(الصفحة 259)مسألة : لو عجز الناذر عن المنذور ـ في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ـ انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه . نعم ، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على الأقوى ، والأحوط مدّان1 .
واحصه ، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه ، فمره أن يخرج إليك الصحيفة ، ثمّ اكتب فيها جملة ما تصدّقت وأخرجت من صدقة أو برّ في تلك السنة ، ثمّ افعل ذلك في كلّ سنة حتّى تفي لله بجميع ما نذرت فيه ، ويبقى لك منزلك ومالك إن شاء الله .
قال : فقال الرجل : فرّجت عنّي ياابن رسول الله جعلني الله فداك(1) .
والظاهر أنّ مورد الرواية كالمتن صورة المشقّة ، وإلاّ فاللازم الوفاء بالنذر في مفروض المسألة كما هو مقتضى القاعدة .
1 ـ قد مرّ(2) اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر وتحقّقه ، فاعلم أنّه مع طروّ العجز في وقت العمل إن كان النذر موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ينحلّ النذر ويسقط عنه ولا شيء عليه ; لعدم تعمّد الحنث . نعم ، فيما إذا نذر صوماً فعجز عنه يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، كما في رواية محمّد بن منصور ، أنّه سأل موسى ابن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال : يتصدّق لكلّ يوم بمدّ من حنطة(3) .
- (1) الكافي : 7 / 458 ح23 ، تهذيب الأحكام : 8 / 307 ح1144 ، وعنهما الوسائل : 23 /314 ، كتاب النذر والعهد ب14 ح1 .
- (2) في ص239 ـ 240.
- (3) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .
(الصفحة 260)مسألة : النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل; من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، ويتحقّق الحنث وتجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى ، وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط ، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه . وإن كان مطلقاً كان وقته العمر ، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق ، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء . وإن كان ترك شيء ، ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّة ، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّة ، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر ، كما مرّ في اليمين1 .
والأحوط الأولى مدّان ، كما في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يجعل عليه صياماً في نذر فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) . فإنّ الرواية الاُولى قرينة على حمل هذه على الاستحباب ; لظهورها في عدم وجوب أكثر من مدّ .
1 ـ النذر المتعلّق بإيجاد عمل كالأمثلة المذكورة في المتن إن كان موقّتاً تعيّن ذلك الوقت ، ويتحقّق الحنث ووجوب الكفّارة بترك ذلك العمل المنذور في الوقت المعيّن له ، غاية الأمر أنّه قد فصّل في المتن بين أن يكون ذلك العمل صوماً ، فقد قوّى وجوب القضاء فيه ، وبين أن يكون صلاة فاحتاط وجوباً بالقضاء ، وبين غيرهما فاستظهر عدم الوجوب .
وأنا أقول : أمّا الدليل على وجوب القضاء في الصوم فهي رواية عبدالله بن
- (1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .
(الصفحة 261)
جندب المتقدّمة(1) ، قال : سأل عبّاد بن ميمون ـ وأنا حاضر ـ عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً وأراد الخروج إلى مكّة ، فقال عبدالله بن جندب : سمعت من رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً فحضرته نيّة في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام)؟ قال : يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك . هذا ولكن الظاهر ضعف الرواية بالإرسال .
نعم ، هنا صحيحة زرارة قال : إنّ اُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت لله في بعض ولدها في شيء كانت تخافه عليه ، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها ، فخرجت معنا إلى مكّة ، فاُشكل علينا صيامها في السفر ، فلم ندر تصوم أو تفطر ، فسألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال : لا تصوم في السفر ، إنّ الله قد وضع عنها حقّه في السفر ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها ، فقلت له : فماذا إن قدمت إن تركت ذلك؟ قال : لا ، إنّي أخاف أن ترى في ولدها الذي نذرت فيه بعض ما تكره(2) .
والظاهر أنّ المراد من قوله : «تصوم» في ذيل الرواية هو قضاء الصوم .
وأمّا الاحتياط الوجوبي في قضاء الصلاة فلأجل أنّه لا دليل ظاهراً في خصوص الصلاة ، كما ورد في الصوم على ما عرفت ، ويمكن إلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى الصلاة بدعوى عدم اختصاص الدليل بالصوم ، مضافاً إلى دعوى إمكان الإطلاق في قوله : «إقض ما فات» وعدم الاختصاص بالصلوات اليوميّة .
وأمّا غير الصوم والصلاة فمع الترك في الموقّت كترك الصدقة في خصوص وقت نذرها فيه لا دليل على وجوب القضاء بوجه ، هذا بالنسبة إلى الموقّت .
- (1) في ص247.
- (2) الكافي : 7 / 459 ح24 ، وعنه الوسائل : 23 / 313 ، كتاب النّذر والعهد ب13 ح2 .
(الصفحة 262)مسألة : إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً ، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه; نسياناً أو جهلاً أو اضطراراً أو إكراهاً ، لم يترتّب عليه شيء ، بل الظاهر عدم انحلال النذر به ، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت1 .
مسألة :
لو نذر إن برئ مريضه أو قدم مسافره صام يوم مثلاً ، فبان أنّ المريض برئ والمسافر قدم قبل النذر لم يلزم2 .
وأمّا المطلق، فقد عرفت أنّوقته مادام العمر، ويتضيّق بظنّ الوفاةوظهور أمارات الموت ، فيتحقّق الحنث والكفّارة بالترك فيه . هذا كلّه بالإضافة إلى الفعل المنذور .
وأمّا بالنسبة إلى الترك ، فإن كان النذر موقّتاً فالحنث يتحقّق بالإيجاد في ذلك الوقت ولو مرّة واحدة ، ويتعقّبه وجوب الكفّارة . وإن كان النذر مطلقاً ، فالحنث يتحقّق بالإيجاد في مدّة عمره ولو كذلك ، وعلى التقديرين ينحلّ النذر كما مرّ في اليمين(1) ، فلاحظ .
1 ـ إذا تعلّق النذر بترك شيء ، فإن فعله اختياراً يتحقّق الحنث كما تقدّم ، وإن فعله لأحد العناوين المذكورة في حديث الرفع(2) كالجهل والإكراه والاضطرار والنسيان لا يترتّب على مثل هذا الفعل شيء من الإثم والكفّارة ، بل الظاهر عدم تحقّق انحلال النذر به ، فيجب عليه الترك فيما بقي من الوقت في الموقّت ، وفي بقيّة العمر في المطلق ; لعدم تحقّق الحنث المحرّم .
2 ـ لو نذر الصوم مثلاً إن برئ مريضه أو قدم مسافره ، فبان برء المريض أو
- (1) في ص229 ـ 230 .
- (2) تقدّم في ص228 .
(الصفحة 263)مسألة : كفّارة حنث النذر ككفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان على الأقوى1 .
قدوم المسافر قبل تعلّق النذر لا يجب عليه الوفاء بهذا النذر ; لأنّ المفروض أنّ المعلّق عليه كان حاصلاً قبل النذر ، فلا مجال للالتزام بالمنذور معلّقاً .
ويدلّ عليه بعض الروايات أيضاً ، مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل وقع على جارية له ، فارتفع حيضها وخاف أن تكون قد حملت ، فجعل لله عتق رقبة وصوماً وصدقة إن هي حاضت ، وقد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين وهو لا يعلم؟ قال : ليس عليه شيء(1) .
ورواية جميل بن صالح قال : كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها ، فجعلت لله نذراً إن هي حاضت ، فعلمت أنّها حاضت قبل أن أجعل النذر ، فكتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) بالمدينة ، فأجابني : إن كانت حاضت قبل النذر فلا عليك ، وإن كانت (حاضت نسخة) بعد النذر فعليك(2) .
1 ـ سيأتي في كتاب الكفّارات(3) إن شاء الله أنّ كفّارة حنث النذر ككفّارة إفطار يوم من شهر رمضان عمداً ، فانتظر .
- (1) تهذيب الأحكام : 8 / 313 ح1164 ، وعنه الوسائل : 23 / 302 ، كتاب النذر والعهد ب5 ح2 .
- (2) الكافي : 7 / 455 ح4 ، الفقيه : 3 / 238 ح1131 ، تهذيب الأحكام : 8 / 303 ح1127 ، وعنها الوسائل : 23/302 ، كتاب النذر والعهد ب5 ح1 .
- (3) في ص271 ـ 272 .