(الصفحة 320)إرسال لم يحلّ مقتوله وإن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه ; بأن زاد في عدْوه بسببه على الأحوط . وكذا الحال لو أرسله لا للاصطياد ، بل لأمر آخر; من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه ، وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلاّ معاً .الثاني:
أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه ، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً ، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه ، أو من كان بحكمه كالنواصب ـ لعنهم الله ـ لم يحلّ أكل ما قتله1 .
1 ـ يشترط في الحلّية بسبب صيد الكلب المعلّم ـ مضافاً إلى لزوم كونه كلباً معلّماًـ اُمور :
الأوّل : أن يكون الاصطياد مسبّباً عن إرساله لذلك ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام)أنّه قال : ما قتلت من الجوارح مكلّبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه ، وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه(1) .
وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث صيد الكلب ، قال : وإن كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه ، فإنّه معلّم(2) .
- (1) الكافي : 6 / 203 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 23 ح90 ، وعنهما الوسائل : 23/346 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب7 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 205 ح14 ، الفقيه : 3 / 201 ح911 ، تهذيب الأحكام : 9 / 24 ح98 ، وعنها الوسائل : 23/346 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب7 ح2 .
(الصفحة 321)
وفي دلالة الثانية على المقصود إشكال ، والظاهر من الرواية كون العلّة التامّة للاصطياد هو إرساله كذلك ، فلو استرسل بنفسه ـ وإن أغراه صاحبه بعده ـ لم يؤثّر ذلك في حلّية مقتوله ، أمّا في صورة عدم تأثير الإغراء فيه فواضح ، وأمّا في صورة التأثير ـ بأن زاد في عدوه بسبب الإغراء ـ فقد احتاط فيه في المتن ، ومنشؤه أنّ أصل الاسترسال كان مستنداً إلى نفسه ، لا إلى الإرسال ، وعطف على ذلك فيه ما لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فقتله .
نعم ، لا يعتبر قصد شخص الصيد المقتول ، خصوصاً مع بُعد الفاصلة نوعاً ، واحتمال كون الغزال متعدّداً فقتل واحداً من الجمع .
ومن هنا يظهر أنّه لو أرسله إلى صيد غزال فصادف الكلب غزالاً آخر فقتله يكفي في حلّه ، وكذا لو أرسله إلى صيد واحد فصاد أزيد منه يحلّ الجميع ; لصدق قتل الكلب المعلّم المسترسل بإرساله ، كما لا يخفى .
الثاني : أن يكون المرسل مسلماً أو صبيّاً مميّزاً ملحقاً به ، فلو كان المرسل كافراً أو بحكمه كالنواصب المنتحلين للإسلام لم يحلّ الأكل ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى اعتبار الإسلام في الذابح وكون الإرسال للاصطياد بمنزلته ، فاللازم أن يكون المرسل مسلماً أو محكوماً به ـ السؤال في جملة من الروايات عن استعارة كلب غير المسلم ثمّ إرسال المسلم إيّاه ، الدالّ على أنّ اعتبار كون المرسل مسلماً أمراً مفروغاً عنه ، ففي رواية عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به؟ قال : لا تأكل من صيده إلاّ أن يكون علّمه مسلم فتعلّم(1) .
- (1) الكافي : 6 / 209 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 30 ح119 ، الاستبصار : 4 / 70 ح255 ، وعنها الوسائل : 23/360 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح2 .
(الصفحة 322)الثالث: أن يسمّي ; بأن يذكر اسم الله عند إرساله ، فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله ، ولا يضرّ لو كان نسياناً ، والأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال ، فلا يكتفى بها قبل الإصابة1 .
وظاهرها اعتبار كون المعلّم مسلماً ، وحكي عن الشيخ أنّه عمل به في كتابي الأخبار(1) ، لكنّ الظاهر كما في حاشية الوسائل أنّه من سهو الرواة(2) ، والمراد أن يكون المرسل مسلماً .
ويؤيّده رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمّي حين يرسله ، أيأكل ممّا أمسك عليه؟ قال : نعم ; لأنّه مكلّب وذكر اسم الله عليه . رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم إلى هشام بن سالم ، عن عبد الرحمن بن سيابة(3) .
1 ـ الأصل في اعتبار هذا الأمر الآية الشريفة(4) الدالّة على لزوم ذكر اسم الله عليه ، ويدلّ عليه روايات كثيرة قد تقدّمت بعضها ، وفي رواية القاسم ابن سليمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا «ممّا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ»(5) .
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 30 ، الاستبصار : 4 / 70 ، وكذا في المبسوط : 6 / 262 .
- (2) وسائل الشيعة : 16 / 273 ، طبع المكتبة الإسلاميّة بطهران، مع تعليقات للشيخ أبو الحسن الشعراني (رحمه الله) .
- (3) الكافي : 6 / 208 ح1 ، الفقيه : 3 / 202 ح913 ، تهذيب الأحكام : 9 / 30 ح118 ، الاستبصار : 4 / 70 ح254 ، وعنها الوسائل : 23/360 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح1 .
- (4) سورة المائدة : 5/4 .
- (5) الكافي : 6 / 205 ح16 ، تهذيب الأحكام : 9 / 25 ح100 ، الفقيه : 3 / 202 ح914 ، وعنها الوسائل : 23/357 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب12 ح1 .
(الصفحة 323)الرابع: أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب آخر ـ كصدمه ، أو خنقه ، أو إتعابه ، أو ذهاب مرارته من الخوف أو إلقائه من شاهق أو غير ذلك ـ لم يحلّ1 .الخامس:
عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ; بأن أدركه ميّتاً ، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وبالجملة : إذا أرسل كلبه إلى الصيد ، فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع ، فوجده ميّتاً كان ذكياً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه ، فتركه حتّى
وكذلك ورد في مورد النسيان رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي(1) .
وقد احتاط وجوباً أن تكون التسمية عند الإرسال لا متأخّرة عنه ولو قبل الإصابة ، لاقتضاء الأصل ذلك ، مضافاً إلى إشعار الروايات به(2) .
1 ـ يعتبر أن يكون موت الصيد مستنداً إلى جرح الكلب المعلّم وعضّه وعقره ، فلو كان بسبب آخر كصدمه ، أو خنقه ، أو تعبه ، أو ذهاب مرارته ـ ويعبّر عنها بالفارسية بـ «زهره» ـ من الخوف ، أو إلقائه من شاهق أو نحو ذلك ، لا يحلّ مقتوله; للتعبير بالقتل بالإضافة إلى الكلب ، وقتله لا يتحقّق بالاُمور المذكورة ، فلا يترتّب عليها الحلّية .
- (1) الكافي : 6 / 206 ح18 ، تهذيب الأحكام : 9 / 25 ح102 ، الفقيه : 3 / 202 ح915 ، وعنها الوسائل : 23/357 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب12 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 23 / 357 ـ 358 ب12 .
(الصفحة 324)مات . وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينيه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً ، فجعل يعدو خلفه فوقف ، فإن بقي من حياته زماناً يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ به ، وإن لم يتّسع حلّ بدونه ، ويلحق بعدم اتّساعة ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ; كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكّين مع المسارعة العرفيّة ، وكون الآلات على النحو المتعارف ، فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ . وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه . ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح .نعم ، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه إلاّ أنّه لم يكن عنده السكّين ، فلم يذبحه لذلك حتّى مات لم يحلّ أكله1 .
1 ـ قد وردت في هذا المجال وبعض خصوصيّاته روايات :
منها : صحيحة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه بها ، أفيدعه حتّى يقتله ويأكل منه؟ قال : لابأس ، قال الله عزّوجلّ :
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(1)الحديث(2) ، ورواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين ظاهره التعدّد ، ولكن ذكرنا
- (1) سورة المائدة: 5 / 4.
- (2) الكافي : 6 / 204 ح8 ، التهذيب : 9 / 23 ح93 ، وعنهما الوسائل : 23 / 347 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب8 ح1 .