(الصفحة 92)
(الصفحة 93)
[مسائل الشركة]
وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، وهي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ . وسببها قد يكون إرثاً وقد يكون عقداً ناقلاً ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو استأجرا عيناً ، أو صولحا عن حقّ . ولها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان :
أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة .
وثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر; سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً . ولها سبب آخر; وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقديّة بوجه1.
1 ـ الشركة قد تكون عقديّة ، وقد تعرّض لها في بعض المسائل الآتية ، وقد تكون غير عقديّة حاصلة بالإرث أو بالعقد الناقل ، كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً ، أو باعا المبيع المشترك بينهما من شخص واحد ، أو استأجرا معاً عيناً كالدار ونحوها ، أو صولحا عن حقّ متعلّق بهما بنحو الشركة ، ويظهر من المتن أنّ لها سببين آخرين يختصّان بالشركة في الأعيان ولا يجريان في غيرها كالدَّين والمنفعة :
أحدهما : الحيازة ، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة ، أو اغترفا ماءً مباحاً
(الصفحة 94)مسألة 1 : الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة; وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مائعين متجانسين ، كالماء بالماء والدهن بالدهن ، بل وغير متجانسين ، كدهن اللوز بدهن الجوزمثلاً ، رافع للامتياز عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك . وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، ففي كونه موجباً للشركة الواقعية تأمّل وإشكال ، ولا يبعد كونها ظاهريّة . وقد يوجب الشركة الظاهريّة الحكميّة; وهي مثل خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، ومنها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى ، كالخشخاش
بآنية واحدة دفعة ، أو اشتركا معاً في نزح الماء من البئر وهكذا .
ثانيهما : الامتزاج ، كما إذا امتزج ماء بماء أو خلّ بخلّ; سواء وقع قهراً أو عمداً واختياراً ، فإنّ الثاني أيضاً يوجب الشركة وإن كان إيجادها على خلاف رضا المالك وموجباً للتصرّف في مال الغير بغير إذنه .
وذكر في المتن سبباً ثالثاً; وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله ويسمّى بالتشريك ، وهو غير الشركة العقدية بوجه ، والظاهر أنّ الوجه فيه أنّه في الشركة العقدية يكون هناك مال مشترك بينهما بأيّ سبب ، وقد توافقا على المعاملة به ، وفي التشريك يكون المقصود إيجاد التشريك من دون أن يكون هناك شركة ، فالمغايرة بين الأمرين متحقّقة من هذا الوجه ، ولعلّه يجي الكلام بعد ذلك في المسألة المتعرّضة للشركة العقدية فانتظر . وقد ورد في هذا التشريك جملة من الأخبار .
منها: صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يشترك في السلعة ؟ قال : إن ربح فله ، وإن وضع فعليه(1) .
- (1) تهذيب الأحكام: 7/185 ح 817 ، و عنه الوسائل: 19/5 ، كتاب الشركة ب1 ح1 .
(الصفحة 95)بالخشخاش ، والدخن والسّمسم بمثلهما وجنسهما .
وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة ، فيتخلّص بالصلح ونحوه ، كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز ، وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز ، ولا تتحقّق الشركة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القيميّات بعضها ببعض ، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات ، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك ، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة1.
1 ـ الامتزاج الموجب للشركة قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة; سواء كان مع العمد والاختيار ، أو مع الوقوع قهراً; وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مايعين متجانسين ، بحيث لم يكن هناك رافع للامتياز بحسب الواقع لا عرفاً ولا عقلاً ، كالماء بالماء والدهن بالدهن ، خصوصاً مع عدم الاختلاف في الجودة والرداءة والصبغ والاُمور الاُخر أيضاً ، وأمّا المائعان غير المتجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، ففي المتن أنّ الامتياز وإن كان مرفوعاً عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك ، إلاّ أنّه لا يوجب الخروج عن الشركة الواقعيّة; لأنّ الملاك في أمثال ذلك هو العرف لا العقل .
وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، فقد تأمّل في المتن واستشكل في كونها شركة واقعيّة ، بل نفى البُعد عن كونها ظاهريّة ، ولكنّه استشكل بعض الأعلام (قدس سره) في أصل الشركة الظاهرية قهرية كانت أو اختياريّة; بأنّه لا معنى للشركة الظاهرية بعد العلم بعدم الاشتراك واقعاً ، فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما هي مجعولة في فرض الشكّ والجهل بالحكم الواقعي ، فلا معنى لثبوتها مع العلم به ، وقد دفع دعوى أنّ المراد من الشركة الظاهرية هو ترتيب آثارها في
(الصفحة 96)
مقام العمل وإن لم تكن هناك شركة في الواقع ، بأنّه لا موجب لإجراء أحكام الشركة بعد العلم بعدمها واقعاً واستقلال كلّ منهما في ماله .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الامتزاج إذا كان على نحو يعدّ الممتزجان شيئاً واحداً عرفاً وأمراً ثالثاً مغايراً للموجودين السابقين ، كما في مزج السكّر بالخلّ ، حيث يوجب ذلك انعدامهما معاً وتولّد شيء جديد مغاير لهما يسمّى بالسكنجبين ، ففيه تكون الشركة واقعيّة ، فإنّ الموجود بالفعل مال واحد نشأ عن المالين اللذين يكون ملكاً لهما معاً; إذ لا موجب لاختصاص أحدهما به ، ولا ينافي ذلك أنّه لو اتّفق تفكيكهما بوجه من الوجوه ـ خصوصاً في زماننا هذا ـ يكون كلّ منهما مختصّاً بمالكه الأوّل ، وأمّا إذا كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعدّدة غير قابلة للتمييز خارجاً ، كما في مزج الدراهم بمثلها فلا موجب للقول بالشركة أصلاً ، فإنّ كلّ درهم موجود مستقلّ عن الآخر ومحفوظ في الواقع ، ولا يبعد أن يكون مزج الحنطة بالحنطة والحنطة بالشعير من هذا القبيل(1) .
أقول : لا يبعد أن يقال بأنّ تقابل الشركة الظاهريّة مع الشركة الواقعيّة ليس هو تقابل الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي ، حيث إنّه لا ينتقل إلى الأوّل إلاّ مع الشكّ في الثاني ، وأمّا مع العلم بعدمه فلا مجال للأوّل أصلاً كما لايخفى ، بل المقابلة بينهما إنّما هي بلحاظ أنّ الشركة الواقعيّة الحاصلة بالامتزاج إنّما هي بنحو لا يمكن التمييز عقلاً ، كامتزاج الماء بالماء أو الخلّ بالخلّ ، خصوصاً مع اتّفاقهما في الجودة والرداءة ، ومثل ذلك من الصفات .
وأمّا إذا كان بنحو لا يمكن التمييز عرفاً لا عقلاً ، فهي الشركة الظاهرية، وتشترك
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 182 ـ 183 .