(الصفحة 29)مسألة : الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف ، وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل ، بخلاف الحبس ، فإنّه باق معه على ملك الحابس ويورّث ، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلاّ التصرّفات الناقلة ، فإنّها لا تجوز ، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً ، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع1 .
الانقراض(1) ، والكلّ قابل للنقاش كما لا يخفى .
كما أنّه ربما يستدلّ على البطلان بأنّ الوقف مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول ، فلا يصحّ ، كما لو وقف على مجهول في الابتداء(2) . وظهر جوابه ممّا تقدّم .
وانقدح من جميع ما ذكرنا صحّته وقفاً وإن كان منقطع الآخر ، ولازم ما ذكر الرجوع إلى الواقف أو ورثته بعد الانقراض كما في المتن ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر الوجه في قوله فيه : «بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع» فتدبّر جيّداً .
1 ـ الظاهر أنّ استلزام الوقف المؤبّد لزوال ملك الواقف ليس لأجل الوقف ، بل لأجل التأبيد المأخوذ فيه ، فإنّ الأبديّة لا تجتمع مع بقاء الملكيّة ; لعدم ترتّب أثر من آثار الملكيّة على العين الموقوفة ، ومنه يظهر أنّ الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته بعنوان الوقفيّة لا يكون موجباً لزوال الملك أصلاً . وأمّا الحبس فالملك فيه باق على ملك الحابس ، ويجوز له مطلق التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المحبس
- (1، 2) مختلف الشيعة : 6 / 264 ـ 266 مسألة 37 .
(الصفحة 30)مسألة : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان : أظهرهما الأوّل ، وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه1 .
عليه المنفعة . وأمّا التصرّفات الناقلة فإنّها غير جائزة ، ضرورة استلزامها لجواز المنقول إليه استيفاء المنفعة ، وهو لا يجتمع مع الحبس الموجب للجواز .
ويمكن أن يقال بأنّ الحبس لا يزيد على الإجارة ، فإذا آجر المالك ملكه خمسين سنة تصحّ الإجارة ويجوز للمؤجر التصرّفات الناقلة ، خصوصاً مع علم المنقول إليه بذلك ، فالجمع بين التصرّف الناقل للعين ، وبين عدم جواز استيفاء المنقول إليه من المنفعة ممكن . نعم ، قد عرفت أنّ في المؤبّد يوجب الخروج عن الملكيّة وإن لم يكن الوقف بنفسه مستلزماً لذلك ، وسيأتي في مسائل الحبس إن شاء الله تعالى أنّه لو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات ، مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة ، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ولا يعود إلى المالك أو وارثه(1) ، فالبقاء على ملك الحابس مطلقاً ممنوع ، فانتظر .
1 ـ لو فرض انقراض الموقوف عليه في الوقف المنقطع الآخر والرجوع إلى ورثة الواقف مع عدمه ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت ، أو حين الانقراض؟ في المسألة قولان ، استظهر في المتن الأوّل ، ولعلّ الوجه فيه عدم استلزام الوقف
- (1) في ص113 ـ 114 مسألة 1 .
(الصفحة 31)مسألة : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه ، دون غيره1 .
للخروج عن الملك إلاّ في الوقف المؤبّد ، وفي المقام لم يخرج عن ملك الواقف ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون تحت اختيار الموقوف لاستفادة المنفعة ، فإذا فرض انقراضهم فلا محالة ترجع إلى الوارث حال الموت ، كما إذا آجر العين ثمّ مات المؤجر في أثناء مدّة الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة ترجع إلى الوارث حال الموت لا انقضاء مدّة الإجارة .
وتظهر الثمرة كما في المتن فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ، ثمّ انقرض ، فعلى ما استظهره في المتن يشارك الولد ابن أخيه ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه يرجع عليه إلى الولد الباقي ، كما لا يخفى .
1 ـ ليس الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته منحصراً بما إذا انقرض الموقوف عليه ، بل من مصاديقه ما إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الاُولى ممّن يصحّ الوقف عليه ، وفي الطبقة الثانية ممّن لا يصحّ الوقف عليه ، فإنّ عدم الصحّة بمنزلة الانقراض ، كالمثال المذكور في المتن من الوقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على البيع والكنائس ، فإنّه كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يصحّ الوقف على مثلهما ، وعدم الصحّة بمنزلة الانقراض الذي يلازم كون الوقف منقطع الآخر ، فتدبّر .
(الصفحة 32)مسألة : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ . وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني1 .
1 ـ قد فصّل في المتن في الوقف المنقطع الأوّل بين ما كان الانقطاع مستنداً إلى جعل الواقف ، كما إذا وقفه قبل مجيء الشهر الكذائي بأنّه إذا جاء رأس ذلك الشهر فهو وقف ، وبين ما كان الانقطاع مستنداً بحكم الشرع ; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ممّن يصحّ ، فاحتاط البطلان في الفرض الأوّل ، كما أنّه احتاط ونهى عن ترك هذا الاحتياط بالإضافة إلى تجديد الصيغة ، واستظهر الصحّة بالنسبة إلى خصوص من يصحّ في الفرض الثاني .
والوجه في التفصيل أنّه ربما لا يكاد أن يجتمع الوقف مع العلم باستناد الانقطاع إلى جعله ، كما في مثال الشهر المزبور ، فالأحوط عند إرادة الوقف تجديد الصيغة عند مجيء رأس الشهر المزبور ، وهذا بخلاف ما إذا كان بحكم الشرع ، فإنّ عدم الصحّة بالإضافة إلى الطبقة الاُولى التي لا يصحّ الوقف عليها شرعاً لا ينافي قصد الوقفيّة ، والتبعيض في مفاده ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ـ غير عزيز وإن احتاط استحباباً في الذيل بتجديده عند انقراض الأوّل .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الوقف المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في
(الصفحة 33)مسألة : لو وقف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند حاجته صحّ على الأقوى ، ومرجعه إلى كونه وقفاً ما دام لم يحتج إليه ، ويدخل في منقطع الآخر . وإذا مات الواقف ، فإن كان بعد طروّ الحاجة كان ميراثاً ، وإلاّ بقي على وقفيّته1 .
الوسط غير صالح للوقف عليه ، فاستظهر فيه الصحّة بالإضافة إلى الطرفين ، واحتاط بالتجديد عند انقراض الثاني الذي لا يصحّ الوقف عليه .
والوجه في الاستظهار المزبور أنّه لا مجال للإشكال فيه من جهة التبعيض ; لأنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ، لكن هذا لا ينافي الاحتياط الاستحبابي بالنسبة إلى تجديد الصيغة بعد انقراض الموقوف عليه المتوسّط الذي لا يصحّ الوقف عليه ، كما لا يخفى .
1 ـ إذا وقف وشرط عوده إليه عند حاجته بنحو شرط النتيجة ، فالأكثر على صحّة الوقف والشرط(1) ، وحكي عن المرتضى دعوى الإجماع عليه(2) وجماعة على بطلانه من الأصل(3) ، ومنهم : ابن إدريس مع دعواه الإجماع عليه(4) وعن ثالث صحّته بنحو الحبس لا الوقف(5) .
وقد قوّى في المتن القول الأوّل ; لأنّه مضافاً إلى عموم
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(6) وإلى
- (1) مختلف الشيعة : 6 / 255 مسألة 27 ، رياض المسائل : 9 / 296 ـ 297 ، ملحقات العروة الوثقى : 2/202 .
- (2) الانتصار : 468 ـ 469 .
- (3) المبسوط : 2 / 81 وج3 / 300 ، المختصر النافع : 255 ، الوسيلة : 370 .
- (4) السرائر : 3 / 156 ـ 157 .
- (5) شرائع الإسلام : 2 / 217 ، قواعد الأحكام : 2 / 389 ، التنقيح الرائع : 2/305ـ 306 .
- (6) سورة المائدة : 5 / 1 .