(الصفحة 348)مسألة : لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه ، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلاً ، فيجوز لغيره صيده ويملك ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّه لا يملكه مالكها1 .
مسألة : الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال مثلاً واستولى عليه يملكه ويملك كلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه2 .
ثمّ إنّه احتاط وجوباً في الذيل أن يعامل مع الطير أيضاً معاملة اللقطة إذا كان مالكه مجهولاً ولكن علم بوجوده ولو من جهة آثار اليد ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا خصوصيّة للّقطة في ذلك ، بل هي بمعناها الأعمّ شامل للطير أيضاً ، فتدبّر .
1 ـ لو صنع برجاً لتعشيش الحمام كما هو المتداول المتعارف فعشّش فيه لم يكن مجرّد ذلك موجباً لملكيّة الحمام الذي يعيش فيه ; لأنّ نفس صنع ذلك لا يكون من الأسباب المملّكة ، خصوصاً لو لم يكن الغرض حيازة نفسه ، بل حيازة زرقه وقصد تملكّه ، وعليه فيجوز لغيره صيده ويملك ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها الآخذ وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وعليه فلو أخذه بأحد الوسائل الجديدة غير المستلزمة للدخول في البرج لم يكن هناك إثم أيضاً ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّ الجميع مشترك في عدم حصول الملكيّة لموجده بمجرّد إيجاده وتعيّش الطير فيه .
2 ـ الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال مثلاً يملكه وكلّ ما هو أمير له ويسير بسيره ويقف بوقوفه ويدخل الكنّ
(الصفحة 349)
[القول في ذكاة السمك]
مسألة : ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته; سواءكان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها، فلو وثب على الجدّ، أو نبذه البحر إلى الساحل ، أو نضب الماء الذي كان فيه ، حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت، وحرم لو مات قبل أخذه وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى1 .
المعبّر عنه في الفارسيّة (بكندو) ويخرج منه بدخوله وخروجه ، ولعلّ الوجه في الكفاية التبعيّة الموجودة فيهم في جميع الحالات ، بخلاف فرخ الطائر الذي يستقلّ إذا قدر على الطيران ، وهذا يكشف عن عدم التبعيّة .
1 ـ ذكاة السمك الموجبة لحلّية أكل لحمه ـ وإن لم تكن الطهارة متوقّفة عليها لعدم ثبوت نفس سائلة له حتّى تكون ميتتها نجسة ـ بأحد أمرين :
الأوّل : إخراجه من الماء حيّاً والموت خارج الماء .
الثاني : أخذه بعد خروجه منه قبل موته ; سواء كان ذلك باليد أو بالآلة ، ولا فرق في الخروج بين الأمثلة المذكورة في المتن . ويدلّ عليه رواية زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه(1) . والسؤال وإن كان ناظراً إلى اعتبار التسمية في صيد الحيتان وعدمه ، إلاّ أنّ الجواب دالّ على أنّ الملاك في الحلّية أخذه حيّاً ، ومفاده عدم اعتبار التسمية بوجه ، كما سيأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى ، إلاّ أنّ الأخذ حيّاً معتبر فيه ، ومقتضى إطلاقه إمّا الإخراج من الماء حيّاً ، أو أخذه بعد خروجه منه
- (1) الكافي : 6 / 216 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 9 ح29 ، الاستبصار : 4 / 63 ح221 ، وعنها الوسائل : 23 / 385 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب33 ح2 وج24 / 73 ، أبواب الذبائح ب31 ح3 .
(الصفحة 350)مسألة : لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية ، كما أنّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ; سواء كان كتابيّاً أو غيره . نعم ، لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه ، أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ، ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم ، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها1 .
كذلك ، وعليه فلا دليل لأن يكون إدراكه حيّاً ـ ولو كان ناظراً إليه ـ موجباً للحلّية وتحقّق الذكاة ، ويدلّ على هذا المضمون روايات متعدّدة اُخرى ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) مثل ذلك ; يعني أنّه سُئل عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه . قال : وسألته عن صيد السمك ولا يسمّي؟ قال : لا بأس(1) .
ورواية الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث إنّ زنديقاً قال له : السمك ميتة ، قال : إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء ، ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنّه ليس له دم ، وكذلك الجراد(2) . وروايات متعدّدة اُخرى .
1 ـ أمّا عدم اعتبار الإسلام في صائد السمك فلدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليه ، وهناك روايات اُخرى ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 9 ح30 ، وعنه الوسائل : 24 / 73 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح2 .
- (2) الاحتجاج : 2 / 238 ، قطعة من رقم 223 في سؤال الزنديق عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وعنه الوسائل : 24 / 75 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح8 والبحار : 10 / 181 قطعة من ح2 وج65 / 162 ذح1 .
(الصفحة 351)مسألة : لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة ، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه . نعم ، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها; بأن يجعل فيها ضوء بالليل ، ودقّ بشيء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها ، فالوجه أنّه يملكها ، ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً ، فيكون به تذكيتها1 .
عليه؟ قال : لا بأس به(1) .
وأمّا اعتبار العلم بموته خارج الماء في صيرورته حلالاً فيما لو وجده في يد الكافر ميّتاً ، وبعبارة اُخرى : لزوم إحراز كون الإخراج حيّاً فيما كان في يد الكافر ، فلدلالة رواية عيسى بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صيد المجوس؟ فقال: لا بأس إذا أعطوكه حيّاً ، والسمك أيضاً ، وإلاّ فلا تجوز شهادتهم عليه إلاّ أن تشهده أنت(2) .
والظاهر أنّه ليس المراد هو الموت في يد المسلم ، بل الموت خارج الماء وإن لم يكن في يد المسلم ، غاية الأمر أنّه لا تكفي شهادة المجوس عليه ، بل اللازم مشاهدة نفسه إيّاها أو ما بحكم المشاهدة ، بخلاف ما لو كان في يد المسلم ، فإنّها أمارة على التذكية كسوق المسلمين الذي يتداول اشتراء الحيتان منه وإن لم تكن حيّة ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ بمجرّد ذلك ، لا للسفّان فيها
- (1) الكافي : 6 / 216 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 8 ح28 ، الفقيه : 3 / 207 ح951 ، وعنها الوسائل : 23 / 385 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب33 ح1 وج24 / 73 ، أبواب الذبائح ب31 ح4 .
- (2) الكافي : 6 / 217 ح8 ، تهذيب الأحكام : 9 / 10 ح33 ، الاستبصار : 4 / 64 ح229 ، وعنها الوسائل : 23 / 386 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب34 ح1 وج24 / 76 ، أبواب الذبائح ب32 ح3 .
(الصفحة 352)مسألة : لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه ، فإن اُخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار ـ ولو بسبب جزره ـ فمات فيهما بعد نضوبه . وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان : أشرهما وأحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ، ولم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه ، فالأحوط الاجتناب عنه1 .
ولا لصاحب السفينة ; لأنّها حينئذ بمنزلة الساحل الذي وثب سمكة عليه ، وقد عرفت أنّ تملّكه يحتاج إلى الأخذ بقصد التملّك ، والسفينة لا تكون آلة لاصطياد السمك نوعاً ، بل لحمل الأشخاص أو الأشياء من طريق البحر أو ما هو بمنزلته .
نعم ، لو فرض في بعض الموارد جعل السفينة أو قسمة منها آلة لاصطياد السمك كما في المثال المفروض في المتن فوثب السمك فيها ، فاستوجه في المتن حصول الملكيّة بمجرّد الوثوب وإن لم يتحقّق الأخذ ; لأنّ ذلك بمنزلة إخراجه حيّاً الموجب لحصول التذكية .
أقول : بل هو بمنزلة الآلة التي يتعارف بها اصطياد السمك ، كالشبكة الموجبة لتحقّق حلّية ما وقع فيها .
1 ـ في المسألة صور :
الاُولى : ما لو نصب شبكة كما هو المتعارف في هذه الأزمنة ، أو صنع حظيرة في الماء لمنع السمك عن الخروج بعد الدخول فيها ، فإن كان الغرض منهما الاصطياد للسمك ، فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه مطلقاً وإن كان ميّتاً . نعم ، في صورة الإخراج من الماء حيّاً يكون حلالاً بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار ولو