(الصفحة 24)مسألة : لا يشترط في القبض الفوريّة ،فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، وتمّ الوقف من حين القبض1 .
مسألة : لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً2 .
1 ـ ما تقدّم من الدليل على اعتبار القبض في صحّة الوقف إنّما كان مفاده مجرّد ذلك ، وأمّا فوريّة القبض فلا دليل عليها ، فلو وقف عيناً في زمان ثمّ أقبضها في زمان متأخّر كفى ، ويتوقّف تماميّة الوقف على القبض ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الفصل بينهما طويلاً غايته بحيث لا يرى العرف الارتباط بينهما أصلاً لا يبعد أن يقال بالعدم . نعم ، مقتضى الإطلاق في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ـ الدالّة على أنّ أولاده الكبار إذا لم يقبضوا حتّى يموت ـ الصحّة ما دامت الحياة وإن كان الفصل طويلاً جدّاً .
2 ـ لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثاً ; لأنّ المفروض مدخليّة القبض في الصحّة وعدم إمكان تحقّقه بعد الموت ; لاشتراط مقرونيّته بإذن الواقف ، ويدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة .
وكذا يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل تصدّق على وُلد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ; لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره ، وقال : لا يرجع في الصدقة إذا تصدّق بها ابتغاء وجه الله(1) فإنّ ذيل الرواية وإن كان مربوطاً بالصدقة
- (1) التهذيب : 9 / 137 ح577 ، الاستبصار : 4 / 102 ح390 ، الفقيه : 4 / 182 ح639 ، وعنها الوسائل : 19 /180 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح5 ، وقد تقدّمت قطعة منه في ص19 .
(الصفحة 25)مسألة : يشترط في الوقف الدوام ; بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال : «وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفاً ، وفي صحّته حبساً أو بطلانه كذلك أيضاً وجهان . نعم ، لو قصد به الحبس صح1 .
بالمعنى الأخصّ بقرينة قوله (عليه السلام) : «إذا تصدّق بها ابتغاء وجه الله» إلاّ أنّ صدرها إمّا خاصّ بالوقف ، أو الأعمّ منه ومن الصدقة .
ولا وجه لما عن المسالك من احتمال اختصاصه بالثاني(1) ، مع أنّ المشهور اشتراط القربة في الوقف(2) ، مع أنّ الصدقة الاصطلاحية إنّما يكون عدم جواز الرجوع فيها في صورة القبض ، مضافاً إلى احتمال أن يكون الذيل رواية مستقلّة .
1 ـ يشترط في الوقف الدوام ، بمعنى عدم توقيته بمدّة ، فلو قال : «وقفت هذا البستان على الفقراء [إلى سنة]» بطل بعنوان الوقفيّة .
والدليل عليه هو الإجماع المدّعى فيما حكي عن جماعة(3) ، وربّما يستدلّ عليه بالأخبار المتضمّنة لأوقاف الأئمّة (عليهم السلام)(4) ، فإنّها مشتملة على التأبيد ، لكنّها لا دلالة فيها على انحصار الوقف بذلك ، إلاّ أن يقال : إنّ التأبيد معتبر في مفهوم الوقف في مقابل أخواته من السكنى ، والعمرى ، والرقبى ، وذكر السيّد في الملحقات: العمدة الإجماع إن تمّ(5) ، وهو مشعر بالترديد في تحقّق الإجماع ، وعليه فلو قرنه بمدّة لا
- (1) مسالك الأفهام : 5 / 359 .
- (2) مفتاح الكرامة : 9 / 15 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 186 مسألة 3 .
- (3) الخلاف : 3 / 542 ـ 543 مسألة 8 ، غنية النزوع : 298 ، السرائر : 3 / 156ـ 157 .
- (4) الوسائل : 19 / 173ـ 174 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 ح6 ـ 10 وص186 و187 ب6 ح2 و4 وص198ـ 204 ب10 .
- (5) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 192 ، الشرط الثاني .
(الصفحة 26)
يكون وقفاً ، وفي صحّته حبساً مع عدم كون المقصود الحبس تأمّل . نعم ، لو كان المقصود الحبس يصحّ ذلك ، وهنا بعض الروايات لابدّ من ملاحظتها .
الاُولى : صحيحة ابن مهزيار قال : قلت له : روى بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام): أنّ كلّ وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام) ، فكتب (عليه السلام) : هكذا هو عندي(1) . ودلالتها على أنّ الصحّة والبطلان راجعان إلى أصل الوقف بلحاظ التوقيت إلى وقت معلوم وعدمه ظاهرة ، لكن لا يعلم أنّ المراد هو الوقف الاصطلاحي في مقابل مثل الحبس .
الثانية : صحيحة الصفّار «قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقّتاً فهو صحيح ممضي ، قال قوم : إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقال آخرون : هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والذي هو غير موقّت أن يقول : هذا وقف ، ولم يذكر أحداً ، فما الذي يصحّ من ذلك؟ وما الذي يبطل؟ فوقّع (عليه السلام) : الوقوف بحسب ما يوقفها [أهلها](2) إن شاء الله(3) .
- (1) الكافي : 7 / 36 ح31 ، الفقيه : 4 / 176 ح622 ، التهذيب : 9 / 132 ح561 ، الاستبصار : 4/99 ح383 ، وعنها الوسائل : 19/192 ، كتاب الوقوف والصدقات ب7 ح1 .
- (2) من الحدائق الناضرة:22/136، ولكن كلمة أهلهاوردت في المكتوب الآخرللصفّار،الوسائل:19/175 ح1.
- (3) التهذيب : 9 / 132 ح562 ، الاستبصار : 4 / 100 ح384 ، وعنهما الوسائل : 19 / 192 ، كتاب الوقوف والصدقات ب7 ح2 .
(الصفحة 27)مسألة : لو وقف على من ينقرض ـ كما إذا وقف على أولاده ـ واقتصر على بطن أو بطون ممّن ينقرض غالباً ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم ، ففي صحّته وقفاً أو حبساً ، أو بطلانه رأساً أقوال ، والأقوى هو الأوّل ، فيصحّ الوقف المنقطع الآخر; بأن يكون وقفاً حقيقة إلى زمان الانقراض والانقطاع ، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته ، بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع1 .
وهذه الرواية مرتبطة بالخصوصيّات المرعيّة في الموقوف عليه من حيث التعرّض له وعدمه ومن جهات اُخرى ، فلا ارتباط لها بالمقام .
1 ـ قد وقع الخلاف فيما لو وقف على من ينقرض ، كما إذا وقف على أولاده واقتصر على بطن ، أو بطون ممّن ينقرض غالباً ولم يذكر المصرف بعدهم، ففي صحّته وقفاً كما هو المشهور(1) ، أو حبساً كما حكي عن جماعة(2) ، أو بطلانه رأساً كما نسب إلى قائل غير معلوم(3) ، أقوال مختلفة ، وعلى تقدير صحّته يعبّر عنه بالوقف المنقطع الآخر .
والعمدة في المسألة ملاحظة اعتبار الدوام في الوقف وعدمه ، وقد عرفت دعوى الإجماع على الأوّل ، وهي على فرض تماميّتها ـ كما عرفت ـ الترديد فيها من مثل السيّد في الملحقات إنّما هي في مقابل الموقّت إلى مدّة ، لا مثل المقام .
- (1) غاية المرام : 2 / 374 ، الحدائق الناضرة : 22 / 137 ، رياض المسائل : 9 / 288ـ 289 .
- (2) مختصر النافع : 255 ، إرشاد الأذهان : 1 / 452 ، قواعد الأحكام : 2 / 388 ، الدروس الشرعيّة : 2/264 ، الروضة البهيّة : 3 / 169 .
- (3) نقل هذا القول في المبسوط : 3 / 292 والخلاف : 3 / 543 مسألة 9 .
(الصفحة 28)
وظاهر الصحيحة الاُولى من الصحيحتين المتقدّمتين في المسألة السابقة عدم اعتبار الدوام لو أبقينا الوقف فيها على ظاهره المقابل للحبس ، بل ظاهر الصحيحة الثانية أيضاً كذلك ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في الجواب فيها : «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» دالّ على ذلك .
ودعوى أنّ انقطاع الآخر مستلزم لعود الملكيّة إلى الواقف أو وارثه وهو مخالف للأصل مع الشكّ ، مدفوعة بمنع استلزام الوقف للخروج عن الملك ، بل هو لازم التأبيد ، وفي غيره لا دليل على الخروج ، وعنوان الوقف معناه الركود وحبس العين لا الخروج عن الملكيّة ، مع أنّ الخروج عن الملك في مدّة خاصّة لا مانع منه ، كما في باب الإجارة المستلزمة لخروج ملك المنفعة في مدّة معلومة وعوده إلى المالك بعدها ، فالعمدة ما ذكرنا من دعوى الإجماع على اعتبار الدوام في الوقف ، وقد عرفت أنّه غيرمعلوم، خصوصاً مع عدم التعرّض للشرط المذكور في كلام بعض(1)، والمناقشة فيه في كلام بعض آخر(2) ، أو الاستشكال فيه كما في كلام بعض ثالث(3) .
ثمّ إنّه حكي عن مختلف العلاّمة (قدس سره) الاستدلال على الصحّة وقفاً بأنّ الوقف نوع تمليك وصدقة ، فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ، وبأنّ تمليك الأخير ليس شرطاً في تمليك الأوّل ، وإلاّ لزم تقدّم المعلول على العلّة ، وبالخبر الوارد في وصيّة فاطمة (عليها السلام)(4) ، حيث جعلت أمر صدقاتها إلى أولادها ، مع احتمال
- (1) كالمفيد في المقنعة : 652 ـ 656 .
- (2) مسالك الأفهام : 5 / 354 ـ 355 .
- (3) مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
- (4) الكافي : 7 / 48 ح5 ، الفقيه : 4 / 180 ح632 ، التهذيب : 9 / 144 ح603 ، وعنها الوسائل : 19 /198 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح1 .