالة الأرض بحنطة مسمّـاة ، وظاهرها كون النهي إرشاديّاً أوّلاً ، وكون المراد من الحنطة هي الحنطة الحاصلة من المزارعة ثانياً ، وكون المراد من الوصف بقوله (عليه السلام) : «مسمّـاة» هو تعيين المقدار من دون إشاعة ثالثاً ، وكلّ من الاُمور الثلاثة وإن كان ممّا يقتضيه ظاهر العبارة ، إلاّ
- (1) الكافي: 5/267 ح3 ، تهذيب الأحكام: 7/197 ح 871 ، الاستبصار: 3/128 ح459 ، وعنها الوسائل: 19/41 ، كتاب المزارعة و المساقاة ب8 ح3 .
- (2) تهذيب الأحكام: 7/194 ح 860 ، وعنه الوسائل: 19/42 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب8 ح7 .
- (3) في ص 21 و 23 .
(الصفحة 143)
أنّه يبقى سؤال التكرار بقوله (عليه السلام) : «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس» مع أنّه لا مفهوم له أصلاً ، وعلى تقدير ثبوت المفهوم لا دلالة له على البطلان في غيره ، فإنّ ثبوت البأس أعمّ من البطلان كما هو واضح .
ودعوى أنّ صحّة المزارعة في نفسها على خلاف القاعدة; لاقتضائها تمليك المعدوم ، مضافاً إلى أنّ مقتضى القاعدة تبعيّة النتاج للبذر ، وهو لا ينطبق على المزارعة; سواء اشترط أن يكون البذر على العامل ، أو على مالك الأرض ، أمّا في الصورة الاُولى: فالنتاج للعامل ، وأمّا في الصورة الثانية: فالنتاج للمالك مع ثبوت اُجرة المثل للعامل أو بدونها في مقابل عمله ، وعلى هذا فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن من الصحّة ، وهو ما إذا كان الحاصل بينهما بنحو الإشاعة .
مدفوعة بأنّه بعد ثبوت أصل المشروعيّة ولو على خلاف القاعدة يحتاج اعتبار أيّ أمر فيها إلى قيام الدليل عليه ، وما ورد من الدليل في المقام هي الصحيحة أو الصحيحتان المتقدّمتان ، ودلالتهما غير ظاهرة كما عرفت .
ثانيها : تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الرُّبع; وهو أي اعتبار أصل التعيين واضح; سواء كان بنحو الكسر المشاع أو بنحو غيره; لكونها من المعاملات الماليّة التي لا يغتفر فيها الجهالة أصلاً; لانتهائها إلى المخاصمة والمنازعة نوعاً ، مع أنّ غرض الشارع عدمها .
ثالثها : تعيين المدّة بالأشهر والسنين ، وذلك لاختلاف المزروعات في هذه الجهة ، بل لاختلاف الأراضي ، كما ربما ينقل أنّه في بعض البلاد يستفاد كلّ سنة مرّتان من الحنطة أو الشعير أو غيرهما ، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة ، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان ، وجعل في المتن الأوجه هو الوجه الثاني ، لكن مع تعيين مبدأ الشروع; لأنّه بانتهاء الزرع وتحقّق الحاصل يقع
(الصفحة 144)
المطلوب; وهو كون الحاصل بينهما .
وذكر السيّد في العروة بأنّه لا يلزم تعيين ابتداء الشروع أيضاً إذا كانت الأرض ممّا لا يزرع في السنة إلاّ مرّة ، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه ، ولا دليل على اعتبار التعيين تعبّداً ، والقدر المسلّم من الإجماع على تعيينها ـ يعني المدّة ـ غير هذه الصورة(1) ، ولكنّه اُورد عليه بأنّه لا دليل على اعتبار عدم الغرر في غير البيع; إذ الثابت إنّما هو النهي عن البيع الغرري خاصّة إلاّ أن يكون هنا إجماع على البطلان في غير صورة التعيين وهو غير معلوم ، والإجماع المنقول يكون فاقداً للحجّية . قال المورد : بل نفس أدلّة المزارعة قاصرة عن شمول ما لا تعيين فيه بأحد المعنيين السابقين(2) .
أقول : إن كان المراد بالتعيين هو تعيين السنة أو السنوات في مقابل مجهوليّة ذلك مطلقاً ، فلا ينبغي الإشكال في اعتباره . وإن كان تعيين مبدأ الشروع فيما لا يزرع في السنة إلاّ مرّة مع تعيين السنة ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه ، ومجرّد التعارف ـ وإن كان مختلفاً في الجملة ـ كاف في ذلك ، فإنّ تعارف شروع زرع الحنطة في بلدنا مثلاً في الخريف يكفي وإن كان أيّام الشروع مختلفة بمقدار أيّام ، بل وأسابيع مثلاً .
رابعها : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها ، أو لم يكن لها ماء أصلاً ولا يكفيه ماء السماء ، أو لا يستقرّ فيها الماء لاشتمالها على الانحناء مثلاً ، لا يكفي . نعم ، لو كانت صالحة للزراعة بالعلاج ولو بالتسطيح أو طمّ الحفر أو حفر البئر أو النهر أو غير ذلك فلا مانع منه .
- (1) العروة الوثقى: 2/591 ـ 592 ، كتاب المزارعة ، الشرط السادس .
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المزارعة: 229 ـ 230 .
(الصفحة 145)مسألة 2 : لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مالكاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة ، أو أخذها من مالكها بعنوان المزارعة ، أو كانت أرضاً خراجيّة وقد تقبّلها من السلطان أو غيره مع عدم الاشتراط المتقدّم . ولو لم يكن له فيها حقّ ولا عليها سلطنة أصلاً كالموات ، لم تصحّ مزارعتها وإن أمكن أن يتشارك مع غيره في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر ، لكنّه ليس من المزارعة1.
خامسها : تعيين المزروع من حنطة أو شعير أو غيرهما; لاختلاف الأغراض في ذلك ، بل لاختلاف الأرض قوّةً وضعفاً من هذه الجهة . نعم ، لو صرّح بالتعميم صحّ ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه ، وهذا الحكم يدلّ على أنّ التعيين لا يكون معتبراً في نفسه ، ضرورة عدم صحّة التصريح بالتعميم في غير المقام ، مثل البيع وغيره .
سادسها : تعيين الأرض ، فإن كانت مبهمة مطلقاً فلا إشكال في البطلان ، كما أنّه لا إشكال في الصحّة فيما إذا كانت معلومة معيّنة ، وأمّا إذا كانت بنحو الكلّي في المعيّن; كما لو قال : «زارعتك على جريب من هذه الأرض» مع تساوي قطعاتها في جهة الزراعة مصرفاً وحاصلاً ، فالظاهر أنّه لا دليل على البطلان . نعم ، لو كانت القطعات مختلفة في بعض الجهات أو في كلّها تكون المزارعة باطلة ، ولكن قد ذكر الماتن (قدس سره) في الكلّي في المعيّن أنّ التخيير بيد صاحب الأرض ، والوجه فيه أنّه المالك للأرض ومسلّط عليها .
سابعها : أنّه لو لم يكن هناك تعارف فاللازم تعيين أنّ البذر وسائر المصارف على أيّهما أو التفكيك بينهما ، والوجه فيه واضح لا يخفى .
1 ـ لا يعتبر في المزارعة أن تكون الأرض ملكاً للمزارع عيناً ، بل يكفي