(الصفحة 243)مسألة : إن كان الشرط فعلاً اختياريّاً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر ، وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فلله عليّ كذا» . وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر ، فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد1 .
مسألة : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان ، بل قولان : أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض
ترك التصدّق إلى الفقراء زجراً عنه ، كما أنّه لا ينعقد على فعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب ، كما هو ظاهر .
1 ـ الغرض من هذه المسألة ـ بعدما تقدّم من أنّ النذر على قسمين : نذر شكر ونذر زجر ـ بيان المائز بين القسمين ، وأنّه ليس إلاّ القصد ، ففي مثال واحد يمكن أن يكون نذر شكر ، ويمكن أن يكون نذر زجر ، أو مختلفاً بحسب الحالتين ، فينعقد في إحداهما دون الاُخرى ، أو في أحد الشخصين دون الآخر ، لكن تخصيص موضوع المسألة بما إذا كان الشرط فعلاً للناذر إنّما هو لأجل ما ذكرنا في المسألة السابقة من اعتبار أمرين في نذر زجر :
أحدهما : كون الشرط أمراً اختياريّاً للناذر ،
والثاني : أن يكون قصده الزجر عنه ، لكنّ التخصيص بالفعل وجهه غير ظاهر ; لجريانه في الترك أيضاً .
(الصفحة 244)نوافله الراتبة ـ كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاًـ في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام ، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ ، فالظاهر عدم انعقاده ، هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح ، مثل كونه أفرغ للعبادة ، أو أبعد عن الرياء ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد1 .
1 ـ لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء ، وظاهره عدم الفرق بين الأزمنة التي تكره بعض هذه العبادات فيها ، كالنافلة بعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس ، وصوم يوم عاشوراء ، وغيرها ; لما تقرّر في محلّه من أنّ معنى كراهة العبادة في بعض الأزمنة أقلّية الثواب ، لا مرجوحيّة الفعل بالإضافة إلى الترك المطلق ، وبين غيرها .
وأمّا المكان فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل; كالصلاة في مسجد المحلّة ، حيث إنّ الصلاة في مسجد السوق أو المسجد الجامع أفضل ، والوجه فيه ثبوت الرجحان في المكان المنذور بالإضافة إلى الترك فيه ، وبين ما إذا لم يكن فيه رجحان كالبراري مثلاً ، وذكر أنّ في انعقاده وتعيّنه وجهين ، بل قولين : أقواهما الانعقاد ، والوجه فيه أنّ النذر إنّما تعلّق بأصل إيجاد العبادات المذكورة في مكان خاصّ ، وعدم الرجحان في ذلك المكان لا يوجب أن يكون المنذور خارجاً عن الطاعة وعن عنوان العبادية .
نعم ، لو تعلّق النذر بخصوصيّة الإيقاع في ذلك المكان الذي لا رجحان فيه ، كما إذا كان المنذور بعض الفرائض أو النوافل التي يأتي بها على القاعدة ولو في غير ذلك المكان ، فالظاهر حينئذ عدم الانعقاد إلاّ مع طروّ عنوان راجح على ذلك المكان وإن لم يكن في نفسه راجحاً ، كما في المثالين المذكورين في المتن ، فلا إشكال حينئذ في الانعقاد .
(الصفحة 245)مسألة : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزئ إلاّ الإتيان بركعتين ، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ يكفي كلّ ما هو كذلك ولو بتسبيحة واحدة ، أو الصلاة على النبيّ وآله صلوات الله عليهم ، أو التصدّق بشيء إلى غير ذلك1 .
مسألة : لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً ، فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن ، وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة ، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية إثني عشر شهراً ولو متفرّقاً ، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي ـ ظاهراًـ صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً ، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ،
1 ـ لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم واحد، لتحقّق الطبيعة غير المقيّدة بالوحدة والتعدّد به ، كما في سائر الطبائع المأمور بها ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فقد نفى البُعد عن إجزاء ركعة واحدة بعنوان الوتر ، وإن كان قصده غير الرواتب فلابدّ من الإتيان بركعتين ; لعدم فرد للطبيعة غيرهما في صورة عدم إرادة الوتر .
ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الإسم ولو بشقّ تمرة ، أو كفّ من حنطة أو مثلهما .
ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ كفى كلّ ما هو كذلك ولو كان في غاية القلّة ، كتسبيحة واحدة; أي قول «سبحان الله» فقط ، أو الصلاة على النبيّ والآل ولو مرّة ، أو الصدقة ولو كانت قليلة ، كما لا يخفى .
(الصفحة 246)وله أن يأتي بالشهر ملفّقاً ، فيشرع في أثناء شهر ويكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل . نعم ، لو أتى به متفرّقاً لا يجوز الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص1 .
مسألة : لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان ، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام; من مرض ، أو حيض ، أو نفاس ، أو سفر ، لكن يجب القضاء على الأقوى2 .
1 ـ لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً ، فإن قيّده بالتتابع تعيّن ، وكذا إن قيّده بالتفريق فكذلك ، ومع عدم التقييد بشيء منهما يكون مخيّراً ، ولو نذر صيام سنة يكون الظاهر مع الإطلاق كفاية إثني عشر شهراً ولو متفرّقاً من حيث الأيّام والشهور ، وكذا لو نذر صيام شهر ، والظاهر أيضاً أنّ المراد بالشهر هو القمري لا الشمسي ، كما أنّ المراد بالسنة أيضاً ذلك إلاّ مع التصريح بالخلاف فيهما ، ويجوز في نذر صوم الشهر أن يأتي بالشهر ملفّقاً ; بأن يشرع في أثناء الشهر ويكمل من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأوّل ولو كان أقلّ من ثلاثين .
نعم ، مع الإتيان به متفرّقاً ـ كأن يأتي في كلّ شهر بأربع أو خمس ـ لايجوز الاكتفاء بالشهر الناقص وإن كان يكفي في صورة الصيام فيه تماماً أو ملفّقاً ، كما عرفت .
2 ـ لو نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان : عيد الفطر ، وعيد الأضحى ; لحرمة الصيام فيهما ، ولا ينعقد النذر بالنسبة إليه ، فيجب عليه الإفطار فيهما ولا قضاء عليه ; لما عرفت من عدم انعقاد النذر بالإضافة إليهما ، مع العلم بأنّ السنة لا تخلو منهما ، ففي الحقيقة نذر صيام سنة معيّنة ينحلّ إلى نذر صيام أيّامها ، ولا يكاد
(الصفحة 247)مسألة : لو نذر صوم كلّ خميس مثلاً فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار; من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ، أفطر ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر ، وعلى الأحوط
يمكن انعقاده بالإضافة إليهما ، وكذا يفطر في الأيّام التي عرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر ; لجواز الإفطار ، بل حرمة الصيام مع أحد هذه الاُمور في شهر رمضان ، لكن الدليل على القضاء هنا هو كونه مقتضى القاعدة في جميع الموارد .
إلاّ أن يقال بأنّ مقتضى ما ذكر في العيدين من عدم وجوب القضاء عدم الوجوب بالنسبة إلى الحيض والنفاس اللذين يعلم باتّفاقهما نوعاً . نعم ، بالإضافة إلى السفر والمرض اللذين يمكن عدم اتّفاقهما بالمرّة ينعقد النذر بالنسبة إليهما ، فيجب القضاء ، فالظاهر وجوب القضاء مطلقاً .
هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل : موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن عبدالله بن ميمون ، عن عبدالله بن جندب قال : سأل عبّاد بن ميمون وأنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً وأراد الخروج إلى مكّة ، فقال عبدالله بن جندب : سمعت من رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً ، فحضرته نيّة في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام)؟ قال : يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك(1) . وبعض الروايات الاُخر .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء .
- (1) الكافي : 7 / 457 ح16 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1139 ، وعنهما الوسائل : 23/313 ، كتاب النذر والعهد ب13 ح1 .