(الصفحة 188)مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة ، ولو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده . وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً ـ بحيث لا يرجى زواله ـ كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه1 .
مسألة : لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو ظهرت خيانة الوصيّ الواحد غير الجائزة بمقتضى قوله تعالى :
{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(1) الآية ، فالواجب على الحاكم عزله أوّلاً ، ثمّ أحد أمرين : هما نصب شخص آخر مكانه ، وضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة بعد عزل الوصيّ عن الوصاية المستقلّة لا محالة .
الثاني : ما لو ظهر من الوصيّ الواحد العجز عن الاستقلال وتنفيذ الوصيّة بتمامها ، فالمتعيّن على الحاكم في هذا الفرع ضمّ من يساعده إليه ، ولا يجوز له العزل ونصب آخر مقامه ; لعدم تحقّق الخيانة منه ، كما هو المفروض .
الثالث : ما لو عجز الوصيّ عن التدبير والعمل مطلقاً ولا يرجى زوال عذره ، كالهرم الخرف الذي يكون مرور الزمان موجباً لزيادة نقصه على القاعدة ، والظاهر من المتن أنّه لا حاجة في هذه الصورة إلى عزل الحاكم ، بل ينعزل بنفسه ; لفقدان ما هو المعتبر في صحّة جعله وصيّاً ، بل اللازم على الحاكم نصب شخص آخر مكانه ; لفرض وحدة الوصيّ كما هو ظاهر .
- (1) سورة البقرة : 2 /181 .
(الصفحة 189)وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء1 .
مسألة : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف2 .
مسألة : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره ، وأمّا لو أطلق; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً ، إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف يدلّ على المراد فيتّبع ، كما في عرف بعض الطوائف ، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون ، واستيفاء ما له على الناس ، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها ، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم ; من استئجار العبادات ، وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها . نعم ، في
1 ـ لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته لأيّة جهة كان ولو عمداً ، وظهرت عليه أمارات الموت ، أو مع عدم ظهورها أيضاً ، وفرض عدم إرادة العمل بالوصيّة بنفسه وبالمباشرة ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزها بعد موته ، كما أنّه ليس له ذلك في حال حياته إلاّ في بعض الاُمور التي يتعارف التوكيل فيها ; لأنّ حقّ الوصاية بيد الموصي وباختياره ، إلاّ إذا أذن له في الإيصاء إلى الغير ، فتجوز له .
2 ـ لا شبهة في أنّ الوصيّ كالوكيل أمين ، وهو غير ضامن إلاّ في صورة التعدّي أو التفريط . نعم ، يتحقّق الموجب للضمان هنا بنفس مخالفة الوصيّة ، فيصير الوصيّ ضامناً مع فرض التلف ، كما لو أوصى بإطعام عشرة مساكين في كلّ سنة مثلاً ، فأطعم من مال الموصي أزيد من ذلك ، فإنّه ضامن للزيادة .
(الصفحة 190)شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم ، وبالجملة : المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار1 .
مسألة : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على
1 ـ لا يجوز للوصيّ التصرّف المغاير للكيفيّة المأخوذة في الوصيّة ; سواء كانت راجعة إلى عمل خاصّ ، أو قدر مخصوص ، أو كيفيّة معيّنة ، وإلاّ فتشمله آية التبديل المشار إليها آنفاً .
وأمّا لو أطلق الموصي الوصيّة; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فقد استقرب في المتن وقوعه لغواً ; لخلوّه عن ذكر المتعلّق ، واستثنى ما إذا كان هناك عرف خاصّ دالّ على المراد فيتّبع ; لأنّه بمنزلة ذكر المتعلّق وقرينة عليه ، كما في عرف بعض الطوائف بالإضافة إلى الاُمور المذكورة في المتن ، والوجه فيه : أنّ العرف قرينة على تعيين المراد ، فاللازم اتّباعه لأصالة الظهور .
ثمّ إنّ في شمول الوصيّة المطلقة غير المأخوذة في متعلّقها شيء للأولاد الصغار والأطفال تأمّلاً وإشكالاً ، كما في المتن ; لاختلاف الوصاية والقيموميّة عنواناً . نعم ، حيث يمكن أن يكون في عرف الموصي دائرة الوصاية المطلقة شاملة للقيموميّة ، فالأحوط اللزومي بعد الرجوع إلى الحاكم تعيين الحاكم إيّاه بعنوان القيّم لو كان صالحاً له ، وعدم التعدّي عنه ، وبالجملة : فالمعيار هو العرف ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والموارد ، واختلاف الأعصار والأمصار ، كما لا يخفى .
(الصفحة 191)مباشرة أمثال هذا الوصيّ ، ولم يشترط عليه المباشرة1 .
مسألة : لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى ، أو جهات محصورة يقسّط بينها ، وتحتمل القرعة ، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها ، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب . وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة ، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة ، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة2 .
1 ـ لا يجوز للوصيّ عزل نفسه بعد موت الموصي ، لما عرفت(1) من عدم جواز الردّ بعده ، فضلاً عمّا إذا كان مسبوقاً بالقبول ، كما أنّه لا يجوز له تفويض أمر الوصيّة إلى الغير بحيث صار الغير وصيّاً مكانه . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بالوصية مع حفظ كون الوصيّ نفسه ، بشرط عدم اشتراط المباشرة عليه وعدم تعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً مع عدم جريان العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ; لمغايرته مع شأنه أو لغير ذلك من الجهات .
2 ـ لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، ففي المسألة صورتان :
الاُولى : ما إذا تردّد بين أشخاص محصورين ، أو جهات محصورة ، ففي الأوّل لا محيص عن الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل في حقوق الناس قطعاً ، ومسألة درهم الودعي على خلاف القاعدة ، لا يجوز التعدّي عن موردها ، فضلاً
(الصفحة 192)
عن استفادة الضابطة منها ، وتسمية تلك الضابطة قاعدة العدل والإنصاف .
وفي الثاني، قد احتمل فيه في المتن احتمالات ثلاثة :
أحدها: التقسيط بينها; وذلك لأجل عدم وجود المرجّح وعدم كونها من حقوق الناس ; مثل ما إذا كان متعلّق الوصية المنسيّ هو بناء القنطرة ، أو بناء المسجد ، أو بناء المكتب مثلاً ، فلازم عدم المرجّح وعدم كونها من حقوق الناس التقسيط .
ثانيها : القرعة ; لأنّ هذه الاُمور ممّا تشبه حقوق الناس التي هي مجرى القرعة كما عرفت ; لتعلّق تلك الاُمور بهم واستفادتهم منها .
ثالثها : التخيير في أيّة جهة شاء من الجهات بعد عدم وجود المرجّح ، وعدم كونها من حقوق الناس عرفاً وأصالة ، ولا يجوز الصرف في مطلق الخيرات بعد كون الجهات محصورة ، وخروج ما عدا المحصورة عن أطراف الشبهة .
الثانية : ما إذا تردّد بين أشخاص غير محصورين عرفاً ، أو جهات غير محصورة كذلك ، ولا مجال هنا للقرعة بعد كون الأطراف غير محصورة ، فيجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، وجهة من الجهات في الثاني ، بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة .
وما يشعر به أو يدلّ عليه ظاهر العبارة من أنّ اعتبار عدم الخروج عن أطراف الشبهة إنّما يكون في الأوّل بنحو الأولويّة ، وفي الثاني بنحو التعين واللزوم ، فالظاهر أنّه لا مجال للفرق بين الموردين ، بل اللازم في كليهما عدم الخروج عن أطراف الشبهة وإن كانت غير محصورة عرفاً ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه قد وردت في مثل موضوع المسألة مكاتبة محمّد بن الريّان ، وفي طريقها سهل بن زياد في جميع الطرق التي رواها المشايخ الثلاثة ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصيّ إلاّ باباً واحداً منها ،