(الصفحة 154)
[ أحكام الوصيّة ]
مسألة : يشترط في الموصى به في الوصية التمليكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كحقّي التحجير والاختصاص ; من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة ، أو يثمر الشجر في المستقبل1 .
مسألة : لابدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل ، والخنزير ، وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللّهو ، وكذا منفعة القردة ونحوها2 .
1 ـ يعتبر في الموصى به في الوصيّة التملكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لصدق عنوان ترك الخير المعنون في الآية الشريفة(1)عليهما فقط ، ولا فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير ، أو منفعة يمكن تمليكها في الإجارة ونحوها ، كما أنّه لا فرق في العين بين أن تكون موجودة بالفعل أو ممّا ستوجد قطعاً أو اطمئناناً ، كحمل الدابّة أو ثمر الشجر في المستقبل ، كما أنّه لا فرق في الدين الذي يكون للموصي على ذمّة الغير بين أن يكون درهماً وديناراً ، أو يكون عروضاً ، كما إذا اشتراه سلماً وسلفاً ، فإنّه لا مانع من الإيصاء به إلى الغير .
2 ـ لابدّ في الموصى به أن يكون مالاً شرعاً ; بأن يكون ذات منفعة عقلائيّة
- (1) سورة البقرة: 2 / 180.
(الصفحة 155)مسألة : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، وأمّا عن الغير; بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه ، فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة1 .
محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بالاُمور المذكورة في المتن المشتركة في عدم الاتّصاف بالماليّة الشرعيّة ، كما ظهر أنّه لو كان الموصى به نفس المنفعة فقط لابدّ وأن تكون محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو لحرمتها ، وكذا لا تصحّ الوصيّة بالقردة ومثلها ; لعدم ثبوت نفع عقلائيّ لها .
1 ـ للوصيّة بمال الغير صورتان :
الاُولى : ما إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، والوصيّة بهذه الصورة غير جائزة وإن أجاز المالك ; لأنّ الإجازة لا توجب صيرورته ملكاً للموصي ومعدوداً من جملة ما تركه ، كما لايخفى .
الثانية : ما إذا كان الإيصاء به عن الغير; بأن جعله للموصى له بعد وفاة ذلك الغير ، وقد نفى في المتن البُعد عن صحّتها ونفوذها بالإجازة ، ومنشؤه أنّ الفضولي ليس على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على الموارد المتيقّنة ، بل هو أمر على وفقها يجري في كلّ العقود ما لم يدلّ دليل على الخلاف .
نعم ، ربما يتوهّم أنّ عدم جريان الفضوليّة في الوصيّة إنّما هو لأجل عدم كونها من العقود بل من الإيقاعات ، كما تقدّم في المسألة الخامسة ، ولكن الجواب أنّ عدم جريان الفضوليّة في الإيقاعات أيضاً ليس على خلاف القاعدة ، بل يقتصر فيه على موارد دلّ الدليل على عدم الجريان فيها ، كالطلاق والعتق والإبراء ونحوها ، وعليه فلا يبعد أن يقال كما في المتن بالصحّة مع الإجازة اللاحقة في هذه الصورة .
(الصفحة 156)مسألة : يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة ، وقطّاع الطريق ، وتعمير الكنائس ، ونسخ كتب الضلال ونحوها ، وكذا بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً1 .
مسألة : لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً وغير سائغ عند الوصيّ ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ ، لم يجز له تنفيذها ، ولو انعكس الأمر انعكس2 .
1 ـ يشترط في الوصية العهديّة أمران :
أحدهما : أن يكون ما أوصى به جائزاً غير محرّم ; لوضوح عدم نفوذ الوصيّة بالأمر المحرّم الشرعيّ ، كالأمثلة المذكورة في المتن .
ثانيهما : أن يكون ما أوصى به ممّا تعلّق به غرض عقلائيّ ، فلا تصحّ الوصيّة بصرف المال فيما يكون سفهاً وعبثاً ، بل الوصيّة بما يكون كذلك وإن لم يكن متوقّفاً على صرف المال ، بل هذه الصورة هو الفرد الواضح من هذا الشرط ، وإن كانت العبارة غير خالية عن الاضطراب والتشويش .
2 ـ لو أوصى بما هو سائغ عند الموصي اجتهاداً أو تقليداً وغير سائغ عند الوصيّ كذلك ، كالمثال المذكور في المتن فاللازم على الوصيّ العمل على ما يطابق اعتقاده ، فلو لم يكن نقل الجنازة عنده جائزاً ولو إلى المشاهد المشرّفة أو إلى غيرها الذي تعلّقت الوصيّة به ، لا يجوز له التنفيذ ، كما في النائب في العبادات الواقعة نيابة تبرّعاً أو مع الاستئجار ، حيث إنّ اللازم على النائب تطبيق العمل على ما هو مقتضى اعتقاده ، لا اعتقاد المنوب عنه كما هو ظاهر .
(الصفحة 157)مسألة : لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه ـ كتغسيله والصلاة عليه ـ مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان ، بل قولان ، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ ، والوليّ بالإذن له1 .
مسألة : يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث ، وتفصيله : أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ ; كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق; كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة ، ويلحق به الواجب الماليّ المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى . وإن
1 ـ لو لم تقع الوصيّة بمباشرة تجهيزه من التغسيل والصلاة عليه ، أو وقعت الوصيّة بمباشرة الوليّ ذلك ، فاللازم على الوليّ مباشرته من دون إشكال . وأمّا لو أوصى لغير الوليّ المباشرة المذكورة مع وجود الوليّ وإمكان تصدّيه أو الاستجازة منه ، فهنا دليلان يدلّ أحدهما على وجوب ذلك مع نظره ورعايته ، وثانيهما على لزوم العمل بالوصيّة ، وقد عرفت أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول أيضاً(1) .
وحينئذ فهل الوصيّة نافذة ويقدّم غير الولي عليه لأجل الوصية ، أو أنّ اللازم رعاية نظر الوليّ رعاية لحقّه؟ فيه وجهان ، بل قولان ، نهى في المتن عن ترك الاحتياط بالإضافة إلى الوصيّ بالاستئذان من الوليّ ; وكذا بالإضافة إلى الوليّ بالإذن إلى الوصيّ ; لعدم لزوم مباشرته وكفاية إذنه والصدور مع موافقته . نعم ، لو كان كلا الدليلين دالّين على اعتبار المباشرة لكان يشكل الأمر ، كما أنّه لو كان النظر في كليهما رعاية نظره وموافقة ما يراه يتحقّق أيضاً موضوع الاحتياط المذكور في
(الصفحة 158)كانت تمليكيّة أو عهديّة تبرّعية ، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات ، أو إقامة التعزية ونحو ذلك ، نفذت بمقدار الثلث ، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة ، وإلاّ بطلت ، من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض ، وكذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى ، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما1 .
المتن; بأن يتحقّق العمل عن كلا الإذنين ، ويتحقّق كلاهما ولو بالإضافة إلى الثالث ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ التفصيل في مسألة نفوذ الوصية بالنسبة إلى الثلث أو الزائد عليه أيضاً أنّه إذا كانت الوصيّة بواجب ماليّ كأداء ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات ، فلا إشكال في لزوم إخراجه من أصل التركة مطلقاً(1) ، وإن استوعب جميع التركة ; لدلالة الدليل على تأخّر الإرث عن الدين ، ومنه يظهر أنّه لو لم يوص به يخرج من أصل التركة ولو كان مستوعباً لها أيضاً ، ولا فرق في الواجب المالي بين الماليّ المحض ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وبين الماليّ المشوب بالبدني ، كالحجّ ولو كان واجباً بالنذر وشبهه ، كما قوّاه في المتن .
والوجه فيه أنّ كلّ واجب ماليّ ولو كان مشوباً بالبدني كأنّه دين على الموصي يجب إخراجه من الأصل ، بخلاف الواجب البدنيّ المحض كالصلاة والصوم مع اشتغال الذمّة بهما ، وأمّا في غير ما ذكر من الوصيّة التملكيّة أو العهديّة كما في المتن فالوصيّة نافذة بالإضافة إلى الثلث مطلقاً ، أي سواء أجاز الورثة أم لم يجز ، وفي
- (1) الحدائق الناضرة : 22 / 435 ، رياض المسائل : 9 / 519 ، جواهر الكلام 28 / 298ـ 300 .