(الصفحة 254)مسألة : لو نذر الصدقة على شخص معيّن لزم ولا يملك المنذور له الإبراء منه ، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه ، ولا يلزم على المنذور له القبول ، فإن
امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر ، إلاّ إذا امتنع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ، ومطلقاً في غيره ، فلو رجع عن امتناعه في الموقّت قبل خروج وقته وفي غيره يجب التصدّق عليه . نعم ، لو كان نذره الصدقة بعين معيّنة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة . ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه1 .
أحدهما : أن يكون التلف لا بإتلاف منه ، وقد حكم فيه في المتن بانحلال النذر وأنّه لا شيء عليه ، وظاهره عدم وجوب التصدّق بالمثل أو القيمة المأخوذين من المتلف ، نظراً إلى قاعدة الإتلاف التي موردها إتلاف مال الغير . نعم ، لا ينبغي الارتياب في عدم ترتّب كفّارة عليه ; لعدم كون الإتلاف من فعله .
ثانيهما : أن يكون التلف بإتلاف منه ، فحكمه على الأحوط من حيث الضمان حكم إتلاف مال الغير ; لأنّه قد نذر التصدّق بشخصه ، ولذا يجري فيه احتمال عدم جواز بيعه ، فيتصدّق بالبدل مثلاً أو قيمةً ، والأقوى وجوب الكفّارة عليه إن كان الإتلاف عن إرادة وقصد ; لصدق حنث النذر به ، وهو موجب للكفّارة .
1 ـ لو نذر التصدّق بشيء على شخص معيّن يجب الوفاء بهذا النذر ، وهنا حكمان :
(الصفحة 255)
أحدهما : أنّ المنذور له كما أنّه لا يملك ذلك الشيء بمجرّد النذر ، كذلك لا يملك إبراء الناذر منه ; لعدم الدليل على تأثير الإبراء هنا وإن كان قد يتعلّق بأمر محتمل ، كالأمر اليقيني ، كالإبراء من الدين القطعي أو الاحتمالي ، وكذلك الإبراء من كثير من الحقوق .
ثانيهما : أنّ الواجب على الناذر إنّما هو التصدّق ، وأمّا المنذور له فلا يجب عليه القبول ، بل له الامتناع عنه ، وحينئذ إذا كان الامتناع في تمام الوقت المضروب له في الموقّت ومطلقاً في غيره فمقتضى الاستثناء انحلال النذر ، وفي غيره نفى البُعد عن عدم الانحلال ، وفرّع عليه أنّه لو رجع عن امتناعه قبل خروج وقته ، وكذا في غير الموقّت يجب الوفاء بالنذر ; لأنّ المفروض عدم الانحلال .
ولو كان نذره الصدقة متعلّقاً بعين معيّنة وامتنع المنذور له عن قبولها فلا إشكال في أنّه يجوز للناذر الانتفاع بها ; لأنّه لا مجال لتوهّم عدم الجواز المستلزم لفوات المنافع ، وفي المتن جاز له إتلافها ، ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفّارة . أمّا جواز الإتلاف ، فلعدم كونه إتلافاً لمال الغير ، ضرورة أنّ منذور التصدّق به لا يخرج عن ملك الناذر بمجرّد النذر ، وهذا من دون فرق بين ما إذا كان الإتلاف حقيقيّاً أو بناقل شرعيّ ، وما ذكرناه من الاحتمال الراجع إلى عدم جواز بيعه في شرح المسألة المتقدّمة فإنّما هو في صورة عدم الامتناع ، وأمّا معه فالظاهر جواز إتلافه مطلقاً ، ومنه يظهر الفرق بين المسألتين في الضمان وعدمه ، وفي ثبوت الكفّارة وعدمها ، فتدبّر .
ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل تركته مع القبول وعدم الامتناع ، وكذا كلّ نذر تعلّق بالمال كسائر الواجبات الماليّة التي تخرج من الأصل مع اشتراكها في عدم الخروج عن الملكيّة ، بناءً على عدم الإشاعة وإن كان على
(الصفحة 256)مسألة : لو نذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه ، كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه ، والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك المصالح . ولو نذر شيئاً للإمام (عليه السلام) أو بعض أولاده ، فالظاهر جواز صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ، من غير فرق بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المسجد والقنطرة ونحو ذلك وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوّارهم ، وصلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين ، والصلحاء من الخدّام المواظبين بشؤون مشاهدهم ، وإقامة مجالس تعزيتهم ، هذا إذا لم يكن في قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف
خلاف ما حقّقناه في كتاب الخمس(1) ، لكن الخروج من الأصل لا يتوقّف على الإشاعة ، فإنّ المديون يخرج دينه من الأصل وإن لم يكن هناك إشاعة بوجه .
ولو مات المنذور له قبل أن يتصدّق عليه قام وارثه مقامه ، وفي المتن على احتمال مطابق للاحتياط ، سيّما إذا كان متعلّق النذر إعطاء شيء معيّن فمات قبل قبضه . ولعلّ السرّ في قيام الوارث مقامه صيرورته ذا حقّ كالمورّث وإن كان قد عرفت أنّه لا يملك الإبراء منه ، إلاّ أنّ عدم الملكيّة المزبورة لا ينافي كونه ذا حقّ ، وخصوصيّة المورد المذكور أنّ الموت قبل القبض لا يلازم الامتناع عن القبول حتّى يتوهّم انحلال النذر ، بل من الممكن تحقّق القبول بعد الإعطاء .
وبالجملة : فمقتضى الاحتياط قيام الوارث مقام المنذور له ، خصوصاً في المورد المذكور كما لايخفى .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 207 ـ 208 و248 .
(الصفحة 257)إلى جهة خاصّة ، وإلاّ اقتصر عليها1 .
مسألة : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن ، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه ، وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه2 .
1 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : أن ينذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة ، ففي المتن أنّه يجب صرفه في مصالحه ، كالاُمور المذكورة فيه ، ويشكل الأمر بالإضافة إلى زماننا هذا لو نذر شيئاً لمشهد من مشاهد العراق ، فإنّ صرف الناذر الشيء المنذور في مصرفه غير مقدور له ، والإلقاء في الضرائح المقدّسة ـ مع عدم العلم بالصرف المذكور بل مع العلم بعدمه ; لأنّ الحكومة تتسلّط عليه وتصرفه فيما تشاء ـ غير جائز ، فالظاهر أنّ الحكم في هذا الفرض أيضاً حكم الفرض الآتي .
الثاني : أن ينذر شيئاً لنفس الإمام المدفون في تلك المشاهد أو بعض أولاده ، والظاهر جواز صرفه في سُبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ، ولا فرق في ذلك بين الصدقة على المساكين ، وإعانة الزائرين ـ خصوصاً إذا كانوا من الفقراء ـ وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المساجد والقناطر ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الأولى الاقتصار على الاُمور المذكورة في المتن إذا لم يكن قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إليها ، وإلاّ يجب الاقتصار عليها .
2 ـ لو عيّن شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ، أو مسجد من المساجد أو نحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل بلا إشكال ، وأمّا النماء المنفصل فقد
(الصفحة 258)مسألة : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته ، وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ، ويحسب إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته1 .
نهى عن ترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل نفى خلوّه عن الوجه ، ومن الواضح أنّ المراد هو الحمل واللبن قبل الانفصال حين تعلّق النذر ، وإلاّ فلا إشكال في كونه لمالكه ، والسرّ في الأوّل هي التبعية العرفيّة ، فإنّ الحمل في بطن الشاة واللبن الموجود في ضرعها تابعان عرفاً لها ولا تفكيك بينهما وبين الشاة كذلك ، فتدبّر .
1 ـ الأصل في هذه المسألة رواية محمّد بن يحيى الخثعمي ـ وهو من ثقات ابن أبي عمير ـ قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر (عليه السلام) ، فسلّم عليه ثمّ جلس وبكى ، ثمّ قال له : جعلت فداك ، إنّي كنت أعطيت الله عهداً إن عافاني الله من شيء كنت أخافه على نفسي أن أتصدّق بجميع ما أملك ، وأنّ الله عافاني منه ، وقد حوّلت عيالي من منزلي إلى قبّة في خراب الأنصار ، وقد حملت كلّ ما أملك ، فأنا بائع داري وجميع ما أملك ، فأتصدّق به؟
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : انطلق وقوّم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة واعرف ذلك ، ثمّ اعمد إلى صحيفة بيضاء ، فاكتب فيها جملة ما قوّمت ، ثمّ انظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة وأوصه ، ومره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك وجميع ما تملك فيتصدّق به عنك ، ثمّ ارجع إلى منزلك وقم في مالك على ما كنت فيه ، فكلْ أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل ، ثمّ انظر كلّ شيء تصدّق به فيما تستقبل من صدقة ، أو صلة قرابة ، أو في وجوه البرّ ، فاكتب ذلك كلّه