(الصفحة 239)مسألة : يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعةً لله تعالى ; صلاةً ، أو صوماً ، أو حجّاً ، ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به ، كزيارة المؤمنين ، وتشييع الجنازة ، وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائيّاً إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح ، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه ، فإن قصد به معنى راجحاً ; كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة ، أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه فعلاً أو تركاً بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيويّاً . وأمّا إذا لم يقصد به معنى راجحاً ، ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيّته ، فالظاهر عدم انعقاده ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه1 .
فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) .
ورواية محمّد بن منصور أنّه سأل موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال: يتصدّق لكلّ يوم بمدّمن حنطة(2)، فإنّ مقتضى ظاهر السؤال فيهما أو إطلاقه وترك الاستفصال دليل على صحّة النذر المذكور فيهما ، فتدبّر .
1 ـ يشترط في متعلّق النذر مطلقاً فعلاً أو تركاً أن يكون مقدوراً للناذر شرعاً وعرفاً ، إذ لا معنى للالتزام والتعهّد بما ليس كذلك ، ويشترط أيضاً إمّا أن يكون
- (1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .
(الصفحة 240)
طاعةً لله تعالى ; من الصلاة ، والصيام ، والحجّ ، وغيرها من العبادات التي يعتبر في صحّتها قصد القربة ، وإمّا أن يكون مندوباً إليه في الشرع ويصحّ التقرّب به وإن لم يكن قصده معتبراً في تحقّقه ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فينعقد في فعل كلّ واجب أو مندوب ، وترك كلّ حرام أو مكروه .
وأمّا المباح فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المقصود به معنى راجحاً ; كما إذا كان قصده من نذر أكل طعام مباح أو تركه كذلك التقوّي على العبادة أو منع النفس عن الشهوة ، فقد نفى الإشكال في انعقاده ، ولذا ذكرنا في كتاب الاجتهاد والتقليد في مبحث شرائط المرجع للتقليد أنّ المستفاد من الرواية المعروفة المحكية عن تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : من كان من الفقهاء الخ(1) أنّ من شرائط المرجعيّة المخالفة للهوى النفسانية ولو في الاُمور المباحة الشرعية .
وكيف كان ، فإن كان غرضه من فعل المباح أو تركه ما ذكرنا فلا إشكال في انعقاده ، كما أنّه نفى الإشكال عن عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه مرجوحاً ولو دنيويّاً وإن كان ذلك بسبب الاقتران ببعض العوارض وطروّ بعض الحالات ، وبين ما إذا لم يكن المقصود به ذلك ، فاستظهر عدم الانعقاد ، ولكن قال : لا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الالتزام بمتعلّق النذر حينئذ لا يكاد يرتبط بالله تبارك وتعالى ; لأنّ المفروض عدم الفرق بين وجوده وعدمه ، وعدم رجحان أحدهما على الآخر أصلاً .
ثمّ إنّه قد وقع البحث والكلام في وجه صحّة نذر الإحرام قبل الميقات، ونذر الصوم المستحبّي مقيّداً بالسفر ، مع أنّ الإحرام قبل الميقات في نفسه غير جائز ،
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الاجتهاد والتقليد : 75 ـ 77 .
(الصفحة 241)مسألة : قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا . والأوّل على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ، فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتّى يقع المنذور مجازاة له . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى; من فعل واجب أو مندوب ، أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً لله تعالى حيث وفّقه عليها ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره، فلابدّ أن يكون فيه منفعة دينيّة أو دنيويّة للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه ، مثل أن يقول : «إن شاع بين الناس المنكرات فلله عليّ كذا» .
وإن كان من فعل الله تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ، ويحسن طلبه منه تعالى ، كشفاء مريض ، أو هلاك عدوّ ديني ، أو أمن في البلاد ونحوها ، فلا ينعقد في عكسه ، كما إذا قال : «إن أهلك الله هذا المؤمن الصالح» أو قال : «إن وقع القحط في البلاد فكذا» . وأمّا نذر الزجر ، فلابدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه ـ فعلاً أو تركاًـ اختياريّاً للناذر ، وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر
وكذا الصوم في السفر إلاّ في بعض الموارد النادرة واجباً كان; كالصيام بدل الهدي في الحجّ ثلاثة أيّام لمن لا يقدر عليه ، قال الله تعالى :
{ثَلاَثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ}(1) ، أم مستحبّاً; كصيام ثلاثة أيّام في المدينة مع شرائط خاصّة ، والمذكور هناك بيان الوجه في الصحّة فراجع .
- (1) سورة البقرة : 2 /196 .
(الصفحة 242)زاجراً عنه ، كفعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب1 .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بعد بيان أنّ النذر المعلّق على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ـ بيان أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه ، وكان غرض الناذر هو الشكر بعنوان الجزاء له بإتيان المنذور أو تحقّقه . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى من فعل واجب أو مستحبّ ، أو ترك حرام أو مكروه ، أو مباحاً مع القصد المذكور في المسألة السابقة ، فيلتزم بالمنذور شكراً له تعالى ، حيث وفّقه على المعلّق عليه ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد .
وإن كان من فعل غيره من الناس ، كاعطائه الدراهم مثلاً ، فلابدّ أن تكون فيه منفعة دينيّة أو محلّلة دنيوية للناذر ، صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه كالمثال المذكور في المتن . ومن هذا القبيل النذر المعلّق على أن يصير ولده مثلاً صالحاً مواظباً على تكاليفه من الصلاة والصيام ونحوهما ، أو يصير ذا رتبة عالية في مراتب تحصيلاته الحوزويّة أو الجامعية ، أو يصير دكتوراً ونحوه ، فإنّ جميع ذلك صالح لأن يشكر عليه وإن لم يكن تحت اختياره ، فتدبّر .
وإن كان من فعل الله تعالى فلابدّ من أن يكون أمراً مناسباً للطلب منه والشكر عليه ، كالأمثلة المذكورة فيه ، ولا ينعقد في عكسه ممّا لا يسوغ تمنّيه ولا يحسن الطلب منه ، كإهلاك العبد الصالح ومثله .
وإن كان نذر الزجر فيعتبر فيه أمران :
أحدهما : أن يكون الشرط والمعلّق عليه فعلاً أو تركاً اختياريّاً للناذر ،
ثانيهما : أن يكون صالحاً لأن يزجر عنه حتّى يقع النذر أجراً عليه ، فلا ينعقد فيما علّق على
(الصفحة 243)مسألة : إن كان الشرط فعلاً اختياريّاً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر ، وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فلله عليّ كذا» . وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر ، فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد1 .
مسألة : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان ، بل قولان : أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض
ترك التصدّق إلى الفقراء زجراً عنه ، كما أنّه لا ينعقد على فعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب ، كما هو ظاهر .
1 ـ الغرض من هذه المسألة ـ بعدما تقدّم من أنّ النذر على قسمين : نذر شكر ونذر زجر ـ بيان المائز بين القسمين ، وأنّه ليس إلاّ القصد ، ففي مثال واحد يمكن أن يكون نذر شكر ، ويمكن أن يكون نذر زجر ، أو مختلفاً بحسب الحالتين ، فينعقد في إحداهما دون الاُخرى ، أو في أحد الشخصين دون الآخر ، لكن تخصيص موضوع المسألة بما إذا كان الشرط فعلاً للناذر إنّما هو لأجل ما ذكرنا في المسألة السابقة من اعتبار أمرين في نذر زجر :
أحدهما : كون الشرط أمراً اختياريّاً للناذر ،
والثاني : أن يكون قصده الزجر عنه ، لكنّ التخصيص بالفعل وجهه غير ظاهر ; لجريانه في الترك أيضاً .