(الصفحة 98)مسألة : لو جعل التولية لاثنين ، فإن جعل لكلّ منهما مستقلاًّ استقلّ ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة انفرد الآخر ، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، فحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى1 .
مسألة : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع . ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف; من تعمير الوقف ، وإجارته وتحصيل اُجرته وقسمتها على أربابه ، وأداء خراجه ، ونحو ذلك ، كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح ، وليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن
1 ـ لو جعل التولية لاثنين فله صورتان :
الاُولى : جعل التولية لكلّ منهما مستقلاًّ ، ومعناه الاستقلال في القيام بالوظائف وعدم لزوم الرجوع إلى الآخر ولو للاستشارة ، وفي هذه الصورة لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة لا يقدح ذلك في بقاء تولية الآخر وجواز التصرّف انفراداً .
الثانية: جعل التولية لهما بنحو الاجتماع والاشتراك ، فلا يجوز الانفراد بالتصرّف، وعطف على هذه الصورة صورة الإطلاق التي لا تشهد بالاستقلال قرائن الأحوال لظهور الكلام في ذلك ، وحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة في هذه الصورة الثانية بكلا فرضيها ليضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر ، وفي المتن على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، والوجه فيه أنّ المستفاد من جعل التولية لشخصين أنّ نظر الواقف إلى عدم الاكتفاء بشخص واحد ولو كان في غاية الوثاقة والأمانة ، فإنّ رعاية المصلحة طبقاً لموافقة شخصين أقرب إلى الواقع ، كما هو غير خفيّ .
(الصفحة 99)يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص ، وبعضها لآخر ، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع مثلاً لأحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها لآخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه ، وللآخر التصرّفات . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكمه الآتي1 .
1 ـ لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف في الصيغة وفي مقام جعل التولية وظيفة المتولّي وشغله ، فاللازم متابعته وعدم جواز التعدّي عنه(1) .
ولو لم يعيّن ، بل أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من الاُمور المذكورة في المتن مع رعاية المصلحة ومراعاة جانب الاحتياط ، وليس لأحد مزاحمته فيه ، حتّى الموقوف عليهم ، بل وحتّى الواقف ، لصيرورته أجنبيّاً بعد تماميّة الوقف كما مرّ(2) .
وكما يجوز جعل التولية لشخصين بأحد النحوين المذكورين في المسألة السابقة ، كذلك يجوز تبعيض التولية ; بأن يجعل تولية بعض الاُمور لشخص ، والبعض الآخر لآخر ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لأنّ الأمر بيده ; لقاعدة السلطنة . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات كالحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالإضافة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكم الوقف بلا متولٍّ أصلاً ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
- (1) السرائر : 3 / 157 ، إصباح الشيعة : 347 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 .
- (2) في ص64 ـ 65 .
(الصفحة 100)مسألة : لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن ، وكان ذلك اُجرة عمله ، ليس له أزيد منه وإن كان أقلّ من اُجرة مثله ، ولو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل1 .
مسألة : ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره ـ حتّى مع عجزه عن التصدّي ـ إلاّ إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً . نعم ، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته إن لم يشترط عليه المباشرة2 .
مسألة : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقلّ في تصرّفاته ، ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، وإنّما اللازم عليه اطّلاعه ، وإن كان
1 ـ لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع; سواء كان بمقدار اُجرة المثل أو أقلّ أو أكثر تعيّن(1) ، وكان ذلك اُجرة عمله ، عملاً بقاعدة السلطنة وقبول التولية بهذه الكيفيّة ، ولو لم يعيّن شيئاً فحيث إنّ عمل المسلم مع الأمر به محترم فالأقرب كما في المتن ثبوت اُجرة المثل .
2 ـ ليس للمتولّي بعد قبول التولية تفويضها إلى غيره مطلقاً ، حتّى مع العجز عن التصدّي ; لعدم ارتباطه بالوقف من هذه الجهة . نعم ، له مع حفظ التولية توكيل الغير في بعض ما كان من وظيفته التصدّي له في صورة عدم اشتراط المباشرة عليه ، وإلاّ فيصير في صورة العجز كالوقف بلا متولٍّ .
- (1) مسالك الأفهام : 5 / 325 ـ 326 ، الحدائق الناضرة : 22 / 186 ، رياض المسائل : 9/309 ، الشرح الصغير : 2/242 .
(الصفحة 101)المقصود إعمال نظره وتصويبه لم يجز له التصرّف إلاّ بإذنه وتصويبه ، ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين1 .
مسألة : لو لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً ، ففي الأوقاف العامّة يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متولّياً على الأقوى . وكذا في الخاصّة فيما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون ; من تعميره ، وحفظ الاُصول ، وإجارته للبطون اللاحقة . وأمّا بالنسبة إلى تنميته وإصلاحاته الجزئيّة المتوقّف عليها حصول النماء الفعلي ـ كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله وتقسيمه وأمثال ذلك ـ فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين2 .
1 ـ يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، والناظر على نوعين :
الأوّل : الناظر الذي يعبّر عنه بالناظر الاستطلاعي ; وهو ما كان المقصود مجرّد اطّلاعه على أعمال المتولّي لأجل الاستيثاق ، وفي هذا النوع يكون المتولّي مستقلاًّ في تصرّفاته ، ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، بل اللازم على المتولّي اطّلاعه وإعلامه بتصرّفه .
الثاني : الناظر الذي يعبّر عنه بالناظر الاستصوابي ، وهو ما كان المقصود إعمال نظره وتصويبه لعمل المتولّي ، وفي هذا النوع لا يجوز له التصرّف مستقلاًّ حتّى مع اطّلاعه ، بل لابدّ من إذنه وتصويبه .
ولو لم يحرز مراد الواقف من جهة جعل الناظر ، وأنّه هل على النحو الأوّل أو الثاني ؟ فاللازم مراعاة الأمرين من الاطّلاع والإذن .
2 ـ إذا لم يعيّن الواقف متولّياً في صيغة الوقف ، فهل التولية لنفسه(1) ، أو
- (1) تذكرة الفقهاء : 2 / 441 .
(الصفحة 102)
للموقوف عليهم(1) ، أو للحاكم(2) ، أو يفصّل بين الوقف الخاصّ ، فللموقوف عليهم ، وبين الوقف العامّ فللحاكم؟(3) أقوال . وربما تبنى المسألة كما في الملحقات على أنّ العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف ، أو تنتقل إلى الموقوف عليهم ، أو إلى الله مطلقاً ، أو يفصل بين الخاصّ فتنتقل إليهم ، والعامّ فإليه تعالى(4) ، فعلى القول بالبقاء تكون التولية للواقف ، وعلى القول بالانتقال إلى الموقوف عليهم مطلقاً أو في الخاصّ فلهم(5) ، وعلى القول بكونه لله فللحاكم(6) ،(7) .
والأقوى كما في المتن أنّ التولّي في الأوقاف العامّة الكذائيّة للحاكم ، لا للواقف ولا للموقوف عليه ، أمّا الواقف ، فلخروج الأمر من يده وصيرورته كالأجنبيّ ، ولذا قلنا بعدم جواز جعل التولية بعد تماميّة الوقف ، وأمّا الموقوف عليه ، فلأنّ الظاهر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به أيضاً ، فليس للموجودين امتياز ، فلا محيص إلاّ عن ثبوت التولية للحاكم الذي يراعي مصلحة جميع البطون ، أو المنصوب من قبله، ولأجل ماذكرنا لابدّ من الالتزام بثبوت التولية للحاكم ، أو المنصوب من قبله في الأوقاف الخاصّة; كالوقف على الذرّية بالنسبة إلى ما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون مطلقاً ; من التعمير وحفظ الاُصول وإجارته للبطون اللاحقة .
- (1) الكافي في الفقه : 324 ، مختصر النافع : 256 ، إرشاد الأذهان : 1 / 452 ، تبصرة المتعلّمين : 126 ، كنز الفوائد : 2 / 131 .
- (2) تذكرة الفقهاء : 2 / 441 ، كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد : 2 / 137 .
- (3، 4) اللمعة الدمشقيّة : 57 ، الروضة البهيّة : 3 / 177 .
- (5) شرائع الإسلام : 2 / 214 ، قواعد الأحكام : 2 / 390 .
- (6) المبسوط : 3 / 301 ، تحرير الأحكام : 3 / 314 ، حاشية شرائع الإسلام : 521 ، مسالك الافهام : 5 /324 ، جامع المقاصد : 9 / 34 ـ 35 و64 ، الشرح الصغير : 2 / 241 .
- (7) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 227 مسألة 2 .