(الصفحة 290)
قلت : الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود وهو على تلك الحال؟ قال : فقال : أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم(1) . والظاهر أنّ روايته الاُخرى(2) متّحدة مع هذه الرواية ، ولا تكون رواية اُخرى كما أشرنا إليه مراراً .
ومنها : صحيحة ابن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه(3) .
قال في الجواهر : بناءً على إرادة معنى «أو» من «الواو» فيها ، بل عن النهاية روايته بها(4) ، بل لابدّ من كون المراد ذلك; لاستحالة الجمع هنا كما هو ظاهر ، وحينئذ فمقتضى السياق والترديد كون ما تقدّم عليهما وقتاً للتمرين والأخذ على سبيل التأديب ، فيكون البلوغ حينئذ بأحدهما ويمتنع أن يكون الأقلّ ، وإلاّ لم يكن الزمان المتوسّط بينه وبين الأكثر تمرينيّاً ، فيتعيّن كونه الأكثر ، ولعلّ النكتة في الترديد ، التنبيه على الفرق بين المتوسّط بينهما والمتقدِّم عليهما في التضييق وعدمه
- (1) الكافي: 7/198 ح2 ، تهذيب الأحكام: 10/38 ح133 ، وعنهما الوسائل: 28/20 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب مقدّمات الحدود ب6 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 20/278 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب6 ح9 .
- (3) الكافي: 4/125 ح2 ، الفقيه: 2/76 ح332 ، تهذيب الأحكام: 4/326 ح1012 ، وعنها الوسائل: 10/233 ، كتاب الصيام ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح1 .
- (4) لم نجده في النهاية . نعم رواها في التهذيب: 2/331 ح1590 والاستبصار: 1/409 ح1563 بـ «أو» .
(الصفحة 291)
بالنسبة إلى التمرين ، فإنّ الصبي يضيّق عليه فيما بين الأربعة عشر ، والخمسة عشر بخلاف ما تقدّم من الزمان ، فإنّه لا يضيّق عليه لبُعده عن البلوغ(1) .
ومنها : روايته الاُخرى(2) التي لا تكون رواية مستقلّة ، وإن جعلتا متعدّدتين في الوسائل وتبعه غيره ، بل وإن كان بينهما اختلاف زيادة ونقيصة في الجملة .
ومنها : ما رواه في الخصال بإسناده عن العبّاس بن عامر ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يؤدّب الصبيّ على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستّ عشرة سنة(3) .
ومنها : مرسلة مقنع الصدوق قال: روي أنّ الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربع عشرة إلى ستّ عشرة سنة إلاّ أن يقوى قبل ذلك(4) .
والظاهر أنّ المراد بهما هي تماميّة ما قبل ستّ عشرة والدخول فيها الذي به تعرف التماميّة المذكورة نوعاً ، وإلاّ لم يكن وجه لذكر ستّ عشرة لو كان البلوغ متحقِّقاً قبلها ، وهو الذي نسب إلى الشهرة(5) ، بل إلى أصحابنا(6) .
وكيف كان ، لا ينبغي الارتياب في أنّ البلوغ الحاصل بالسنّ إنّما يتحقّق بإكمال عدد الخمس عشرة سنة ، هذا بالنسبة إلى الغلام .
وأمّا بالإضافة إلى الجارية فمقتضى جملة من الروايات المتقدِّمة تحقّق البلوغ
- (1) جواهر الكلام: 26/27 .
- (2) وسائل الشيعة: 4/18 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب3 ح1 .
- (3) الخصال: 501 ح3 ، وعنه الوسائل: 10/237 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح13 .
- (4) المقنع: 195 ، وعنه الوسائل: 10/237 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح14 .
- (5) المهذّب البارع: 2/512 ، مفاتيح الشرائع: 1/14 ، الحدائق الناضرة: 20/348 ، رياض المسائل: 8/552 .
- (6) مسالك الأفهام: 4/144 ، كفاية الأحكام: 112 .
(الصفحة 292)
فيها بإكمال التسع كما هو المشهور بين الأصحاب(1) ، بل كما في الجواهر هو الذي استقرّ عليه المذهب(2) خلافاً للشيخ في صوم المبسوط ، وابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر(3) ، إلاّ أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر فوافق المشهور(4) ، بل وكذا الثاني في كتاب النكاح منها(5) ، بل قد يرشد ذلك منهما إلى إرادة توقّف العلم بكمال التسع على الدخول في العشر ، وهناك أيضاً روايات اُخرى دالّة على ذلك ، بل يظهر من بعضها الملازمة بين جواز الدخول والبلوغ ، وأنّه حيث لا يجوز الدخول بها قبل إكمال التسع كذلك لا يتحقّق البلوغ فيها قبلها .
ولكن في المقابل رواية واحدة دالّة على الخلاف; وهي رواية عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة ، أو حاضت قبل ذلك ، فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم(6) . ولكن اُورد عليها بإيرادات :
الأوّل : أنّه ذكر الشيخ في محكي التهذيب والاستبصار أنّ جماعة من أهل النقل قد ضعّفوا عمّار الساباطي وذكروا أنّ ماينفرد بنقله لا يعمل به; لانّه كان فطحياً(7) ، والعلاّمة في محكي الخلاصة جعل رواياته مرجّحة
- (1) مسالك الافهام: 4/145 ، مفاتيح الشرائع: 1/14 ، الحدائق الناضرة: 20/348 .
- (2) جواهر الكلام : 26/38 .
- (3) المبسوط: 1/266 ، الوسيلة: 137 .
- (4) المبسوط: 2/282 .
- (5) الوسيلة: 301 .
- (6) تهذيب الأحكام : 2/380 ح1588 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح12 .
- (7) تهذيب الأحكام: 7/101 ذح435 ، الاستبصار: 3/95 ذح325 .
(الصفحة 293)
لا دليلاً(1) . وذكر بعض الأعلام (قدس سره) : والذي ينبغي أن يُقال في المقام: إنّا إذا بنينا على عدم العمل بروايات عمّار لعدم الوثوق بأخباره; لكثرة اشتباهه بحيث قلّما يكون خبر من أخباره خالياً عن تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى، كماادّعاه صاحب الوافي(2) وشيخنا المجلسي(3) ، بل قالا : إنّه لو كان الراوي غير عمّار لحكمنا بذلك(4) .
الثاني : إتّفاق فقهاء الشيعة على أنّ الغلام والجارية لا يكونان متساويين في البلوغ من حيث السنّ ، في حال أنّ الرواية دالّة على ذلك .
الثالث : معارضة هذه الرواية مع الروايات الكثيرة التي تقدّم بعضها ـ وفيها الصحاح المتعدّدة ـ الدالّة على أنّ بلوغ الجارية يتحقّق بإكمال التسع ، قال في محكي مفتاح الكرامة: وما في الموثّق أنّها «إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة ، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة» فهو شاذ قاصر عن المكافئة(5) .
وعن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في كتاب الصوم المطبوع في آخر كتاب الطهارة له : وفي رواية الساباطي المشتملة على اتّحاد حكم الاُنثى والذكر ، ولم يقل بشيء من ذلك أحد(6) .
الرابع : صراحة رواية عمّار في أنّ بلوغ الغلام ثلاث عشرة سنة إلاّ إذا احتلم قبله ، مع اتّفاق النصوص والفتاوى على خلافه .
- (1) خلاصة الأقوال: 381 ـ 382 رقم 1533 .
- (2) الوافي: 8/977 ذح 7537 .
- (3) بحار الأنوار: 88/233 ـ 234 .
- (4) المستند في شرح العروة الوثقى: 18/154 .
- (5) مفتاح الكرامة: 5/241 .
- (6) كتاب الصوم (تراث الشيخ الأعظم): 210 .
(الصفحة 294)
قال في محكي الجواهر : وما يوهمه الاستبصار من الأخذ بحديث عمّار مؤوّل بالضرورة; لمخالفته الإجماع بل الضرورة(1) .
قلت: مع قطع النظر عن جميع ذلك وفرض المعارضة المكافئة، فلاينبغي الارتياب في أنّ الترجيح مع غير هذه الرواية; لموافقته لفتوى المشهورالتي هي اُولى المرجّحات في باب تعارض الروايات ، كما حقّقناه في محلّه وأشرنا إليه مراراً ، فلا محيص عن الأخذ بمقتضى تلك الروايات والحكم بأنّ الجارية تبلغ بعد إكمال التسع ، والعجب بعد ذلك من بعض المتفقّهين الذين يسمّون فقههم بالفقه المتطوّر ، وفي اصطلاح الفارسي بـ «فقه پويا» وينكرون أحكام الله مرّة بعد اُخرى ; فتارةً يقولون : بأنّ بلوغ الجارية لا يتحقّق إلاّ بعد ثلاث عشرة سنة ، واُخرى ينكرون كون دية المرأة نصف الرجل ، وثالثة ينكرون لزوم شهادة المرأتين مقام رجل واحد ، مع أنّه خلاف صريح القرآن حيث يقول :
{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}(2) ، وسمعت أنّ بعضهم قائل بتساوي الرجل والمرأة في باب الإرث ، أعوذ بالله من مخالفة أحكام الله المبتنية على المصالح والمفاسد الواقعية التي لا يحيط بها إلاّ الله تبارك وتعالى ، وإلاّ ففي نظرنا تكون الصلاة ثلاث ركعات أحسن من الصلاة ركعتين; لاشتمالها على ركعة زائدة وخضوع أزيد ، فهل وقع التغيّر في علم الله أو وقع التغيّر في تلك المصالح والمفاسد ،
{إنَّ النَّفْسَ لأََمّارَةٌ بِالسُّوءِ}(3) . وقد اشتهر أنّ بعض أصحاب(4) الإمام المعصوم (عليه السلام) قال له : والله لوفلقت رمّانة بنصفين
- (1) جواهر الكلام: 26/31 .
- (2) سورة البقرة : 2/282 .
- (3) سورة يوسف : 12/53 .
- (4) هو عبدالله بن أبي يعفور .