(الصفحة 316)مسألة : يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّماً للاصطياد ، وعلامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل ويهيج إلى الصيد ، لو أرسله صاحبه وأغراه به ، وأن ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره . نعم ، لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد وقربه منه . والأحوط أن يكون من عادته ـ التي لا تتخلّف إلاّ نادراًـ أن يمسك الصيد ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه1 .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان الكلب المعلّم واتّصافه به ، فقد ذكر فيها أنّ علامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم وجود المانع أن يسترسل بنفسه ويهيج إلى جانب الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به وحرّكه عليه ، وأن ينزجر عن الذهاب والهياج إذا زجره صاحبه كأنّه مأمور على طبق أمره . نعم ، إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد وصيرورته قريباً منه لا يقدح ذلك في الاتّصاف المذكور ; لأنّه في هذه الحالة كأنّه يصير بلا إرادة ولا اختيار ; لأنّه يرى نفسه واصلاً إلى المطلوب .
نعم ، احتاط وجوباً في المتن أن يكون من عادته التي لا تتخلّف إلاّ نادراً أن يمسك الصيد ولا يأكل منه شيئاً حتّى يصل صاحبه ، ليتّضح أنّ الإمساك المذكور إنّما هو لأجل الصاحب لا لأكل نفسه والتغذّي منه .
ويؤيّده قوله تعالى :
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(1) الظاهر في حصول الإمساك لأجل الصاحب ، ويدلّ عليه صحيحة رفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكلب يقتل؟ فقال : كُلْ ، قلت : إن أكل منه؟ قال : إذا أكل منه فلم
- (1) سورة المائدة : 5 / 4 .
(الصفحة 317)
يمسك عليك إنّما أمسك على نفسه(1) .
ورواية أحمد بن محمّد قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّا قتل الكلب والفهد؟ فقال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : الكلب والفهد سواء ، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل ، فإنّه أمسك عليك ، وإذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل ، فإنّه أمسك على نفسه(2) .
ورواية سماعة بن مهران قال : سألته عمّا أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد; وهو قول الله تعالى :
{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ}(3) قال : لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه(4) ، لكن في مقابل هذه الروايات نصوص كثيرة دالّة على الحلّ وإن أكل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه .
وفي الوسائل عقد عنوان الباب هكذا «باب أنّه يجوز أكل صيد الكلب وإن أكل منه من غير اعتياد أقلّ من النصف ، أو أكثر منه ، أو أكثره» . وقد أورد فيه روايات كثيرة دالّة على هذا المعنى ، فيها الصحيحة وغيرها ، بل في بعضها ـ كما في الجواهر ـ أنّ القول بالحرمة قول العامّة(5) ، ففي رواية حكم بن حكيم الصيرفي قال : قلت
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 27 ح111 ، الاستبصار : 4 / 69 ح252 ، وعنهما الوسائل : 23 / 338 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح17 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/28 ح113، وعنه الوسائل: 23/338 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح18.
- (3) سورة المائدة: 5 / 4.
- (4) التهذيب : 9 / 27 ح110 ، الاستبصار : 4 / 69 ح251 ، وعنهما الوسائل : 23 / 337 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح16 .
- (5) جواهر الكلام : 35 / 20 .
(الصفحة 318)
لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟ قال : لا بأس بأكله ، قلت : إنّهم يقولون : إنّه إذا قتله وأكل منه ، فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكله ، فقال : كُلْ ، أوليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟ قال: قلت : بلى ، قال : فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكّاها؟ قال : قلت : نعم ، فإنّ السبع جاء بعدما ذكّاها فأكل بعضها ، أتأكل البقيّة؟ قلت : نعم ، قال : فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم : كيف تقولون : إذا ذكّى ذلك وأكل منه لم تأكلوا ، وإذا ذكّى هذا وأكل أكلتم؟!(1)
وصحيحة محمّد بن مسلم وغير واحد عنهما (عليهما السلام) جميعاً ، أنّهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي ، قالا : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكُلْ ما بقي ، ولا ترون ما يرون في الكلب(2) .
ورواية سالم الأشل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكلب يمسك على صيده ويأكل منه ؟ فقال : لا بأس بما يأكل هو لك حلال(3) .
ورواية يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل؟ قال : كُلْ وإن أكل(4) .
ورواية سعيد بن المسيّب قال : سمعت سلمان يقول : كُلْ ممّا أمسك الكلب وإن
- (1) الكافي : 6 / 203 ح6 ، تهذيب الأحكام : 9 / 23 ح91 ، الاستبصار : 4 / 69 ح253 ، وعنها الوسائل : 23/333 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 202 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 22 ح89 ، الاستبصار : 4 / 67 ح241 ، وعنها الوسائل : 23/334 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح2 .
- (3) الكافي : 6 / 203 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 27 ح108 ، الاستبصار : 4 / 68 ح249 ، وعنها الوسائل : 23/334 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح3 .
- (4) الكافي : 6 / 204 ح7 ، تهذيب الأحكام : 9 / 23 ح92 ، الاستبصار : 4 / 67 ح242 ، وعنها الوسائل : 23/334 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح4 .
(الصفحة 319)مسألة : يشترط في حلّية صيد الكلب المعلّم اُمور :
الأوّل:
أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد ، فلو استرسل بنفسه من دون
أكل ثلثيه(1) .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيداً فأكل منه ، آكل من فضله؟ قال : كُلْ ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه ، فإذا كنت ناسياً فكُلْ منه أيضاً ، وكُل فضله(2) .
والروايات بهذا المضمون قد جمعها في الوسائل في الباب المذكور ، واللازم الجمع بين الطائفتين ، ويظهر من المتن أنّ الجمع بينهما بحمل الطائفة الاُولى على أنّ من عادته الأكل، والثانية على أنّ من عادته عدم الأكل إلاّ نادراً حتّى يصل صاحبه، وهو أولى من الحمل على التقيّة الذي هو في المراحل البعديّة من المرجّحات .
وفي المختلف بعد أن حكى عن الصدّوقين(3) وابن أبي عقيل حلّ صيد الكلب أكل منه أو لم يأكل ، قال : وهذا ليس مشهوراً على إطلاقه ; لأنّ عند علمائنا أنّه إن كان معتاداً أكل الصيد لم يجز أكل ما يقتله ، وإن كان نادراً جاز(4) .
وعن الدروس احتمال تنزيل كلام المخالف على الندرة(5) ، وحينئذ يرتفع الخلاف في المسألة ، وعلى أيّ فما ذكره في المتن مطابق للاحتياط .
- (1) الكافي : 6 / 204 ح10 ، تهذيب الأحكام : 9 / 24 ح95 ، الاستبصار : 4 / 67 ح243 ، وعنها الوسائل : 23/334 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح5 .
- (2) الكافي : 6 / 205 ح13 ، تهذيب الأحكام : 9 / 24 ح97 ، الاستبصار : 4 / 68 ح254 ، وعنها الوسائل : 23/335 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب2 ح8 .
- (3) المقنع : 413 .
- (4) مختلف الشيعة : 8 / 368 ، الفصل السادس في اللواحق .
- (5) الدروس الشرعيّة : 2 / 394 .
(الصفحة 320)إرسال لم يحلّ مقتوله وإن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه ; بأن زاد في عدْوه بسببه على الأحوط . وكذا الحال لو أرسله لا للاصطياد ، بل لأمر آخر; من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله كفى في حلّه ، وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلاّ معاً .الثاني:
أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه ، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً ، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه ، أو من كان بحكمه كالنواصب ـ لعنهم الله ـ لم يحلّ أكل ما قتله1 .
1 ـ يشترط في الحلّية بسبب صيد الكلب المعلّم ـ مضافاً إلى لزوم كونه كلباً معلّماًـ اُمور :
الأوّل : أن يكون الاصطياد مسبّباً عن إرساله لذلك ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام)أنّه قال : ما قتلت من الجوارح مكلّبين وذكر اسم الله عليه فكلوا منه ، وما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه(1) .
وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث صيد الكلب ، قال : وإن كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه ، فإنّه معلّم(2) .
- (1) الكافي : 6 / 203 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 23 ح90 ، وعنهما الوسائل : 23/346 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب7 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 205 ح14 ، الفقيه : 3 / 201 ح911 ، تهذيب الأحكام : 9 / 24 ح98 ، وعنها الوسائل : 23/346 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب7 ح2 .