(الصفحة 166)مسألة : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ،فلا يكفي فيها مجرّدالرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء1 .
بالعين المعيّنة(1) .
قلت : قد استدلّ على أنّ المدار حال حصول قبض الوارث للتركة ـ بأنّ الوصيّة إنّما تكون على نحو الإشاعة في المالية ، فيكون ثلث الميّت مشاعاً بين تمام المال ، وإذا ورد نقص عليه كان النقص على الجميع ، من دون فرق بين ثلث الميّت وثلثي الورثة ، ولا مجال لمقايسته مع الدين الذي لابدّ من إخراجه على كلّ تقدير ; لأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن ، والوصية من قبيل الإشاعة في جميع المال ، من دون فرق في ذلك بين النقص الوارد على العين أو الماليّة ، وعلى أنّ النقص لا يرد على العين المعيّنة ، أو مقدار كلّي كمائة دينار في خصوص صورة وفاء الثلث بهما ـ بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة الشاملة للمقام باعتبار أنّ الموصى به حين موت الموصي ليس زائداً على ثلثه ، فلا موجب لورود النقص عليه .
1 ـ قد يراد بكون الإجازة من الوارث إمضاءً وتنفيذاً هو احتياجها إلى الإنشاء ، كالإجازة في عقد الفضولي ، وفي هذه الصورة تكون في مقابل مجرّد الرضا وطيب النفس ، من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء ، وهذا هو المراد من المتن .
وقد يراد بذلك ما ذكره السيّد في العروة ، حيث قال : والإجازة من الوارث تنفيذلعمل الموصي، وليست ابتداءً عطيّةً من الوارث، فلا ينتقل الزائدإلى الموصى له
- (1) العروة الوثقى : 2 / 776 كتاب الوصيّة ح3915 و3916 .
(الصفحة 167)
من الوارث; بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ، ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل(1) .
هذا ، والظاهر صحّة كلا الأمرين ، أمّا الأمر الأوّل : فلما عرفت ، وأمّا الأمر الثاني : فلظهور بعض الروايات ، كصحيحة أحمد بن محمد قال : كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن (عليه السلام) : أنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله . قال: فكتب (عليه السلام)بخطّه : ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله(2) .
فإنّ التعبير بالتفضّل والتعليق على صورة كونهم وارثين يدلّ على عدم كون مرجع الإجازة إلى الهبة والعطيّة ، ضرورة أنّ جوازها غير مقيّد بشيء ، فتدبّر .
وصحيحة عليّ بن الحسن قال : مات محمّد بن عبدالله بن زرارة وأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن ، وخلّف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، فباعها ، فاعترض فيها ابن اُخت له وابن عمّ له ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلى أيّوب بن
- (1) العروة الوثقى : 2 / 775 ، كتاب الوصيّة مسألة 3913 .
- (2) الكافي : 7 / 10 ح2 ، الفقيه : 4 / 137 ح480 ، التهذيب : 9 / 192 ح772 ، وعنها الوسائل : 19/275 ، كتاب الوصايا ب11 ح1 .
(الصفحة 168)مسألة : لا تعتبر في الإجازة الفوريّة1 .
مسألة : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه . نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل2 .
نوح ، فأخبره أنّه جميع ما خلّف ، وابن عمّ له وابن اُخته عرض وأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب (عليه السلام) : قد وصل ذلك ، وترحّم على الميّت ، وقرأت الجواب(1) ، ودلالتها كالسابقة .
وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو مات الوارث أو الموصى له بعد الإجازة وقبل القبض ، فعلى القول بكون الإجازة عطيّة ينتقل المال إلى ورثة الوارث المجيز ; لأنّ الهبة لا تصحّ إلاّ بالقبض وهو غير متحقّق ، فيكون المال باقياً على ملك الواهب ، وبموته ينتقل إلى ورثته ، وعلى القول الآخر يملك الموصى له للزائد من حينها ، كما لايخفى .
1 ـ لأنّه لا دليل على لزوم فوريّة الإجازة ، خصوصاً مع أنّ الإجازة ربما تلحق بعد الموت .
2 ـ لا إشكال في أنّ المصداق الظاهر من التركة ما ملكه الشخص في حال حياته وبقي على ملكه إلى حين الفوت ، وأمّا ما ملكه بالموت كالدية ـ فمضافاً إلى أنّ اعتبار الملكية أوّلاً إنّما هو بالإضافة إلى الميّت ; لكونه عوض دمه ، ومنه ينتقل إلى الوارث ويلاحظ الوصيّة بالنسبة إليه أيضاً ـ يدلّ على ذلك مثل موثّقة السكوني ،
(الصفحة 169)
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته(1) .
وغيرها ، كصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّـاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى(2) . وذكر في الوسائل رواية اُخرى له(3) ، والظاهر اتّحادهما وعدم التعدّد ، كما ذكرناه مراراً .
وأمّا ما يملكه بعد الموت فيما إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، فمثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمن الحياة ، وقد استدرك ذلك في المتن بقوله : «نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل» .
ولكن ربما يورد عليه بأنّ الحقّ ما هو المشهور من كونه ملكاً للميّت ، نظراً إلى أنّ الصيد لا يتبع الآلة في الملكيّة ، بل إنّما يكون تابعاً للصائد ، ولذا لو اصطاد شخص بالشبكة المغصوبة كان الصيد له ، دون مالك الشبكة ، وحيث إنّ عنوان الاصطياد والصائد لا يصدقان على الوارث باعتبار أنّه لم يفعل شيئاً ، وإنّما هما صادقان على الميّت ; لأنّه الذي تصدّى له ونصب الشبكة ، يكون الصيد في جميع التقادير ـ قبل القسمة وبعدها ، كانت الوصيّة بعين معيّنة أم لا ـ ملكاً للميّت ، فيكون حاله حال سائر أمواله يخرج منها ديونه ووصاياه ، ثمّ ينتقل الباقي إلى
- (1) الكافي : 7 / 11 ح7 ، الفقيه : 4 / 169 ح589 ، التهذيب : 9 / 193 ح774 ، وعنها الوسائل : 19/285 ، كتاب الوصايا ب14 ح2 .
- (2) التهذيب : 9 / 207 ح823 ، وعنه الوسائل : 19 / 286 ، كتاب الوصايا ب14 ح3 .
- (3) الوسائل : 19 / 285 ، كتاب الوصايا ب14 ح1 .
(الصفحة 170)مسألة : للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة ، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ ، فيتعيّن فيما عيّنه ، ومع الإطلاق ـ كما لو قال : ثلث مالي لفلان ـ يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، فلابدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة1 .
الوارث بالإرث(1) .
قلت : الأمر كما ذكر فيما لو كانت الوصيّة بحصّة مشاعة ، وأمّا لو كانت الوصيّة بعين معيّنة أو بمقدار كلّي كمائة دينار ، وفرض نصب الشبكة في زمن حياة الموصي ودخول ما فيها بعد الحياة ، فملاحظته مع الوصية المفروضة من جهة مقدار الثلث محلّ إشكال ; لأنّ صدق الصائد على الميّت خصوصاً مع تحقّق زمان كثير بين الموت وبين وقوع ما في الشبكة فيها كذلك ، وصرف إيجاد السبب لا يوجب الصدق عليه ، وإلاّ لكان حفر البئر في الطريق الموجب لوقوع القتل موجباً للدية ولو بعد مائة سنة .
1 ـ لهذه المسألة صور ثلاث :
إحداها : ما إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة من التركة ولم يكن الثلث زائداً على ثلث مجموع التركة ، كما إذا عيّن بستاناً له للموصى له ولم يكن البستان كذلك ، والظاهر في هذه الصورة نفوذ الوصيّة وتعيّنها فيما عيّن لفرض تعيينه له .
ثانيتها : ما إذا فوّض التعيين إلى الوصيّ ، فإنّه يتعيّن الثلث فيما عيّنه ، كما في فرض تعيين نفسه مع اعتبار الأمر المذكور .
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى : 33 / 370 .