(صفحه324)
نظر العقل.
البحث حول مرجع تشخيص «الميسور» من «المعسور»
الثاني: هل تشخيص «الميسور» من «المعسور» بيد العرف أو بيد الشرع؟
الحقّ عندنا هو الأوّل.
أمّا في الأجزاء: فظاهر، إذ يمكن أن يكون جزء واحد من المأمور بهميسوراً بالنسبة إلى شخص ومعسوراً بالنسبة إلى شخص آخر، فلا يكونتحت ضابطة كلّيّة كي يبيّنها الشارع، بل العرف هو الذي يحكم بأنّ هذا الجزءميسور لزيد وذلك الجزء معسور عليه.
وأمّا في أفراد الطبيعة: فلأنّ بيان الموضوعات الشرعيّة ـ مثل الصلاة ـ وإنكان بيد الشارع، ولو لم يبيّن أنّها ما هي لم يكن للعرف إليها سبيل، فلم يتمكّنمن تشخيص فردها، إلاّ أنّ الشارع إذا بيّن الموضوع بقوله: «الصلاة عشرةأجزاء: التكبير، والفاتحة، والركوع، و... والتسليم» فالمرجع لتشخيص أنّالصلاة بأيّ مقدار منها تتحقّق، هو العرف، فيحكم بأنّ المركّب من ثمانيةأجزاء منها فرد للصلاة مثلاً، والمركّب من سبعة أجزاء منها ليس بفرد لهأصلاً، فلا يرد الإشكال بأنّ بيان الموضوعات الشرعيّة بيد الشارع، وليكون للعرف إليها سبيل.
إن قلت: إنّا لا نعلم بكون الميسور العرفي وافياً بالغرض أو بعضه، والوفاءبالغرض أو بعض الغرض ممّا لابدَّ منه، فتعيين «الميسور» من الطبيعة لابدّ منأن يكون بيد الشارع العالم بالغرض والمصلحة.
قلت: لا دلالة في الحديث على أنّ المراد بـ «الميسور» ما كان مشتملاً علىالمصلحة أو بعضها، لأنّ موضوع الحكم بعدم السقوط هو نفس «الميسور» من
ج5
دون ضميمة شيء آخر إليه، فالوفاء بالغرض والمصلحة لا يكون في لسانالدليل.
في دعوى ورود التخصيصات الكثيرة على القاعدة
الثالث: قيل: لا يجوز الاتّكاء على القاعدة، لكثرة التخصيصات الواردةعليها، فلابدّ من ضمّ عمل المشهور إليها ليكون جابراً لضعف دلالتها، ففي كلّمورد أفتى المشهور على طبقها يجوز التمسّك بها، وفي كلّ مورد أعرضالمشهور عنها لا يجوز.
وأراد هذا القائل من التخصيصات الكثيرة التي يدّعي بلوغها إلىالتخصيص الأكثر موردين:
أ ـ الصوم، لأنّ المكلّف لو كان قادراً عليه بعض اليوم دون بعضه الآخر،لجاز له الإفطار أوّل الصبح، وكذا لو كان قادراً على الإمساك من بعضالمفطرات دون بعض، لم يجب عليه ترك ما قدر على تركه.
ب ـ المستحبّات، لأنّه لو كان قادراً على الإتيان ببعض أجزاء المستحبّدون بعض آخر، لسقط رأساً، ولا يستحبّ الإتيان بما هو مقدور له منالأجزاء.
الحقّ في المسألة
أقول: أمّا المستحبّات: فقلنا بخروجها عن تحت حديث «الميسور لا يسقطبالمعسور».
نعم، حديث «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» يعمّها، لأنّا قلنا بأنّ ظهورالموصول في العموم أرجح من ظهور النهي في الحرمة، ولكنّا قلنا بعدم جوازالتمسّك بالحديث في المقام على القول بتقديم ظهور الموصول، فما يجوز
(صفحه326)
الاستدلال به لا يعمّ المستحبّات، وما يعمّها لا يجوز الاستدلال به.
وأمّا الصوم: فهو أمرٌ بسيط، لا مركّب بالنسبة إلى أجزاء الزمان ـ كما هوظاهر ـ ولا بالنسبة إلى المفطرات، لأنّ ترك كلّ مفطر لا يكون جزءً له، إذالترك عَدَمٌ، ولا يكاد يتحقّق شيء بانضمام الأعدام بعضها إلى بعض.
وبالجملة: ترك المفطر لا يكون جزءً للصوم، بل وجوده ضدّ له ومبطل له.فالصوم أمرٌ بسيط خارج عن تحت القاعدة تخصّصاً.
سلّمنا خروجه تخصيصاً، لكنّه مورد واحد، فأين التخصيص الكثيرأو الأكثر مع بقاء الصلاة والحجّ وغيرهما تحت القاعدة؟!
هذا تمام الكلام في قاعدة «الميسور» وقد عرفت عدم جواز التمسّك بها،لضعف سند الروايات الثلاثة الدالّة عليها، فلا يترتّب على المباحث المتقدّمةثمرة عمليّة، إلاّ أنّها مطالب علميّة دقيقة ذات ثمرة عمليّة على فرض تسليمالسند.
وهاهنا تمَّ الكلام في أصالة البراءة والاحتياط والتخيير.
ج5
(صفحه328)
في شرائط جريان الاُصول
خاتمة
في شرائط جريان الاُصول
ثمّ تداول في كلماتهم البحث عن شرائط جريان الاُصول العمليّة عقيبهذه الاُصول الثلاثة، ووجه تقديم هذا البحث على الاستصحاب ـ الذي هوأيضاً من الاُصول ـ أنّ ما هو شرط لجريان البراءة فهو بعينه شرط لجريانالاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة والحكميّة، فإذا تبيّن ما يتوقّف عليهأصالة البراءة تبيّن ما يتوقّف عليه الاستصحاب أيضاً.
هل يشترط في جريان «أصالة الاحتياط» شيء أم لا؟
أمّا الاحتياط: فلا يكون مشروطاً بشيء أصلاً، لأنّه حسن على كلّ حال،فكلّما تحقّق عنوان الاحتياط كان حسناً، من دون أن يتوقّف على شيء آخر.
لا يقال: قد يكون الاحتياط موجباً لاختلال النظام، ولا شكّ في عدمحسن اختلال النظام، بل هو قبيح قطعاً، فحسن الاحتياط يتوقّف على عدماستلزامه له.
لأنّه يقال: الاحتياط حسن هاهنا أيضاً، والقبيح إنّما هو اختلال النظام، وليتداخل العنوانان حتّى يسري حكم أحدهما إلى الآخر، بل لو كان الاحتياط