(الصفحة 144)
[ما يعتبر في الموصي ]
مسألة : يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم ، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات ، وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدواريّاً في دور جنونه ، ولا السكران ، ولا المكره ، ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه1 .
1 ـ يدلّ على صحّة وصيّة البالغ عشراً في الجملة روايات :
منها : موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته(1) .
ومنها : موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق ، أو تصدّق ، أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز(2) .
ومنها : موثّقة أبي بصير وأبي أيّوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الغلام ابن عشر سنين يوصي ، قال : إذا أصاب موضع الوصيّة جازت(3) .
ومنها : موثّقة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته(4) .
- (1) الكافي : 7 / 28 ح3 ، الفقيه : 4 / 145 ح501 ، وعنهما الوسائل : 19 / 362 ، كتاب الوصايا ب44 ح3 .
- (2) الكافي : 7 / 28 ح1 ، الفقيه : 4 / 145 ح502 ، التهذيب : 9 / 181 ح729 ، وعنها الوسائل : 19 /362 ، كتاب الوصايا ب44 ح4 .
- (3) التهذيب : 9 / 181 ح727 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح6 .
- (4) التهذيب : 9 / 182 ح730 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح7 .
(الصفحة 145)
ومنها : غير ذلك من الروايات المعتبرة التي ادّعي استفاضتها الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايتان :
إحداهما : ما دلّ على أنّ المناط في صحّة وصيّة الصبيّ هو العقل لا البلوغ عشر سنين ; وهي موثّقة جميل بن درّاج ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم(1) .
ثانيتهما: ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ وصحّتها إذا بلغ ثمان سنوات ; وهي رواية الحسن بن راشد ، عن العسكري (عليه السلام) قال : إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك(2) .
ويمكن الجواب عن الرواية الاُولى ـ مضافاً إلى أنّ اعتبار العقل في صحّة الوصية ثابت بالإضافة إلى البالغ أيضاً ، فلا مجال للحكم بصحّة وصيّته، خصوص غير البالغ إذا كان عاقلاً ـ بأنّ الرواية تدلّ على صحّة طلاقه وصدقته أيضاً مع عدم الاحتلام ، فلا يجوز الأخذ بها ، خصوصاً بملاحظة ما مرّ في كتاب الحجر(3) من السنّ المعتبر علامة للبلوغ . نعم ، لابدّ من حمل إطلاق الغلام على البالغ عشراً ، نظراً إلى تلك الروايات المتقدّمة .
وأمّا رواية الحسن بن راشد ـ فمضافاً إلى المناقشة في سندها ، وفي دلالتها على جواز أمره مطلقاً إذا بلغ ثماني سنين لا خصوص وصيّته ـ تكون الشهرة المحقّقة(4)
- (1) التهذيب : 9 / 182 ح733 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح2 .
- (2) التهذيب : 9 / 183 ح736 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح4 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في الصغر، مسألة: 3.
- (4) شرائع الإسلام: 2 / 244، رياض المسائل: 9 / 439 ـ 440، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 2 /465، كفاية الأحكام: 145، جواهر الكلام: 28 / 271.
(الصفحة 146)
التي هي أوّل المرجّحات وفي صدرها على خلافها ، حيث إنّه لم يقل بها إلاّ ابن الجنيد(1) .
نعم ، هنا رواية تخالف جميع الروايات المتقدّمة ; وهي صحيحة أبي بصير المرادي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين ، وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقٍّ جازت وصيّته(2). هذا ، والظاهر الإجماع(3) على خلاف هذه الرواية المفصّلة بالكيفيّة المذكورة فيها .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاقات الروايات المتقدّمة أنّه لا فرق بين ذوي الأرحام والغرباء ، كما ذهب إليه المشهور(4) ، لكن هنا صحيحة دالّة على التفصيل ; وهي ما رواه محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء(5) .
ولعلّه لذا استشكل بعض المحشّين على العروة وقال : إنّ صحّة وصيّته للغرباء محلّ إشكال(6) وإن صرّح في متن العروة بعدم الفرق ، وهو مقتضى قاعدة الإطلاق والتقييد والجمع الدلالي بينهما فيما لم يكن هناك إجماع على الخلاف .
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 348 .
- (2) الكافي : 7 / 29 ح4 ، الفقيه : 4 / 145 ح503 ، التهذيب : 9 / 182 ح732 وعنها الوسائل : 19/361 ، كتاب الوصايا ب44 ح2 .
- (3) مسالك الأفهام : 6 / 141 ، الحدائق الناضرة : 22 / 412 .
- (4) العروة الوثقى : 2 / 771 ، كتاب الوصيّة مسألة 3908 ، الأمر الأوّل .
- (5) الكافي : 7 / 28 ح2 ، الفقيه : 4 / 146 ح504 ، التهذيب : 9 / 181 ح728 ، وعنها الوسائل : 19/360 ، كتاب الوصايا ب44 ح1 .
- (6) التعليقة على العروة الوثقى للسيّد الخوئي : 310 .
(الصفحة 147)
وذكر بعض الأعلام في شرح العروة أنّ النسبة بين صحيحة محمّد بن مسلم وبين ما دلّ على نفوذ وصيّة الغلام إذا بلغ عشراً ، إنّما هي العموم والخصوص من وجه ، فهما قد يجتمعان وقد يفترقان ، فيجتمعان في وصيّة الغلام البالغ عشراً لأرحامه ، ويفترقان في موردين : وصيّة البالغ عشراً لغير أرحامه ، ووصيّة من لم يبلغ عشراً لأرحامه ، حيث إنّ مقتضى ما دلّ على نفوذ وصيّة البالغ عشراً هو صحّة الأوّل وفساد الثاني ، في حين أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم هو العكس فيهما .
وحينئذ فمقتضى القواعد هو التساقط والرجوع إلى عموم ما دلّ على حجر الصبيّ وعدم نفوذ تصرّفاته ما لم يحتلم(1) .
فما أفاده الماتن وفاقاً للمشهور لا يمكن المساعدة عليه ; لأنّ القدر المتيقّن من نفوذ وصيّة الصبي هو ما إذا بلغ عشراً وكانت وصيّته للأرحام ، اللّهمّ إلاّ أن يثبت إجماع على عدم الفرق ، لكنّه غير ثابت(2) .
ويمكن أن يورد عليه بأنّه ـ بعدما حكمنا باعتبار وصيّة الغلام فيما إذا بلغ عشراً في الجملة ، وطرحنا الروايات الدالّة على خلاف ذلك ، نظراً إلى الشهرة المرجّحة كما مرّ ـ لا محيص من رعاية مقتضى الإطلاق والتقييد بين تلك الروايات ، وبين صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على اختصاص الجواز والنفوذ بالأرحام وعدم الجواز للغرباء ، إلاّ أن يقال بأنّ مرجع ذلك إلى ثبوت الإجماع ، وهو لو تمّ فإنّما هو على عدم الفرق ، لا تحقّق الفرق ، فتدبّر جيّداً .
- (1) يراجع تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، مسألة 3، الأمر الثاني.
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى : 33 / 337 .
(الصفحة 148)
ثمّ إنّ ظاهر المتن اختصاص صحّة وصيّة البالغ عشراً بما إذا كانت في برٍّ ومعروف ، كالأمثلة المذكورة فيه ، مع أنّ أكثر الروايات الدالّة على ذلك خالية عن هذا القيد . نعم ، في موثّقة زرارة المتقدّمة : «أو أوصى على حدّ معروف وحقٍّ فهو جائز» . والظاهر أنّ المراد بالحقّ ما ثبت على عهدته بحيث يجب عليه بعد البلوغ الفراغ عنه ، أو يجب على الوليّ ذلك من مال الصغير ، كما لو أتلف مال الغير فصار ضامناً ; لقاعدة الإتلاف(1) ، وقد تقرّر في محلّه عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين(2)، وأمّا قوله : «على حدّ معروف» فهل المراد به وجوه الخيرات والمبرّات، ويؤيّده ذكره في سياق الإعتاق والتصدّق ، أو أنّ المراد به المقدار الذي تنفذ الوصيّة به في غير الصبيّ وهو الثلث دون الأزيد ، ويؤيّد هذا الاحتمال ذكر كلمة «على» مكان الباء ، مع أنّ المناسب في الوصية التمليكيّة وشبهها هو الباء ، كما لايخفى .
وأمّا اعتبار العقل في الموصي ، فلما دلّ على رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق(3) ، وليس المراد رفع المؤاخذة كما قرّر في محلّه(4) ، ومنه يظهر أنّ المجنون الأدواري لا تصحّ وصيّته في دور الجنون ، وأمّا دور الإفاقة فلا مانع من النفوذ ، كما أنّ الأمر في السكران يشابه هذا ، فإذا بلغ السكر إلى مرتبة زوال الشعور والإدراك فهو ملحق بالمجنون ; لعدم الفرق ، وأمّا إذا لم يبلغ تلك المرتبة فلا دليل على بطلان وصيّته .
كما أنّ الدليل على اعتبار الاختيار في مقابل الإكراه ما دلّ على رفع ما
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف حفظه الله : 45 ـ 61 .
- (2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 331 ـ 339 .
- (3) الخصال : 94 ح40 وص175 ح233 ، وعنه الوسائل : 1 / 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
- (4) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 336 ـ 338 .