(الصفحة 350)مسألة : لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية ، كما أنّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ; سواء كان كتابيّاً أو غيره . نعم ، لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه ، أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ، ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم ، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها1 .
كذلك ، وعليه فلا دليل لأن يكون إدراكه حيّاً ـ ولو كان ناظراً إليه ـ موجباً للحلّية وتحقّق الذكاة ، ويدلّ على هذا المضمون روايات متعدّدة اُخرى ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) مثل ذلك ; يعني أنّه سُئل عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه . قال : وسألته عن صيد السمك ولا يسمّي؟ قال : لا بأس(1) .
ورواية الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث إنّ زنديقاً قال له : السمك ميتة ، قال : إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء ، ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنّه ليس له دم ، وكذلك الجراد(2) . وروايات متعدّدة اُخرى .
1 ـ أمّا عدم اعتبار الإسلام في صائد السمك فلدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليه ، وهناك روايات اُخرى ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 9 ح30 ، وعنه الوسائل : 24 / 73 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح2 .
- (2) الاحتجاج : 2 / 238 ، قطعة من رقم 223 في سؤال الزنديق عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وعنه الوسائل : 24 / 75 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح8 والبحار : 10 / 181 قطعة من ح2 وج65 / 162 ذح1 .
(الصفحة 351)مسألة : لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد ولم يملكه السفّان ولا صاحب السفينة ، بل كلّ من أخذه بقصد التملّك ملكه . نعم ، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها; بأن يجعل فيها ضوء بالليل ، ودقّ بشيء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها ، فالوجه أنّه يملكها ، ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّاً ، فيكون به تذكيتها1 .
عليه؟ قال : لا بأس به(1) .
وأمّا اعتبار العلم بموته خارج الماء في صيرورته حلالاً فيما لو وجده في يد الكافر ميّتاً ، وبعبارة اُخرى : لزوم إحراز كون الإخراج حيّاً فيما كان في يد الكافر ، فلدلالة رواية عيسى بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صيد المجوس؟ فقال: لا بأس إذا أعطوكه حيّاً ، والسمك أيضاً ، وإلاّ فلا تجوز شهادتهم عليه إلاّ أن تشهده أنت(2) .
والظاهر أنّه ليس المراد هو الموت في يد المسلم ، بل الموت خارج الماء وإن لم يكن في يد المسلم ، غاية الأمر أنّه لا تكفي شهادة المجوس عليه ، بل اللازم مشاهدة نفسه إيّاها أو ما بحكم المشاهدة ، بخلاف ما لو كان في يد المسلم ، فإنّها أمارة على التذكية كسوق المسلمين الذي يتداول اشتراء الحيتان منه وإن لم تكن حيّة ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحلّ بمجرّد ذلك ، لا للسفّان فيها
- (1) الكافي : 6 / 216 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 8 ح28 ، الفقيه : 3 / 207 ح951 ، وعنها الوسائل : 23 / 385 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب33 ح1 وج24 / 73 ، أبواب الذبائح ب31 ح4 .
- (2) الكافي : 6 / 217 ح8 ، تهذيب الأحكام : 9 / 10 ح33 ، الاستبصار : 4 / 64 ح229 ، وعنها الوسائل : 23 / 386 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب34 ح1 وج24 / 76 ، أبواب الذبائح ب32 ح3 .
(الصفحة 352)مسألة : لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه ، فإن اُخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار ـ ولو بسبب جزره ـ فمات فيهما بعد نضوبه . وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان : أشرهما وأحوطهما الثاني ، بل لا يخلو من قوّة ، ولو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ، ولم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه ، فالأحوط الاجتناب عنه1 .
ولا لصاحب السفينة ; لأنّها حينئذ بمنزلة الساحل الذي وثب سمكة عليه ، وقد عرفت أنّ تملّكه يحتاج إلى الأخذ بقصد التملّك ، والسفينة لا تكون آلة لاصطياد السمك نوعاً ، بل لحمل الأشخاص أو الأشياء من طريق البحر أو ما هو بمنزلته .
نعم ، لو فرض في بعض الموارد جعل السفينة أو قسمة منها آلة لاصطياد السمك كما في المثال المفروض في المتن فوثب السمك فيها ، فاستوجه في المتن حصول الملكيّة بمجرّد الوثوب وإن لم يتحقّق الأخذ ; لأنّ ذلك بمنزلة إخراجه حيّاً الموجب لحصول التذكية .
أقول : بل هو بمنزلة الآلة التي يتعارف بها اصطياد السمك ، كالشبكة الموجبة لتحقّق حلّية ما وقع فيها .
1 ـ في المسألة صور :
الاُولى : ما لو نصب شبكة كما هو المتعارف في هذه الأزمنة ، أو صنع حظيرة في الماء لمنع السمك عن الخروج بعد الدخول فيها ، فإن كان الغرض منهما الاصطياد للسمك ، فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه مطلقاً وإن كان ميّتاً . نعم ، في صورة الإخراج من الماء حيّاً يكون حلالاً بلا إشكال ، وكذا لو نضب الماء وغار ولو
(الصفحة 353)مسألة : لو أخرج السمك من الماء حيّاً ، ثمّ أعاده إليه مربوطاً أو غير مربوط فمات فيه حرم1 .
مسألة : لو طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب ، مثل أن ضرب بمضراب ، أو بلع ما يسمّى بـ «الزهر» في لسان بعض الناس ، أو غير ذلك ، فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ ، وإن مات على الماء حرم . وإن ألقى «الزهر» أحدٌ فبلعه السمك وصار على وجه الماء وزال
بسبب الجزر فمات في الشبكة أو الحظيرة يكون الحكم كذلك .
الثانية : صورة العلم بالموت في الماء في الشبكة أو الحظيرة ، وفيه قولان : الأشهر(1) والأحوط عدم الحلّية ، بل نفى في المتن خلوّه عن القوّة ، لكنّ الظاهر هو الأوّل ; لأنّ الموت في الشبكة أو الحظيرة بمنزلة الموت في اليد ، إذ لا يكون المراد باليد الجارحة المخصوصة ، بل ما يوجب السلطة على الحيوان وحبسه عن الامتناع والفرار ، والمفروض تحقّق ذلك بالإضافة إليهما ، كما لا يخفى .
الثالثة : ما لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً ولم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه ، فاحتاط في المتن وجوباً الاجتناب عن الجميع ، لكن مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثانية التفصيل بين صورة العلم بوقوع الموت في الآلة فهو حلال ، وغيره فهو حرام .
1 ـ لو أخرج السمك من الماء حيّاً ثمّ أعاده إليه ، فمات فيه فهو حرام ; من دون فرق بين أن يكون الماء مرتبطاً به أم لا ، لعدم الفرق .
- (1) رياض المسائل : 12 / 125 ـ 126 .
(الصفحة 354)امتناعه ، فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه ، فلو أخذه غيره ملكه ; من غير فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا ، وإن كان بقصد الاصطياد والتملّك ، فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له ، فلا يملكه غيره بالأخذ . وكذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشيء آخر كاستعمال آلة ، كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء . وبالجملة : لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد والتملّك مطلقاً موجبة للملكيّة كالحيازة1 .
1 ـ لو طفا السمك على الماء ووقع فوقه وزال وصف امتناعه وفراره بسبب ، مثل المثالين المذكورين في المتن ، فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ ، وإن مات على الماء فهو حرام .
وإن ألقى «الزهر» أحدٌ فابتلعه السمك ووقع على وجه الماء وزال امتناعه وفراره ، فإن لم يكن عمله ذلك بقصد الاصطياد لم يملكه ، فلو أخذه غيره ملكه ; من دون فرق بين ما إذا قصد سمكاً معيّناً أو لا . وإن كان بقصد الاصطياد والتملّك ، فنفى البُعد في المتن عن أن تكون إزالة امتناعه مملّكاً له بحيث لم يكن يحتج إلى الأخذ ، فلا يملكه غيره بالأخذ ، لسبق ملكيّته . وكذا إذا كان إزالة امتناعه بشيء آخر ، كاستعمال آلة; كالرمي بالرصاص فوقع على وجه الماء .
وبالجملة : فنفى البُعد عن أن تكون إزالة وصف الامتناع عنه مقروناً بقصد الاصطياد والتملّك مطلقاً موجبة للملكيّة كالحيازة .
ولكن ينبغي أن يعلم أنّ الملكيّة أمر ، وحلّية اللحم أمر آخر ، فإذا اشترى إنسان سمكة من مالكها يملكها بالشراء ، لكن لو فرض موته في داخل ماء حوضه مثلاً لا يكون أكله حلالاً ; لعدم أخذه من الماء حيّاً ، كما عرفت أنّه الملاك في حلّية أكل اللحم .