(الصفحة 123)أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ ـ تبارك وتعالى ـ قبل أن تقع في يد العبد»(1)
. وعن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : «كان يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل»(2) ونحوه عن غيره (عليه السلام)(3) . وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «كلّ معروف صدقة إلى
غنيّ أو فقير ، فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة ، واتّقوا النار ولو بشقّ التمرة ، فإنّ الله يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله حتّى يوفّيه إيّاها يوم القيامة ، وحتّى يكون أعظم من الجبل العظيم»(4) إلى غير ذلك1 .
1 ـ المراد بالصدقة هنا الصدقة بالمعنى الخاصّ في مقابل الوقف الذي عرفت التعبير عنه بالصدقة الجارية في جملة من الروايات ، وفي مقابل الزكاة التي عبّر عنها بالصدقات في قوله تعالى :
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ . . .}(5) وسائر الأصناف الثمانية المستحقّين للزكاة المذكورين في الآية الشريفة ، وقد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ والترغيب بها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة ، وعلى طوائف مخصوصة ، والظاهر بلوغها حدّ التواتر المعنويّ ، ولا أقلّ
- (1) الكافي : 4 / 3 ح 5 ، الفقيه : 2 / 37 ح 156 ، التهذيب : 4 / 112 ح 331 ، وعنها الوسائل : 9 / 406 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 18 ح 1 .
- (2) عدّة الداعي : 68 ، وعنه الوسائل 9 : 432 : كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 29 ، ح 2 .
- (3) الكافي : 4 / 9 قطعة من ح3 ، التهذيب : 4 / 105 ، قطعة من ح 300 ، تفسير العيّاشي : 2 / 107 ح 114 ، تفسير الصافي : 1 / 726 ، تفسير الآية 104 من سورة التوبة ، البرهان في تفسير القرآن : 2 / 156 ح 7 ، وعنها الوسائل : 9 / 407 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 18 ، ح 2 و ص 434 ، ح 5 ، وتفسير كنز الدقائق : 4 / 271 .
- (4) أمالي الطوسي : 458 ح 1023 ، وعنه الوسائل : 9 / 381 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب 7 ح 5 .
- (5) سورة التوبة : 9 / 60 .
(الصفحة 124)مسألة : يعتبر في الصدقة قصد القربة ، ولا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب والقبول على الأقوى ، بل يكفي المعاطاة ، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل ـ من إعطاء أو تسليط ـ قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة ، ويشترط فيها الإقباض والقبض1 .
من التواتر الإجمالي الناشئ عن العلم بصدور بعضها ، ولا حدّ فيها قلّةً وكثرةً ، ولها آثار وضعيّة كثيرة من دفع الشرّ والبلاء والمرض حتّى الجنون ، وفي المتن رواية «أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهوّن الحساب ، وصدقة النهار تثمر المال ، وتزيد في العمر» ، وكذا رواية «أنّها تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد» ، والتعابير المختلفة الواقعة في الروايات التي ربما يتعجّب منها الإنسان ، ويستفاد من مجموعها أنّ تكثيرها ولو بشيء يسير أولى من تقليلها ولو بشيء عظيم ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ أمّا اعتبار قصد القربة في الصدقة ، فلأنّه الفصل المميّز بينها وبين سائر أنواع الهبات ، وحتّى الوقف وأخواته على ما عرفت من عدم اعتبار قصد القربة فيها(1) . نعم ، الفرق بينها وبين الزكاة مع اشتراكهما في اعتبار قصد القربة ـ مضافاً إلى لزوم قصد عنوان الزكاة ـ إنّما هو في الوجوب والاستحباب ، ولأجله يشكل الفرق بينها وبين الزكاة في الاُمور التي يستحبّ فيها الزكاة ، كمال التجارة ومثله ، اللّهمّ إلاّ في العنوان ، حيث إنّه يعتبر فيها قصد عنوان الزكاة ، بخلاف الصدقة ، فإنّها تحصل بمجرّد التمليك المجّاني مع قصد القربة .
وأمّا عدم اعتبار العقد المشتمل على الإيجاب والقبول وإن كان هو المشهور ، بل
(الصفحة 125)مسألة : لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ1 .
قد ادّعي الإجماع عليه (1) ، فلأنّه لا دليل على اعتبار اللفظ فيها ، فضلاً عن لفظ خاصّ ، وذكر السيّد في الملحقات أنّه ما أدري من أين اشترطوا فيها الإيجاب والقبول (2) ، وحينئذ فالظاهر أنّه كما أنّ المعاطاة كافية في مثل البيع الذي هو من جملة رؤوس العقود ، كذلك تكفي المعاطاة في مثل المقام . نعم ، قد عرفت ثبوت الإجماع على عدم جريانها في النكاح (3) .
وأمّا اشتراط الإقباض والقبض الظاهر في الاشتراط في الصحّة لا الاعتبار في اللزوم ، فالدليل عليه ـ مضافاً إلى الإجماع(4) ـ ما عرفت من استصحاب عدم ترتّب الأثر قبل القبض(5) ، لكن المشهور اعتبار كونه بإذن المتصدّق(6) ، ولكن لا دليل عليه ، وثبوت الحرمة في صورة عدم الإذن لا يدلّ على فساده بعد عدم كونه بنفسه عبادةً منهيّاً عنها .
1 ـ قد خالف في ذلك الشيخ في محكيّ المبسوط(7) ، والظاهر عدم جواز الرجوع
- (1) المبسوط : 3 / 314 ، شرائع الإسلام : 2 / 222 ، كفاية الأحكام : 142 ، مفاتيح الشرائع : 1 / 231 ، الحدائق الناضرة : 22 / 261 ، مفتاح الكرامة : 9 / 148 ، رياض المسائل : 9 / 370 ، جواهر الكلام : 28 / 126 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 274 .
- (3) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب النكاح : 60 .
- (4) السرائر : 3 / 177 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 417 .
- (5) في ص 19 .
- (6) شرائع الإسلام : 2 / 222 ، الجامع للشرائع : 367 ، جامع المقاصد : 9 / 129 ، الروضة البهيّة : 3 / 191 ، وغيرها كما في مفتاح الكرامة : 9 / 150 ، الحدائق الناضرة : 22 / 261 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 274 ، الفصل الثامن .
- (7) المبسوط : 3 / 314 .
(الصفحة 126)مسألة : تحلّ صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقاً ، حتّى الزكاة المفروضة والفطرة . وأمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة ، وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات ونحوهما فالظاهر أنّها كالمندوبة ، وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها1 .
فيها ، لما دلّ على أنّه لا يرجع فيما كان لله ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً ذلك ، ولا فرق في ذلك بين الصدقة على ذي رحم ، أو الصدقة على الأجنبيّ ، وإن كان عدم جواز الرجوع في الهبة الخالية عن قصد القربة إنّما هو في الصورة الاُولى، وإن كان هنا بعض الاُمور الاُخرى دخيلاً في اللزوم وموجباً لثبوته ، كالهبة المعوّضة على ما عرفت في كتاب الهبة (1) .
1 ـ لا إشكال في أنّها تحلّ صدقة الهاشمي ـ مندوبةً كانت أو مفروضة ، زكاةً كانت أو فطرةً أو مظلمةً أو كفّارةً ـ لمثله من الهاشمي ولغيره ، فإنّه لا محدودية من هذه الجهة إذا كان المتصدّق هاشميّاً .
كما أنّه لا إشكال في أنّه لا تحلّ صدقة غير الهاشمي للهاشمي في الزكاة المفروضة والفطرة ، على ما تقدّم في البابين ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات فقد استظهر في المتن أنّها كالمندوبة وإن احتاط بعدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها ، والوجه في الجواز عدم الدليل على عدمه في غير الزكاة والفطرة ، وفي الاحتياط شباهتهما بهما ، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في الخمس من تخصيص الله تعالى
- (1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الهبة مسألة 8 ، الفرع الرابع .
(الصفحة 127)مسألة : يعتبر في المتصدِّق البلوغ ، والعقل ، وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً1 .
مسألة : لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي ، والمخالف وإن كانا أجنبيّين . نعم ، لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين2 .
سهم السادات بهم تجليلاً لهم وتكريماً لشأنهم(1) ، كما لا يخفى .
1 ـ يعتبر في المتصدّق البلوغ والعقل ، كما في سائر العقود المرتبطة ، وكذا الاختيار في مقابل الإكراه ، ولم يعلم الوجه في ترك التعرّض له ، فإنّه لا إشكال في البطلان في صورة الإكراه وعدم الاختيار ، وكذا يعتبر عدم الحجر لفلس أو سفه ، لما تقدّم في كتاب الحجر من أنّه لا يجوز لهما التصرّفات الماليّة مطلقاً (2) ، وأمّا الصبيّ البالغ عشراً فالظاهر أنّه لا تصحّ صدقته مطلقاً وإن قلنا بصحّة وصيّته في هذه الصورة ; لعدم الملازمة وبطلان القياس .
2 ـ لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ، ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي والمخالف . نعم ، قد عرفت في باب الزكاة أنّه إذا استبصر من أعطى زكاته الواجبة للمخالف يجب عليه الأداء ثانياً ، معلّلاً بأنّه وضعها في غير موضعها ، ولا فرق في الصدقة المندوبة من هذه الجهة بين ما إذا كان المتصدّق عليه رحماً أو أجنبيّاً .
- (1) وسائل الشيعة : 9 / 509 ـ 518 ، كتاب الخمس ، أبواب قسمة الخمس ب 1 .
- (2) أي في كتاب الحجر ، القول في السفه . والقول في الفلس مسألة 3 .