(الصفحة 37)مسألة : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل1 .
مسألة : من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وغيره ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره . وإن كان بنحو الترتيب ، فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ، ثمّ غيره فمنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم الصور2 .
حال وقوعها لزوم مراعاة الاحتياط ، من دون فرق بين التعليق على أمر مجهول الحصول ، بل متوقّعة ، كمجيء زيد ، أو أمر يقينيّ الحصول مع فرض عدم حصوله فعلاً ، كمجيء رأس الشهر . وأمّا في صورة حصوله وتحقّقه سواء كان معلوماً أو مجهولاً ، فالظاهر الصحّة وعدم لزوم مراعاة الاحتياط ، خلافاً لما حكي عن بعض ، نظراً إلى أنّه بصورة التعليق كما مرّ .
1 ـ لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن كان المفهوم منه عرفاً أنّه أوصى بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل ، والظاهر أنّ المراد الفرق بين صورة شرط الفعل وشرط النتيجة ، والوجه في صحّة الأوّل أنّه وصيّة بأن يوقف ولا مانع منه ، بخلاف الثاني ; لأنّ الوقف يحتاج إلى سبب، كما عرفت .
2 ـ بلا خلاف كما عن جماعة(1) ، أو الإجماع كما عن جماعة اُخرى(2) ، وربما
- (1) مسالك الأفهام: 5/361، مفاتيح الشرائع: 3/211 ، الحدائق الناضرة : 22 / 155 ، رياض المسائل : 9/292.
- (2) السرائر : 3 / 155 ، التنقيح الرائع : 2 / 305 .
(الصفحة 38)
يستدلّ عليه ببعض الأخبار ، مثل :
مكاتبة عليّ بن سليمان بن رشيد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها عن أبي ، وبعضها استفدتها ولا آمن الحدثان ، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فما ترى جعلت فداك ، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين ، أو أبيعها وأتصدّق بثمنها عليهم في حياتي ؟ فإنّي أتخوّف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي ، فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيّام حياتي أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : فهمت كتابك في أمر ضياعك ، فليس لك أن تأكل منها من الصدقة ، فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة ، فبع وتصدّق ببعض ثمنها في حياتك ، وإن تصدّقت أمسكت لنفسك ما يقوتك ، مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
وخبر طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن أبيه أنّ رجلاً تصدّق بدار له وهو ساكن فيها ، فقال : الحين اُخرج منها(2) .
ولكن نوقش في دلالة الخبر; بأنّ مقتضاه وجوب الخروج عن الدار بعد أن أوقفها على غيره ، ولا دلالة له على عدم جواز الوقف لنفسه ، وفي دلالة المكاتبة بأنّ المراد أنّه إذا وقف على الفقراء لا يجوز أن يأكل منه ما دام حياته ، ولا دلالة فيها على عدم جواز أن يجعل شيئاً من الوقف لنفسه مدّة حياته .
فالعمدة في دليل المنع ـ كما أفاده السيّد في الملحقات ـ الإجماع(3) ، ولازمه
- (1) الكافي : 7 / 37 ح33 ، الفقيه : 4 / 177 ح623 ، التهذيب : 9 / 129 ح554 ، وعنها الوسائل : 19/176 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح1 .
- (2) التهذيب : 9 / 138 ح582 ، الاستبصار : 4 / 103 ح394 ، وعنهما الوسائل : 19 / 178 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح4 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 197 .
(الصفحة 39)مسألة : لو وقف على غيره كأولاده ، أو الفقراء مثلاً وشرط أن يقضي ديونه ، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق الماليّة ، كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف ، لم يصحّ وبطل الوقف ، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه . هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه ، وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم; بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان
الاقتصار على القدر المتيقّن منه ، وإلاّ فمقتضى العموم الوارد في الوقف والعمومات الواردة في عموم العقود هو الجواز .
ثمّ إنّه على تقدير القول بالمنع ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره ، وإن كان بنحو الترتيب يتصوّر فيه الأنواع الثلاثة في الوقف المنقطع ، ويجري فيه حكم كلّ واحد منها كما لا يخفى . نعم ، في صورة التشريك كما لو وقف على نفسه والفقراء قيل ببطلانه ، وقيل : يكون تمامه للفقراء ، وقيل ببطلانه في نصفه ، وقيل ببطلانه في ربعه(1) ، وقد قوّى السيّد فيها أنّه إن أراد التوزيع بطل في نصفه وصحّ في نصفه للفقراء ، وإن كان مراده بيان المصرف صحّ في تمامه للفقراء ; إذ مع كونه له وللفقراء على وجه بيان المصرف يمكن دفع تمامه للفقراء(2) ، كما أنّه احتمل في صورة إرادة التوزيع أن يكون تمامه للفقراء ، فتدبّر .
- (1) المسالك : 5 / 362 ، الحدائق الناضرة : 22 / 159 ـ 160 ، رياض المسائل : 9 / 294 ، مفتاح الكرامة : 9/30.
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 198 .
(الصفحة 40)الشرط تختلف الصور ، ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، كما لو شرك نفسه مع غيره ، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل ، فيصحّ على الظاهر فيما بعده ، لكنّ الاحتياط بإجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه1 .
1 ـ قد فرض في هذه المسألة صورتين :
الاُولى : أنّه لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلاً وشرط أن يقضي ديونه ، أو ما عليه من الحقوق الماليّة الشرعيّة كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف بحيث كان الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه أيضاً ، فالمشهور بطلان الشرط والوقف(1) ; سواء شرط أداء دين معيّن ، أو أطلق الدين ، وسواء شرط إدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا لا فرق بين تعيين المؤونة وعدمه ، والوجه في البطلان كون هذا الشرط منافياً لمقتضى الوقف ، إذ مقتضاه خروجه عن العين والمنفعة .
وربما يقال : بأنّ غاية الأمر أن يكون الشرط فاسداً ، والشرط الفاسد لا يكون مفسداً ، والتحقيق أنّه في هذه الصورة يرجع إلى الوقف لنفسه ، وهو باطل بمقتضى ما مرّ .
الثانية : أن لا يكون الشرط راجعاً إلى الوقف لنفسه ، بل بعد فرض صيرورة جميع المنافع ملكاً للموقوف عليهم يشترط عليهم أداء ديونه ، أو مثله من المنافع بنحو شرط الفعل ، فقد قوّى فيها في المتن الصحّة ; لأنّه لم يدخل نفسه في الموقوف عليهم بوجه ، وأولى بالصحّة ما لو كان قصده استثناء مقدار ديونه من منافع
- (1) الحدائق الناضرة : 22 / 160 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 198 .
(الصفحة 41)مسألة : لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز ، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن يجب نفقته عليه ـ حتّى الزوجة الدائمة ـ إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتّى تسقط عنه ، وإلاّ رجع إلى الوقف على النفس1 .
مسألة : لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف وبقيت الإجارة على حالها ، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة ، فإن انفسخت بالفسخ أو الإقالة بعد تماميّة الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر دون
الوقف التي يكون ملكاً للموقوف عليه .
ثمّ إنّه ذكر أنّ في صورة بطلان الشرط يمكن أن يقال في بعض صورها بالصحّة بالنسبة إلى ما يصحّ ، كما لو شرك نفسه مع غيره ، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأوّل ، فيصحّ على الظاهر بالنسبة إلى ما بعد ، واحتاط استحباباً بإجراء الصيغة في مواردها ، ولا يخفى وجهه .
1 ـ لو شرط أكل أضيافه ومن يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز ; لما حكي من فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) في خبر أحمد ، عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام)(1) ، مع أنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى الوقف ، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممّن تجب نفقته عليه ، حتّى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه ، فلا تسقط بالشرط الكذائي عن الواقف الذي هو الزوج ، وإذا كان بعنوان تلك النفقة يرجع إلى الوقف على النفس ، وقد مرّ أنّه غير جائز .
- (1) قرب الإسناد : 363 ح1301 ، الكافي : 7 / 47 ح1 ، وعنهما بحار الأنوار : 22 / 296 ، 297 ح2 و6 وج43/236 ح5 وج103 / 183 ح10 .