(الصفحة 205)أحدهما : أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ، فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، ونصفها باثنتين ، وثلاثة أرباعها بثلاث ، وتمامها بأربع .ثانيهما :
أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين ـ في دينهما ـ عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار1 .
1 ـ الوصيّة إن كانت متعلّقة بالولاية ; سواء كانت هي الولاية على المال ، أو القيمومة على الأطفال ، فهي لا تثبت إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء ، لا منفردات ولا منضمّـات بالرجال ، كسائر الموارد المشابهة ، إلاّ ما استثني .
وإن كانت متعلّقة بالمال ، فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل وامرأتين ، كما مرّ في كتاب القضاء(1) ، لكن تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين ، والأصل فيهما قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}(2) وقد وردت في جملة من الروايات المنقولة في الباب العشرين من أحكام الوصايا من كتاب الوسائل فيها روايات صحيحة دالّة على أنّ المراد من
{آخران من غيركم} هما كافران ، معلّلاً في بعضها بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد(3) ، ويظهر من التعليل أنّ المورد هي الوصيّة بالمال ، كما أنّه يظهر من آخر
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 189 ـ 199 .
- (2) سورة المائدة : 5 / 106 .
- (3) الكافي : 7 / 4 ح2 وص398 ح2 ، الفقيه : 4 / 142 ح485 ، تهذيب الأحكام : 6 / 252 ح652 وج9/180 ح724 وعنها الوسائل : 19 / 310 و311 ، كتاب الوصايا ب20 ح3 و 5 .
(الصفحة 206)مسألة : لو كانت الورثة كباراً ، وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف في مصرف ، تثبت في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، ولا يحتاج إلى بيّنة . وإن أقرّ بها بعضهم دون بعض، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام ; لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى ، وإلاّ تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين . نعم ، لو كان المقرّ عدلاً واحداً وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص ، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة ، وبالجملة : المقرّ من الورثة شاهد
الاختصاص بصورة الضرورة وعدم عدول المسلمين(1) ، كما أنّه يدلّ بعض منها على الاختصاص بأهل الذمّة(2) ، مضافاً إلى كون الشاهدين مرضيّين عند أصحابنا بكونهما عدلين في دينهما .
وأمّا قبول شهادة المرأة الواحدة بالإضافة إلى الربع وهكذا حتّى يكمل تمامها بأربع ، فيدلّ عليه أيضاً روايات متعدّدة مذكورة في الباب الثاني والعشرين من الكتاب المذكور .
منها : صحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في وصيّة لم يشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها(3) ، وأوردها في الباب مرّتين متعدّدتين على خلاف ما قلنا .
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 309 ـ 311 ، كتاب الوصايا ب20 ح1 و3 و 4 و 6 .
- (2) وسائل الشيعة : 19 / 311 و 312 ، كتاب الوصايا ب20 ح5 و 7 .
- (3) تهذيب الأحكام : 9 / 180 ح723 ، وعنه الوسائل : 19 / 317 ، كتاب الوصايا ب22 ح3 .
(الصفحة 207)بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ ، فيثبت به ما يثبت به1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : لو كانت الورثة كباراً وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه تثبت الوصية في تمام الموصى به ، ويلزمون بالعمل بها ، من دون فرق بين أن يكون كلّهم عدولاً أم لم يكن ; لأنّ ذلك إنّما هو للأخذ بإقرارهم ولا يحتاج إلى بيّنة .
الثاني : لو أقرّ بالوصيّة بعض الورثة الكبار دون بعض آخر منهم ; سواء كان كباراً أم لم يكن ، فإن كان المقرّ منهم اثنين عدلين فما فوق تثبت الوصية في التمام أيضاً ، لقيام البيّنة ، مضافاً إلى الإقرار بالإضافة إلى المقرّين المشمول لقاعدة الإقرار المبحوث عنها في محلّها من البحث في القواعد الفقهية(1) ، ولا حاجة إلى شيء آخر ، وإن لم يكونا عدلين ، بل كان كلا المقرّين أو المقرّ الواحد غير عادل ، فمقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى حصّة المقرّ فقط ، ويحتاج الثبوت في الباقين إلى البيّنة .
نعم ، يستثنى من ذلك موردان :
أحدهما : ما إذا كان المقرّ الواحد عادلاً وكان متعلّق الوصيّة المال لشخص أو أشخاص ، فإنّك عرفت في المسألة السابقة كفاية شهادة عدل واحد مع ضمّ اليمين ، والمراد بها يمين المقرّ له ، فإنّه في هذا المورد يكفي المجموع من شهادة الواحد واليمين في ثبوت تمام الوصيّة ، وقد فصّل ذلك في كتاب القضاء(2) .
ثانيهما : ما إذا شهدت امرأة واحدة عادلة ، فإنّ مقتضى الروايات الكثيرة
- (1) القواعد الفقهيّة : 1 / 63 ـ 82 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 189 ـ 199 .
(الصفحة 208)مسألة : لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبي ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه كغيره . نعم ، لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه ، كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية ـ خصوصاً إذا رأى منه الخيانة ـ الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، لكنّ الوارث والأجنبي في ذلك سيّان ، إلاّ فيما تعلّقت باُمور الميّت ، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره ، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره1 .
المشار إليها آنفاً أنّها تكفي في ثبوت ربع حصّة الوصيّة في الورثة ، وإن كانت وارثة يكون مقتضى قاعدة الإقرار الثبوت بالنسبة إلى جميع حصّتها ، كما لا يخفى .
1 ـ لو أقرّ الوارث بأصل ثبوت الوصيّة وتحقّقها من الميّت قبل موته من دون أن يقرّ بالخصوصيّات كمّاً أو كيفاً أو غيرهما ، يكون الوارث في هذه الجهة كالأجنبي ، ويترتّب عليه أنّه ليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، ولا يسمع منه هذا الإنكار كغيره ، إلاّ أن يدّعي العلم بعدمها وإن كان الوصيّ الواقعي مجهولاً له ، فإنّه في هذه الصورة له الإنكار ، وتسمع دعواه .
وقد استدرك في المتن من أصل المسألة ما لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر أو العناوين العامّة ، كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد ، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك ، فإنّه في هذه الصور يكون لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، من دون فرق بين الوارث ، كما ذكرناه ،
(الصفحة 209)مسألة : قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث ، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث ، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته ، وحتّى المجّانيّة والمحاباتيّة على الأقوى1 .
وبين الأجنبيّ .
ومنه يعلم أنّ ما ذكر في كتاب القضاء(1) من أنّه من شرائط سماع الدعوى أن يكون لها نفع بالإضافة إلى المدّعي ، ولذا لا يسمع مثلاً ادّعاء زيد أنّ عمراً مديون لبكر مع كون كليهما أجنبيّين عنه لا يرتبطان به أصلاً ، وجه عدم المنافاة أنّ النفع العائد إلى المدّعي ربما لا يكون نفعاً دنيوياً ، بل نفعاً اُخرويّاً من جهة الحسبة والمساعدة مع العناوين المذكورة في المتن حتّى الميّت نفسه ، وإن نفى البُعد في الأخير عن أولوية الوارث من غيره ، وكون اختصاص الدعوى وحقّها به مقدّماً على غيره ، ولعلّه لشدّة الارتباط والاتّصال بينهما وكثرة محبّة الوارث بالنسبة إلى الميّت وإرادته لأن يصل الأجر والثواب إليه ، ويؤيّده أنّ المتصدّي لتجهيزاته هو الولد الذكر الأكبر الذي عليه قضاء ما فات عن أبيه قطعاً ، وعن اُمّه احتمالاً ، كما هو المبحوث عنه في محلّه من كتاب الصلاة .
1 ـ قد تقدّم في كتاب الحجر الذي عدّ المرض من أسبابه أنّ الوصيّة المشروعة نافذة في الثلث مطلقاً ، سواء كانت مطابقة لرأي الورثة أم لم تكن كذلك . نعم ، في الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث بحسب الوحدة والتعدّد ، فإن كان واحداً وأمضى الجميع لابدّ من الأخذ بتمام الوصيّة ، وإن كان متعدّداً فالزائد بلحاظ حقّ كلّ يتوقّف على الإجازة ، ويمكن التبعيض في الإجازة وعدمها ، وأمّا المنجّزات
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 79 ـ 80 .