(الصفحة 35)مسألة : يشترط في صحّة الوقف التنجيز على الأحوط ، فلو علّقه على شرط متوقّع الحصول ـ كمجيء زيد ـ أو على غير حاصل يقينيّ الحصول فيما بعد ، كما إذا قال : «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل على الأحوط . نعم ، لا بأس بالتعليق على شيء حاصل ، سواء علم بحصوله أم لا ، كما إذا قال : «وقفت إن كان اليوم جمعة» وكان كذلك1 .
الرجوع ميراثاً إنّما هو لأجل عروض الحاجة وتحقّق الشرط ، ويؤيّده التعبير بالرجوع الدالّ على أصل الصحّة .
وقد استدلّ للبطلان بوجوه اُخر ضعيفة لا مجال لذكرها .
1 ـ المشهور اعتبار التنجيز(1) ، وفي الجواهر بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه(2) ، وعن الحدائق : إنّي لم أقف عليه في جملة من كتب المتقدّمين ، منها : كتاب النهاية للشيخ والمبسوط ، والسرائر لابن إدريس ، وكذا المقنعة للشيخ المفيد (قدس سره)(3) ، فلو علّق على شرط كقدوم زيد ، أو صفة كمجيء رأس الشهر لم يصحّ ، ولا دليل عليه بالخصوص ، كما اعترف به صاحب المسالك(4) ، وحينئذ فإن تحقّق الإجماع فهو ، وإلاّ فهو مشكل .
نعم ، ادّعى صاحب الجواهر أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها حال وقوعها(5) ، وهو أيضاً مشكل ، ولذا ذكر سيّد العروة في الملحقات أنّ
- (1) الحدائق الناضرة : 22 / 142 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 196 .
- (2) جواهر الكلام : 28 / 55 و 63 .
- (3) الحدائق الناضرة : 22 / 142 .
- (4) مسالك الأفهام : 5 / 357 .
- (5) جواهر الكلام : 28 / 63 .
(الصفحة 36)
الأحوط مراعاة الاحتياط كما في المتن . نعم ، لو علّق على أمر محقّق الوقوع حال الإنشاء مع العلم به ، كما إذا قال : «وقفت إن كان هذا يوم الجمعة» مع العلم بأنّه يوم الجمعة صحّ ، بل لا ينبغي الإشكال وإن نقل عن بعض بطلانه أيضاً (1); لأنّه بصورة التعليق ، بل استظهر الصحّة مع عدم العلم أيضاً ، فلو قال : «وقفت على أولاد زيد إن كانوا عدولاً» مع عدالتهم ، غاية الأمر عدم علمه بذلك ، فإنّه لم يتأخّر الأثر حينئذ ، ثمّ قال : «وقفت إن جاء زيد» أنّه يحتمل وجوهاً :
أحدها : أن يكون على نحو الشرط المتأخّر على وجه الكشف ، فإذا كان يجيء في الواقع يكون وقفاً من الأوّل .
ثانيها : أن يكون على نحو الواجب المعلّق; بأن يكون المراد إنشاء الملكيّة حين المجيء ، ولازمه عدم جواز التصرّف بوجه آخر قبله لو علم بمجيئه ; لأنّه إنشاء وقفيّته في ذلك الوقت .
ثالثها : أن يكون على نحو الواجب المشروط على نحو الوصيّة ، بمعنى حصول الوقفيّة بعد ذلك لا حين الإنشاء ، وإشكال تأخير الأثر عن السبب إنّما يرد في الوجه الأخير دون الأوّلين ، أمّا الأوّل : فواضح ، وأمّا الثاني : فلأنّ المنشأ الوقفيّة حين المجيء ، وقد حصلت حين الإنشاء(2) .
قلت : والظاهر أنّ المنسبق إلى الذهن من الوجوه الثلاثة هو الوجه الأخير الذي يستلزم تأخير الأثر عن السبب ، والظاهر بملاحظة دعوى الإجماع وإن كانت غير ثابتة ، وبملاحظة أنّ ظاهر ما دلّ على تسبيب الأسباب ترتّب آثارها
- (1) الناقل هو صاحب الجواهر في ج28 ص63 .
- (2) ملحقات العروة : 2 / 196 .
(الصفحة 37)مسألة : لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه أنّه وصيّة بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل1 .
مسألة : من شرائط صحّة الوقف إخراج نفسه عنه ، فلو وقف على نفسه لم يصحّ ، ولو وقف على نفسه وغيره ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره . وإن كان بنحو الترتيب ، فإن وقف على نفسه ثمّ على غيره فمن منقطع الأوّل ، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر ، وإن كان على غيره ثمّ نفسه ، ثمّ غيره فمنقطع الوسط ، وقد مرّ حكم الصور2 .
حال وقوعها لزوم مراعاة الاحتياط ، من دون فرق بين التعليق على أمر مجهول الحصول ، بل متوقّعة ، كمجيء زيد ، أو أمر يقينيّ الحصول مع فرض عدم حصوله فعلاً ، كمجيء رأس الشهر . وأمّا في صورة حصوله وتحقّقه سواء كان معلوماً أو مجهولاً ، فالظاهر الصحّة وعدم لزوم مراعاة الاحتياط ، خلافاً لما حكي عن بعض ، نظراً إلى أنّه بصورة التعليق كما مرّ .
1 ـ لو قال : «هو وقف بعد موتي» فإن كان المفهوم منه عرفاً أنّه أوصى بالوقف صحّ ، وإلاّ بطل ، والظاهر أنّ المراد الفرق بين صورة شرط الفعل وشرط النتيجة ، والوجه في صحّة الأوّل أنّه وصيّة بأن يوقف ولا مانع منه ، بخلاف الثاني ; لأنّ الوقف يحتاج إلى سبب، كما عرفت .
2 ـ بلا خلاف كما عن جماعة(1) ، أو الإجماع كما عن جماعة اُخرى(2) ، وربما
- (1) مسالك الأفهام: 5/361، مفاتيح الشرائع: 3/211 ، الحدائق الناضرة : 22 / 155 ، رياض المسائل : 9/292.
- (2) السرائر : 3 / 155 ، التنقيح الرائع : 2 / 305 .
(الصفحة 38)
يستدلّ عليه ببعض الأخبار ، مثل :
مكاتبة عليّ بن سليمان بن رشيد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها عن أبي ، وبعضها استفدتها ولا آمن الحدثان ، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فما ترى جعلت فداك ، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين ، أو أبيعها وأتصدّق بثمنها عليهم في حياتي ؟ فإنّي أتخوّف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي ، فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيّام حياتي أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : فهمت كتابك في أمر ضياعك ، فليس لك أن تأكل منها من الصدقة ، فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة ، فبع وتصدّق ببعض ثمنها في حياتك ، وإن تصدّقت أمسكت لنفسك ما يقوتك ، مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
وخبر طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن أبيه أنّ رجلاً تصدّق بدار له وهو ساكن فيها ، فقال : الحين اُخرج منها(2) .
ولكن نوقش في دلالة الخبر; بأنّ مقتضاه وجوب الخروج عن الدار بعد أن أوقفها على غيره ، ولا دلالة له على عدم جواز الوقف لنفسه ، وفي دلالة المكاتبة بأنّ المراد أنّه إذا وقف على الفقراء لا يجوز أن يأكل منه ما دام حياته ، ولا دلالة فيها على عدم جواز أن يجعل شيئاً من الوقف لنفسه مدّة حياته .
فالعمدة في دليل المنع ـ كما أفاده السيّد في الملحقات ـ الإجماع(3) ، ولازمه
- (1) الكافي : 7 / 37 ح33 ، الفقيه : 4 / 177 ح623 ، التهذيب : 9 / 129 ح554 ، وعنها الوسائل : 19/176 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح1 .
- (2) التهذيب : 9 / 138 ح582 ، الاستبصار : 4 / 103 ح394 ، وعنهما الوسائل : 19 / 178 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح4 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 197 .
(الصفحة 39)مسألة : لو وقف على غيره كأولاده ، أو الفقراء مثلاً وشرط أن يقضي ديونه ، أو يؤدّي ما عليه من الحقوق الماليّة ، كالزكاة والخمس ، أو ينفق عليه من غلّة الوقف ، لم يصحّ وبطل الوقف ، من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن ، وكذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه وإدرار مؤونته إلى آخر عمره ، أو إلى مدّة معيّنة ، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه . هذا كلّه إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه ، وأمّا إن رجع إلى الشرط على الموقوف عليهم; بأن يؤدّوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف التي صارت ملكاً لهم فالأقوى صحّته ، كما أنّ الأقوى صحّة استثناء مقدار ما عليه من منافع الوقف . ثمّ إنّ في صورة بطلان
الاقتصار على القدر المتيقّن منه ، وإلاّ فمقتضى العموم الوارد في الوقف والعمومات الواردة في عموم العقود هو الجواز .
ثمّ إنّه على تقدير القول بالمنع ، فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه دون غيره ، وإن كان بنحو الترتيب يتصوّر فيه الأنواع الثلاثة في الوقف المنقطع ، ويجري فيه حكم كلّ واحد منها كما لا يخفى . نعم ، في صورة التشريك كما لو وقف على نفسه والفقراء قيل ببطلانه ، وقيل : يكون تمامه للفقراء ، وقيل ببطلانه في نصفه ، وقيل ببطلانه في ربعه(1) ، وقد قوّى السيّد فيها أنّه إن أراد التوزيع بطل في نصفه وصحّ في نصفه للفقراء ، وإن كان مراده بيان المصرف صحّ في تمامه للفقراء ; إذ مع كونه له وللفقراء على وجه بيان المصرف يمكن دفع تمامه للفقراء(2) ، كما أنّه احتمل في صورة إرادة التوزيع أن يكون تمامه للفقراء ، فتدبّر .
- (1) المسالك : 5 / 362 ، الحدائق الناضرة : 22 / 159 ـ 160 ، رياض المسائل : 9 / 294 ، مفتاح الكرامة : 9/30.
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 198 .