(الصفحة 48)كالمساجد والقناطر والخانات ، أو على عنوان عامّ ، كالفقراء والأيتام ونحوهما1 .
مسألة : يعتبر في الوقف الخاصّ وجود الموقوف عليه حين الوقف ، فلا يصحّ الوقف ابتداءً على المعدوم ومن سيوجد بعد ، وكذا الحمل قبل أن يولد ، والمراد بكونه ابتداءً أن يكون هو الطبقة الاُولى من دون مشاركة موجود في تلك الطبقة ، فلو وقف على المعدوم أو الحمل تبعاً للموجود ; بأن يجعل طبقة ثانية ، أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث شاركه عند وجوده ، صحّ بلا إشكال ، كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب ، بل لا يلزم أن يكون في كلّ زمان وجود الموقوف عليه وولادته ، فلو وقف على ولده الموجود وعلى ولد ولده بعده ، ومات الولد قبل ولادة ولده ،
1 ـ ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين :
أحدهما : الوقف الخاصّ; وهو ما كان وقفاً على شخص أو أشخاص ، كالوقف على أولاده وذرّيته ، أو على زيد وذرّيته .
ثانيهما : الوقف العام ، وهو على صورتين :
الاُولى : ما كان على جهة ومصلحة عامّة ، كالمساجد والقناطر والخانات .
الثانية : ما كان على عنوان عامّ ، كالفقراء والأيتام ونحوهما ، من دون فرق بين أن يكون الموقوف عليه مطلق عنوان الفقراء ، أو فقراء بلده ، أو قبيلة مخصوصة ، كما أنّ الظاهر أنّه في الصورة الاُولى يمكن التعميم مطلقاً ، ويمكن التخصيص ببعض الخصوصيّات ، كما إذا وقف الخانات لزوّار بعض المشاهد المشرّفة ، إلاّ أن يقال برجوعه في هذه الصورة إلى الصورة الثانية ، فتدبّر .
(الصفحة 49)فالظاهر صحّته ، ويكون الموقوف عليه بعد موته الحمل ، فما لا يصحّ الوقف عليه هو المعدوم أو الحمل ابتداءً بنحو الاستقلال لا التبعيّة1 .
1 ـ لا إشكال في عدم صحّة الوقف على المعدوم الذي لا يمكن وجوده بعد ذلك أيضاً ، كما لو وقف داراً لزيد لسكناه باعتقاد أنّه موجود فتبيّن موته قبل ذلك ، وأمّا إذا وقف على من سيوجد من أولاده فظاهرهم الإجماع على عدم جوازه أيضاً(1) ، وأمّا الوقف على الحمل فربما يستدلّ على عدم جوازه بأنّ الوقف تمليك ولا يعقل تمليك المعدوم ، فانّ الملكية صفة وجوديّة تستدعي محلاًّ موجوداً ، ولذا لا تصحّ الوصيّة للمعدوم .
واُورد على هذا الدليل
أوّلاً : بعدم تماميّته في الحمل ، فإنّه موجود ، ودعوى عدم قابليّته للملكيّة كما ترى ، واشتراط صلاحيّته للإرث بتولّده حيّاً ـ ولذا لا يرث في غير هذه الصورة ـ إنّما هو للدليل الخاصّ ، لا لعدم القابلية للملكيّة .
وثانياً : بورود النقض عليهم بما إذا كان تبعاً لموجود ، فإنّهم يحكمون بجوازه ، مع أنّ تمليك المعدوم لو كان غير معقول لا يكون فرق بين الاستقلال والتبعيّة .
وثالثاً : بأنّه لا فرق في المعقولية وعدمها بين كون المالك معدوماً أو المملوك ، مع أنّهم يجوّزون تمليك الكلّي في الذمّة ، مع أنّه ليس شيئاً موجوداً في الخارج ، ويجوّزون تمليك المنافع وليست موجودة ، بل تستوفى شيئاً فشيئاً .
ورابعاً : أنّ الملكيّة من الاُمور الاعتبارية ، وليست كالسواد والبياض المحتاجين إلى محلّ خارجيّ ، بل يكفيه المحلّ الاعتباري ، بل جميع الأحكام كذلك ، من دون فرق بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة .
- (1) غنية النزوع : 297 ، السرائر : 3 / 156 ، رياض المسائل : 9 / 309 ، ملحقات العروة الوثقى : 2/208 .
(الصفحة 50)مسألة : لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ وجود مصداقه في كلّ زمان ، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلاً في بعض الأزمان ، فلو وقف بستاناً مثلاً على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير فيه لكن سيوجد صحّ الوقف ، ولم يكن من منقطع الأوّل ، كما أنّه مع فقده بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط ، بل هو باق على وقفيّته ، فيحفظ غلّته إلى أن يوجد1 .
مسألة : يشترط في الموقوف عليه التعيين ، فلو وقف على أحد
وخامساً : أنّ الوقف ليس تمليكاً ، بل هو إيقاف ، والظاهر أنّه لا إشكال في جواز الوقف على الحجّاج والزوّار مع عدم وجود زائر أو حاجّ حين الوقف ، كما سيأتي في المسألة اللاّحقة ، فإن تمّ الإجماع على عدم صحّة الوقف على المعدوم الذي سيوجد ، وإلاّ فالأقوى صحّته ، والإجماع على تقديره لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) ; لأنّهم يعلّلون بهذا التعليل العليل ، وتوجيه عدم الصحّة من طريق اعتبار القبض في الصحّة ممنوع بعدم اشتراط الفوريّة في القبض ، وبإمكان قبض الحاكم أو المتولّي .
1 ـ قد عرفت أنّه لا يعتبر في الوقف على العنوان العامّ تحقّق المصداق له في كلّ زمان الشامل لزمان الوقف ، بل كما مرّ في مسألة الوقف على الحجّاج والزوّار لا يعتبر وجود زائر أو حاجّ حين الوقف ، بل يكفي إمكان وجوده فعلاً في بعض الأزمان ، فلو وقف بستاناً مثلاً على فقراء البلد ولم يكن في زمن الوقف فقير في البلد ، لكن سيوجد بعداً فالوقف صحيح ولم يكن من منقطع الأوّل الذي قلنا بعدم صحّته ، كما أنّه لو كان موجوداً حال الوقف وفقد بعده لا يكون من منقطع الوسط ، بل هو باق على وقفيّته ، فاللازم حفظ غلّته إلى أن يوجد ، والمفروض تحقّقه .
(الصفحة 51)الشخصين أو أحد المسجدين لم يصحّ1 .
مسألة : الظاهر صحّة الوقف على الذمّي والمرتدّ لا عن فطرة ، سيّما إذا كان رحماً ، وأمّا الكافر الحربي والمرتدّ عن فطرة فمحلّ تأمّل2 .
1 ـ بلا خلاف (1) ، بل ربما يدّعى فيه الإجماع (2) ، فإن تمّ ، وإلاّ فلا دليل عليه سوى دعوى انصراف أدلّة الوقف ، مع أنّها ممنوعة ، وربما يعلّل بعدم معقوليّة تمليك أحد الشخصين بنحو الإبهام والترديد ; لأنّ الملكيّة تحتاج إلى محلّ معيّن ، كالسواد والبياض ، ويرد عليه منع عدم المعقوليّة ، وقد صرّحوا بجواز الوصيّة بأحد الشيئين ، وكون المراد مفهوم أحدهما الصادق على كليهما فلا وجه له ، إذ هو عنوان كلّي انتزاعيّ لا يتعلّق به الأغراض ، ولعلّه لما ذكر استظهر السيّد في الملحقات أنّه لا إشكال في صحّة الوقف كذلك ، ويصرف منافعه في أحد الشخصين أو أحد المسجدين ، ويكون المتولّي مخيّراً بينهما حينئذ(3) ، وعليه فلا وجه لما في المتن من الحكم بعدم الصحّة ، كما لا يخفى .
2 ـ في جواز وقف المسلم على الكافر وعدمه مع قطع النظر عن الجهات الاُخر ، كالإعانة على المعاصي التي ستجيء أقوال :
ثالثها : الجواز في الرحم دون غيره ،
رابعها : الجواز في الأبوين دون غيرهما ،
خامسها : الجواز في الذمّي دون الحربي ، وإليه يرجع ما في المتن .
أمّا أصل الجواز في الجملة فيدلّ عليه عمومات الوقف وإطلاقاته ، خصوصاً
- (1) جواهر الكلام : 28 / 50 ـ 51 ، غنية النزوع : 297 ، مسالك الأفهام : 5 / 350 ـ 351 .
- (2) السرائر : 3 / 156 ـ 157 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 213 ، الشرط الثالث .
(الصفحة 52)مسألة : لا يصحّ الوقف على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية ، كمعونة الزنا وقطع الطريق وكتابة كتب الضلال ، وكالوقف على البيع والكنائس وبيوت النيران لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلّقاتها وغيرها . نعم ، يصحّ وقف الكافر عليها1 .
مع عدم اعتبار قصد القربة وإمكان مراعاته مع فرض الاعتبار .
ولكن في مقابلها قوله تعالى :
{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ}(1) والظاهر أنّه لا دلالة له على المنع إلاّ من جهة كون الموادّة للمحادّة ، والمفروض في المقام خلافه ، ولذا لا يحرم مجالستهم والإحسان إليهم لا من هذه الجهة .
وأمّا التأمّل في الكافر الحربي والمرتدّ عن فطرة فلأجل وجوب قتله ولو مع إذن الحاكم ، وهو لا يجتمع عرفاً مع الوقف عليه . ولا وجه لما قيل من عدم صلاحيّته للملكيّة ، لكون ماله فيئاً للمسلمين أو منتقلاً إلى الورثة(2) ; لأنّه إنّما هو بالإضافة إلى الأموال التي اكتسبها قبل ذلك ، وأمّا الأموال التي حصّلها بعد الإرتداد مثلاً فلا ، مع أنّ الوقف لا يكون مستلزماً للتمليك ، كما مرّ .
1 ـ لا يصحّ الوقف من المسلم على الجهات المحرّمة وما فيه إعانة على المعصية ، كمعونة الزنا وسائر الأمثلة المذكورة في المتن ; لحرمته واستلزام الحرمة الفساد ، وهذا بخلاف الوقف على من يعلم أنّه يصرف منافع الموقوفة في الزنا أو شرب الخمر مثلاً ; لأنّه كالبيع ممّن يعلم أنّه يصنع المبيع خمراً ; فإنّ الظاهر أنّه لا دليل على
- (1) سورة المجادلة : 58 / 22 .
- (2) مسالك الأفهام : 5 / 332 ، الحدائق الناضرة : 22 / 194 .