(الصفحة 97)مسألة 2 : لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذِن أحد الشريكين شريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلاّ بإذن صاحبه ، ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم ، الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، والموارد مختلفة لابدّ من لحاظها ، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله
الشركتان في الأحكام ، ومن أقسام الشركة الظاهريّة خلط الحنطة بالشعير ، بل بحنطة اُخرى ، خصوصاً مع الاختلاف في الخصوصيّات من الجودة والرداءة وغيرهما من الصفات . وأمّا في باب الدراهم والدنانير ، فإن كان الامتزاج بجنسهما ونوعهما وصنفهما ـ كامتزاج ألف ورقة نقديّة «مائة ريالية إيرانيّة» مع الألف الآخر كذلك من دون ميز وخصوصيّة ـ فالظاهر أنّه من الامتزاج الموجب للشركة ويقع التخصيص بالقسمة ، هذا كلّه في غير القيميات .
وأمّا في القيميات ، فلا تتحقّق الشركة لا ظاهراً ولا واقعاً ، كما في اختلاط الثياب بعضها مع بعض ، والأغنام مع الأغنام ; لعدم تحقّق الامتزاج فيها أصلاً ، غاية الأمر الاشتباه في صورة الاختلاط ، ولذا نرى أنّ اختلاط الأغنام ـ مع كون كلّ واحد منها لمالك خاصّ في القرى نوعاً ـ لأجل وجود راع واحد ، لا يبقي مجالاً لتوهّم الشركة ، بل لو كان لها مجال لما اجتمعوا على هذه الكيفيّة ، إلاّ أن يُقال بأنّ غنم كلّ واحد يغاير الآخر من الخصوصيّات ويعرفه مالكه بها .
وكيف كان ، لو فرض تحقّق الاشتباه في صورة الاختلاط والتركيب يكون العلاج فيه القرعة التي هي المرجع في تشخيص الأموال ومالكها في أمثال هذه الموارد ، لكن مراعاة الاحتياط بالتصالح أولى; لأنّه طريق لإرضاء جميع المالكين كما لايخفى .
(الصفحة 98)وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاًّ أو بعضاً فيتّبع1.
1 ـ لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف قبل القسمة في المال المشترك ولو لم يكن زائداً على مقدار سهمه ، كالتصرّف في النصف فقط فيما إذا كانت الشركة بنحو التنصيف; لاستلزامه التصرّف في مال الغير ، ولا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه ، فكلّ جزء مشترك يكون مرتبطاً بكليهما ، وقد حقّقنا في البحث عن قاعدة اليد(1) أنّ الكسور المشاعة لها واقعيّة وحقيقة ، ولا تكون صرف الاعتبار ، ولا يكون المالك للنصف مثلاً مالكاً لأمر اعتباري ، بل المملوك له حقيقة هو النصف بنحو الإشاعة; بمعنى أنّ كلّ جزء يفرض يكون نصفه له ، فالتصرّف في المال المشترك تصرّف في مال الغير تتوقّف حلّيته على إذنه بمقتضى ما ذكرنا ، وحينئذ فمع الإذن يحلّ للشريك المأذون التصرّف في المال المشترك ، ولا ملازمة بين حلّية التصرّف له ، وبين حلّية التصرّف للآذن ، بل يحرم عليه ما لم يتحقّق له الإذن من الشريك الآذن قبلاً ، ويجب على المأذون أن يقتصر فيه على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً .
نعم ، في صورة الإطلاق وعدم التقييد يكون الإذن في الشيء إذناً في لوازمه ، فإذا أذِن للشريك الذي له أهل وعيال في سكنى الدار المشتركة يكون لازمه الإذن في إسكان أهله وعياله وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، ولا يبعد أن يُقال بالمقدار المطابق لشأنه بحسب خصوصيّاته والجهات الخاصّة فيه الواضحة للشريك; لأنّ الأشخاص مختلفة من هذه الجهة عنواناً وشأناً
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/409 ـ 418 .
(الصفحة 99)مسألة 3 : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدِّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، تطلق أيضاً على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما: اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها; بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به1.
ومسؤوليّةً ، وغير ذلك من الجهات العقلائية التي لها دخل في ذلك ، كزوجته واُسرتها وغيرهما ، ففي صورة الإطلاق يجوز ذلك كلّه إلاّ أن يصرّح بالمنع عن الجميع أو البعض ، فاللازم مراعاة ذلك كما لايخفى .
ثمّ إنّه لو فرض أنّ الشريك يحتاج إلى التصرّف في المال المشترك ، مثل أن لا يكون له مسكن ، ومن ناحية اُخرى لا يأذن له الشريك الآخر بوجه ، فلابدّ من التقسيم ولو من حيث الزمان ، وسيأتي شرائط القسمة وكيفيّتها إن شاء الله تعالى .
1 ـ كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدّم ذكرها ، كالإرث واشتراء شيء واحد في بيع واحد والحيازة وغيرها ، كذلك تطلق على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما .
قال السيّد (قدس سره) في العروة : كما أنّ هذه الشركة قد تكون في عين وقد تكون في
(الصفحة 100)
منفعة ، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة ، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاًّ في التصرّف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها(1) . وقد مثّل للكلّي في المعيّن بما لو باع منّاً من الصبرة المعيّنة لزيد ، فإنّ المنّ الكلّي يكون لزيد والباقي للمالك البائع ، وبذلك يكونان شريكين في الصبرة المعيّنة .
وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة ، اللّهمَّ إلاّ أن يُراد بها عدم التعيين لا خصوص الثلث والربع ونحوهما(2) ، واُورد عليه بخروج هذا الفرض عن موضوع الشركة ، فإنّها إنّما تتحقّق فيما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر على نحو الإشاعة; بأن يكون لكلّ منهما حصّة في كلّ جزء من ذلك المال; لأنّه إذا كان مال كلّ منهما مستقلاًّ عن الآخر وإن كانا بحسب الوجود واحداً ، فإنّه لا تتحقّق الشركة فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ المالك يملك شيئاً والمشتري شيئاً آخر ; لأنّ الأوّل يملك الصبرة الخارجيّة والثاني يملك منّاً منه(3) .
ويؤيّد الإيراد أنّا قد ذكرنا في المسألة السابقة أنّه لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك إلاّ بإذن الآخر ، مع أنّه من الواضح جواز التصرّف له في المجموع إلاّ منّاً واحداً في المثال المفروض ، فيجوز له مع سائر الأجزاء من أشخاص آخرين بالبيع الصحيح غير المحتاج إلى الإذن بوجه .
- (1) العروة الوثقى: 2/582 .
- (2) جواهر الكلام: 26/286 .
- (3) مستمسك العروة الوثقى: 13/13 ـ 14 .
(الصفحة 101)
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ قياس المقام بمثل الدار من القياس مع الفارق; إذ العبرة في تحقّق الشركة بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف; وهي غير متحقّقة في مثال الدار بخلاف ما نحن فيه ، حيث لا يكون وجود الكلّي في الخارج منحازاً عن وجود الفرد الخارجي ، بل الكلّي موجود بوجود الفرد ، وحينئذ فالموجود الواحد في الخارج مضاف إلى مالكين ، ولكن بنحوين من الإضافة ، فإنّه بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك ، وبلحاظ الكلّي مملوك للمشتري . والحاصل أنّ اختلاف نحوي الإضافة لا يوجب عدم تحقّق الشركة بينهما(1) .
أقول : الظاهر وجود الفرق بين صورة مزج منّ من حنطة بصبرة الغير ، وبين صورة بيع منّ من صبرته من زيد مثلاً ، فإنّ الظاهر تحقّق الشركة في الصورة الاُولى إن قلنا بأنّ مزج الحنطة بالحنطة موجب للشركة ، وعدم تحقّقها في الصورة الثانية التي يعبّر عنها بالكلّي في المعيّن ، ولا دليل على لزوم الإشاعة في تحقّق الشركة ، بل كما أفاده صاحب العروة أنّ الشركة قد تكون بنحو الإشاعة وقد تكون بنحو الكلّي في المعيّن ، كما أنّه لا دليل على جريان الحكم الذي ذكرناه في الشركة في جميع فروضها ، بل في بعض أقسامها; وهي الشركة بنحو الإشاعة ، ولذا يجوز لمالك الصبرة التصرّف في الجميع إلاّ في المنّ الواحد منه في المثال المفروض ، من دون توقّف على إجازة صاحب المنّ بوجه وإن كان يبعد هذا الفرق في بادئ النظر .
وكيف كان ، فيدلّ على صحّة الشركة العقدية مضافاً إلى عموم ما يدلّ على صحّة العقود والتجارة عن تراض ، مثل صحيحة هشام بن سالم المتقدِّمة في أوّل
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 185 ـ 186 .