(الصفحة 186)مسألة : يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر1 .
الاستقلال والانفراد لا يقدح ذلك في بقاء وصاية الآخر ، ولا حاجة إلى ضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه بعد فرض الاستقلال ، وفي صورة العدم إمّا للتصريح بعدم الاستقلال ، أو للإطلاق المحمول عليه كما عرفت ، احتاط في المتن بضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه ، بل قال : اللزوم لا يخلو من قوّة ; لأنّه يكون مقصود الموصي عدم الانفراد ، فمع الموت العارض لأحدهما يقيم مقامه الحاكم شخصاً آخر .
ولو مات كلا الوصيّين فلا شبهة في الاحتياج إلى النصب من قبل الحاكم ، لكن الكلام في أنّ اللازم هو نصب اثنين ، كما كان في الوصيّين ، أو يجوز نصب واحد؟ ومورد البحث ما إذا كان الواحد كافياً لإجراء الوصيّة والعمل بمفادها . وأمّا مع عدم الكفاية ، كما إذا كانت دائرة الوصيّة وسيعة جدّاً ، بحيث لا يكفي الواحد لإجرائها وتنفيذها ، فلا شبهة في لزوم نصب اثنين .
قد احتمل في المتن في المسألة وجهين ، واحتاط بالأوّل ، وقوّى الثاني . أمّا وجه الاحتياط فواضح . وأمّا وجه أقوائيّة الثاني مطلقاً; أي في صورة الاستقلال وصورة عدمه ، كما يظهر من إطلاق الكلام في هذا الفرع ، فواضح أيضاً بالإضافة إلى صورة الاستقلال . وأمّا مع فرض عدمه مع فرض كفاية الواحد ، فلأجل أنّه لا دليل على لزوم نصب أزيد من واحد وإن كان لا يبعد أن يقال باللزوم ، كما نفى خلوّه عن القوّة في موت أحد الوصيّين مع عدم الاستقلال ، ودعوى اختصاص كلامه في موت الوصيّين معاً بهذه الصورة خالية عن الشاهد ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ كما أنّه يجوز أن يجعل وصيّين في مجموع الوصيّة ، يجوز له التبعيض ; بأن
(الصفحة 187)مسألة : لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته . وكذا لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني ، أو تاب عن فسقه ، أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» فإنّه يصحّ وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر1 .
مسألة : لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر
يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر ، وإن شئت قلت : هما وصيّتان غير متضادّتين ; لاختلاف المتعلّق ، فتأمّل .
1 ـ كما أنّه يجوز جعل وصيّين أو أزيد في عرض واحد مع التصريح بالاستقلال ، أو ظهور كلامه في ذلك على ما عرفت(1) ، يجوز جعلهما بنحو الترتيب ، كما إذا قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن مات فإلى عمرو» ولا يتصوّر فيه غير فرض الاستقلال ، وكذا لو كان له ابن صغير ، أو ابن كبير فاسق ، أو غير مشتغل بالعلوم المعمولة الحوزويّة ، فقال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني وصار رشيداً ، أو تاب عن فسقه الذي ارتكبه ، أو صار من المشتغلين بالعلوم الرائجة في الحوزات العلميّة فهو وصيّي» وإن لم يمت زيد ولم يعرض له شيء فهو صحيح ، وتنتهي وصاية زيد مع حصول ما ذكر ، وهكذا الحال بالإضافة إلى غير الابن ، كما لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن بلغ عمرو المشتغل بالعلوم الحوزويّة إلى ما يسمّى اصطلاحاً بالسطوح العالية فهو وصيّي» فإنّه يصحّ في الجميع ، ولا مجال لاحتمال البطلان في بعضها بعد كون الأمر بيد الموصي من الجهات المختلفة في الكيفيّة والكمّية على ما عرفت .
(الصفحة 188)مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة ، ولو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده . وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً ـ بحيث لا يرجى زواله ـ كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه1 .
مسألة : لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو ظهرت خيانة الوصيّ الواحد غير الجائزة بمقتضى قوله تعالى :
{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(1) الآية ، فالواجب على الحاكم عزله أوّلاً ، ثمّ أحد أمرين : هما نصب شخص آخر مكانه ، وضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة بعد عزل الوصيّ عن الوصاية المستقلّة لا محالة .
الثاني : ما لو ظهر من الوصيّ الواحد العجز عن الاستقلال وتنفيذ الوصيّة بتمامها ، فالمتعيّن على الحاكم في هذا الفرع ضمّ من يساعده إليه ، ولا يجوز له العزل ونصب آخر مقامه ; لعدم تحقّق الخيانة منه ، كما هو المفروض .
الثالث : ما لو عجز الوصيّ عن التدبير والعمل مطلقاً ولا يرجى زوال عذره ، كالهرم الخرف الذي يكون مرور الزمان موجباً لزيادة نقصه على القاعدة ، والظاهر من المتن أنّه لا حاجة في هذه الصورة إلى عزل الحاكم ، بل ينعزل بنفسه ; لفقدان ما هو المعتبر في صحّة جعله وصيّاً ، بل اللازم على الحاكم نصب شخص آخر مكانه ; لفرض وحدة الوصيّ كما هو ظاهر .
- (1) سورة البقرة : 2 /181 .
(الصفحة 189)وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء1 .
مسألة : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف2 .
مسألة : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره ، وأمّا لو أطلق; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً ، إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف يدلّ على المراد فيتّبع ، كما في عرف بعض الطوائف ، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون ، واستيفاء ما له على الناس ، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها ، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم ; من استئجار العبادات ، وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها . نعم ، في
1 ـ لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته لأيّة جهة كان ولو عمداً ، وظهرت عليه أمارات الموت ، أو مع عدم ظهورها أيضاً ، وفرض عدم إرادة العمل بالوصيّة بنفسه وبالمباشرة ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزها بعد موته ، كما أنّه ليس له ذلك في حال حياته إلاّ في بعض الاُمور التي يتعارف التوكيل فيها ; لأنّ حقّ الوصاية بيد الموصي وباختياره ، إلاّ إذا أذن له في الإيصاء إلى الغير ، فتجوز له .
2 ـ لا شبهة في أنّ الوصيّ كالوكيل أمين ، وهو غير ضامن إلاّ في صورة التعدّي أو التفريط . نعم ، يتحقّق الموجب للضمان هنا بنفس مخالفة الوصيّة ، فيصير الوصيّ ضامناً مع فرض التلف ، كما لو أوصى بإطعام عشرة مساكين في كلّ سنة مثلاً ، فأطعم من مال الموصي أزيد من ذلك ، فإنّه ضامن للزيادة .
(الصفحة 190)شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم ، وبالجملة : المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار1 .
مسألة : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على
1 ـ لا يجوز للوصيّ التصرّف المغاير للكيفيّة المأخوذة في الوصيّة ; سواء كانت راجعة إلى عمل خاصّ ، أو قدر مخصوص ، أو كيفيّة معيّنة ، وإلاّ فتشمله آية التبديل المشار إليها آنفاً .
وأمّا لو أطلق الموصي الوصيّة; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فقد استقرب في المتن وقوعه لغواً ; لخلوّه عن ذكر المتعلّق ، واستثنى ما إذا كان هناك عرف خاصّ دالّ على المراد فيتّبع ; لأنّه بمنزلة ذكر المتعلّق وقرينة عليه ، كما في عرف بعض الطوائف بالإضافة إلى الاُمور المذكورة في المتن ، والوجه فيه : أنّ العرف قرينة على تعيين المراد ، فاللازم اتّباعه لأصالة الظهور .
ثمّ إنّ في شمول الوصيّة المطلقة غير المأخوذة في متعلّقها شيء للأولاد الصغار والأطفال تأمّلاً وإشكالاً ، كما في المتن ; لاختلاف الوصاية والقيموميّة عنواناً . نعم ، حيث يمكن أن يكون في عرف الموصي دائرة الوصاية المطلقة شاملة للقيموميّة ، فالأحوط اللزومي بعد الرجوع إلى الحاكم تعيين الحاكم إيّاه بعنوان القيّم لو كان صالحاً له ، وعدم التعدّي عنه ، وبالجملة : فالمعيار هو العرف ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والموارد ، واختلاف الأعصار والأمصار ، كما لا يخفى .