(الصفحة 30)مسألة : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان : أظهرهما الأوّل ، وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه1 .
عليه المنفعة . وأمّا التصرّفات الناقلة فإنّها غير جائزة ، ضرورة استلزامها لجواز المنقول إليه استيفاء المنفعة ، وهو لا يجتمع مع الحبس الموجب للجواز .
ويمكن أن يقال بأنّ الحبس لا يزيد على الإجارة ، فإذا آجر المالك ملكه خمسين سنة تصحّ الإجارة ويجوز للمؤجر التصرّفات الناقلة ، خصوصاً مع علم المنقول إليه بذلك ، فالجمع بين التصرّف الناقل للعين ، وبين عدم جواز استيفاء المنقول إليه من المنفعة ممكن . نعم ، قد عرفت أنّ في المؤبّد يوجب الخروج عن الملكيّة وإن لم يكن الوقف بنفسه مستلزماً لذلك ، وسيأتي في مسائل الحبس إن شاء الله تعالى أنّه لو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات ، مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة ، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ولا يعود إلى المالك أو وارثه(1) ، فالبقاء على ملك الحابس مطلقاً ممنوع ، فانتظر .
1 ـ لو فرض انقراض الموقوف عليه في الوقف المنقطع الآخر والرجوع إلى ورثة الواقف مع عدمه ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت ، أو حين الانقراض؟ في المسألة قولان ، استظهر في المتن الأوّل ، ولعلّ الوجه فيه عدم استلزام الوقف
- (1) في ص113 ـ 114 مسألة 1 .
(الصفحة 31)مسألة : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه ، دون غيره1 .
للخروج عن الملك إلاّ في الوقف المؤبّد ، وفي المقام لم يخرج عن ملك الواقف ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون تحت اختيار الموقوف لاستفادة المنفعة ، فإذا فرض انقراضهم فلا محالة ترجع إلى الوارث حال الموت ، كما إذا آجر العين ثمّ مات المؤجر في أثناء مدّة الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة ترجع إلى الوارث حال الموت لا انقضاء مدّة الإجارة .
وتظهر الثمرة كما في المتن فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ، ثمّ انقرض ، فعلى ما استظهره في المتن يشارك الولد ابن أخيه ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه يرجع عليه إلى الولد الباقي ، كما لا يخفى .
1 ـ ليس الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته منحصراً بما إذا انقرض الموقوف عليه ، بل من مصاديقه ما إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الاُولى ممّن يصحّ الوقف عليه ، وفي الطبقة الثانية ممّن لا يصحّ الوقف عليه ، فإنّ عدم الصحّة بمنزلة الانقراض ، كالمثال المذكور في المتن من الوقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على البيع والكنائس ، فإنّه كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يصحّ الوقف على مثلهما ، وعدم الصحّة بمنزلة الانقراض الذي يلازم كون الوقف منقطع الآخر ، فتدبّر .
(الصفحة 32)مسألة : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ . وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني1 .
1 ـ قد فصّل في المتن في الوقف المنقطع الأوّل بين ما كان الانقطاع مستنداً إلى جعل الواقف ، كما إذا وقفه قبل مجيء الشهر الكذائي بأنّه إذا جاء رأس ذلك الشهر فهو وقف ، وبين ما كان الانقطاع مستنداً بحكم الشرع ; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ممّن يصحّ ، فاحتاط البطلان في الفرض الأوّل ، كما أنّه احتاط ونهى عن ترك هذا الاحتياط بالإضافة إلى تجديد الصيغة ، واستظهر الصحّة بالنسبة إلى خصوص من يصحّ في الفرض الثاني .
والوجه في التفصيل أنّه ربما لا يكاد أن يجتمع الوقف مع العلم باستناد الانقطاع إلى جعله ، كما في مثال الشهر المزبور ، فالأحوط عند إرادة الوقف تجديد الصيغة عند مجيء رأس الشهر المزبور ، وهذا بخلاف ما إذا كان بحكم الشرع ، فإنّ عدم الصحّة بالإضافة إلى الطبقة الاُولى التي لا يصحّ الوقف عليها شرعاً لا ينافي قصد الوقفيّة ، والتبعيض في مفاده ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ـ غير عزيز وإن احتاط استحباباً في الذيل بتجديده عند انقراض الأوّل .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الوقف المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في
(الصفحة 33)مسألة : لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، ويدخل في منقطع الآخر . وإذا مات الواقف ، فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً ، وإلاّ بقي على وقفيّته1 .
الوسط غير صالح للوقف عليه ، فاستظهر فيه الصحّة بالإضافة إلى الطرفين ، واحتاط بالتجديد عند انقراض الثاني الذي لا يصحّ الوقف عليه .
والوجه في الاستظهار المزبور أنّه لا مجال للإشكال فيه من جهة التبعيض ; لأنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ، لكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي بالنسبة إلى تجديد الصيغة بعد انقراض الموقوف عليه المتوسّط الذي لا يصحّ الوقف عليه ، كما لا يخفى .
1 ـ إذا وقف وشرط عوده إليه عند حاجته بنحو شرط النتيجة ، فالأكثر على صحّة الوقف والشرط(1) ، وحكي عن المرتضى دعوى الإجماع عليه(2) وجماعة على بطلانه من الأصل(3) ، ومنهم : ابن إدريس مع دعواه الإجماع عليه(4) وعن ثالث صحّته بنحو الحبس لا الوقف(5) .
وقد قوّى في المتن القول الأوّل ; لأنّه مضافاً إلى عموم
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(6) وإلى
- (1) مختلف الشيعة : 6 / 255 مسألة 27 ، رياض المسائل : 9 / 296 ـ 297 ، ملحقات العروة الوثقى : 2/202 .
- (2) الانتصار : 468 ـ 469 .
- (3) المبسوط : 2 / 81 وج3 / 300 ، المختصر النافع : 255 ، الوسيلة : 370 .
- (4) السرائر : 3 / 156 ـ 157 .
- (5) شرائع الإسلام : 2 / 217 ، قواعد الأحكام : 2 / 389 ، التنقيح الرائع : 2/305ـ 306 .
- (6) سورة المائدة : 5 / 1 .
(الصفحة 34)
قوله (عليه السلام) في الرواية المتقدّمة : «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله»(1) مرجع هذا الشرط إلى كونه وقفاً ما لم يحتجّ إليه ، فيدخل في منقطع الآخر ، وبعد عروض الحاجة يرجع إليه، ويصير ميراثاً، ولو فرض عدم عروض الحاجة يبقى على وقفيّته.
ويؤيّده ما حكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصّة «ينبع» من جعله وقفاً ما دام لم يحتج الحسن والحسين (عليهما السلام)(2) . ولا فرق بين حاجة نفسه وحاجة غيره .
لكنّه استدلّ على القول بالبطلان بخبر إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن الرجل يتصدّق ببعض ماله في حياته في كلّ وجه من وجوه الخير ، قال : إن احتجت إلى شيء من المال فأنا أحقّ به ، ترى ذلك له وقد جعله لله يكون له في حياته ، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثاً ، أو يمضي صدقة؟ قال : يرجع ميراثاً على أهله(3) .
وحكي عن المسالك أنّه نقله هكذا : إن احتجت إلى شيء من مالي أو من غلّته فإنّي أحقّ به ، أله ذلك وقد جعله لله ، وكيف يكون حاله إذا هلك الرجل أيرجع ميراثاً؟ إلى آخره(4) .
وبخبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضاً(5) ، مع أنّا ذكرنا مراراً عدم تعدّد الرواية في مثل هذه الموارد، ولكن من المحتمل قويّاً عدم بطلان الوقف بل صحّة الشرط، وكون
- (1) في ص26 .
- (2) الكافي: 7/49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 199 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح3.
- (3) التهذيب : 9 / 135 ح568 ، وعنه الوسائل : 19 / 177 ، كتاب الوقوف والصدقات ب3 ح3 .
- (4) مسالك الأفهام : 5 / 365 .
- (5) التهذيب : 9 / 146 ح607 .