(الصفحة 15)مسألة : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها ، وكذا الوقف على العناوين الكلّية ، كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوهما ، وأمّا الوقف الخاصّ ـ كالوقف على الذرّية ـ فالأحوط اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، ويكفي قبول الموجودين ، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده ، وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم ، لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً ، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله1 .
لا تلزم المباشرة في إحداث البناء بلا إشكال ، وقد وقع الخلاف والإشكال في جريان الفضوليّة فيه ، وقد نفى البُعد عن جريانها ، ولكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلاف ذلك ، والظاهر أنّ الحكم يدور مدار أنّ صحّة الفضولي في مواردها كالبيع والنكاح ومثلهما ، هل تكون على وفق القاعدة ، كما هو الظاهر فتجري في المقام ; لعدم خصوصيّة مقتضية للمنع ، أو على خلاف القاعدة ، فيقتصر في مواردها على المتيقّن ، وهو غير المقام بشهادة الاختلاف؟ والوجه في الاحتياط المذكور واضح غير خفيّ .
1 ـ قد وقع الخلاف بينهم في اعتبار القبول في الوقف مطلقاً ، وعدم اعتباره كذلك ، والتفصيل بين الوقف الخاصّ وبين الوقف العامّ ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، وقد قوّى في المتن عدم الاعتبار مطلقاً ، واحتاط الاعتبار كذلك ، والظاهر أنّه لا دليل على اعتبار القبول في الوقف وكونه من العقود المفتقرة إلى إيجاب وقبول ، خصوصاً في الوقف على الجهات والمصالح العامّة ، والوقف على العناوين
(الصفحة 16)مسألة : الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ وإن
الكلّية كالفقراء والفقهاء مثلاً .
ودعوى أنّه من المعلوم أنّه لا تدخل العين أو المنفعة في ملك الغير بسبب اختياري ابتداءً من غير قبول ، يدفعها أنّ كون السبب اختياريّاً محتاجاً إلى القبول أوّل الكلام ، فلِمَ لا يكون غير اختياري كالإرث؟ مع أنّه من الواضح عدم اعتبار الطبقة اللاحقة في الوقف الخاصّ الذين يوجدون بعداً ، خصوصاً مع موت الواقف وعدم وجوده في ذلك الزمان ، مع أنّه لا فرق بينهم وبين الطبقة السابقة من هذه الجهة أصلاً .
مضافاً إلى خلوّ الأخبار المشتملة على أوقاف الأئمّة (عليهم السلام) عن ذكر القبول .
ومنها : ما اشتهر عن مولى الموحِّدين عليه أفضل صلوات المصلّين في قصّة «عين ينبع» من أنّها صدقة بتّة بتلاً في حجيج بيت الله ، وعابري سبيل الله ، لا تباع ولا توهب ولا تورث(1) .
هذا ، ولكن ذكر المحقّق الخراساني (قدس سره) أنّ الذي تقتضيه الاُصول اعتبار القبول ; لعدم نهوض أمارة معتبرة أو أصل مقبول على عدم اعتباره ، والأصل عدم حصول الأثر بلا قبول(2) . ثمّ إنّه على تقدير اعتبار القبول أو رعاية الاحتياط يكون المتصدّي له في الأوقاف العامّة هو الحاكم أو المنصوب من قبله ، وفي الوقف الخاصّ هو الموقوف عليهم ، وإن كانوا جميعاً صغاراً أو فيهم صغار يقوم بذلك وليّهم الشرعي ، كما في سائر الموارد .
- (1) الكافي : 7 / 54 ح9 ، التهذيب : 9 / 148 ح609 ، وعنهما الوسائل : 19 / 186 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح2 .
- (2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني ، أوّل كتاب الوقف .
(الصفحة 17)كان الأحوط اعتباره مطلقاً1 .
مسألة : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف ، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه ، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره . وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم .
1 ـ المشهور اشتراط القربة في صحّة الوقف ، ولكن قوّى في المتن تبعاً للسيّد في الملحقات وجماعة عدم الاشتراط(1) ; للإطلاقات ولصحّته من الكافر ، وإطلاق الصدقة عليه ـ مع أنّه يعتبر فيها قصد القربة ـ إنّما هو باعتبار الأفراد التي يقصد فيها القربة ، ولا يلزم أن يكون جميع أفراده كذلك ، بل ربما لا يلائم الاعتبار مع الوقف الخاصّ الذي يكون المقصود منه حبس العين الموقوفة لانتفاع جميع الطبقات بها ، كالوقف على الأولاد مثلاً ، وقد أيّد عدم الاعتبار بما في الأخبار من انتفاع الميّت بالولد الصالح(2) ، مع أنّه لم يقصد القربة نوعاً في طلبه ، بل كان المقصود لذّة النفس أو أصل حصول الأولاد .
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 186 مسألة 3 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 264 ، مسالك الأفهام : 5/350 و408ـ409 ، الروضة البهيّة : 3 / 164 ـ 165 ، مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
- (2) وسائل الشيعة : 19 / 171 ـ 175 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 .
(الصفحة 18)وكذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة ، وهل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان; بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلاً؟ لعلّ الأقوى ذلك فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها ، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار والحجّاج للركوب إلى زائر وحاجّ فركبها . نعم ، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين ، فإذا وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده ، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً1 .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الاُولى : في أصل اعتبار القبض في صحّة الوقف وعدمه ، وقد ادّعي أنّه لا خلاف في شرطيّته ، ويدلّ عليه صحيحة صفوان، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يقف الضيعة ، ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟ فقال : إن كان وقفها لولده ولغيرهم ثمّ جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا صغاراً وقد شرط ولايتها لهم حتّى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا كباراً لم يسلّمها إليهم ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها ; لأنّهم لا يحوزونها عنه وقد بلغوا(1) .
وما ورد عنه (عليه السلام) في جواب مسائل محمّد بن عثمان العمري من قوله (عليه السلام) : وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا ، وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكلّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه ، احتاج أو لم
- (1) الكافي : 7 / 37 ح36 ، الفقيه : 4 / 178 ح626 ، التهذيب : 9 / 134 ح566 ، الاستبصار : 4/102 ح392 ، وعنها الوسائل : 19 / 180 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح4 .
(الصفحة 19)
يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه ـ إلى أن قال : ـ وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم فيها ويعمّرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها ، ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا ، فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره(1) .
وما دلّ على أنّه لو مات الواقف قبل القبض يرجع الوقف ميراثاً(2) .
فلا ينبغي الإشكال في أصل الشرطيّة ، والظاهر أنّ مدخليّته في الصحّة إنّما هي على سبيل الإجازة بناءً على كونها ناقلة . ويدلّ عليه الوجه الأخير وإن كان لا دلالة للروايتين على ذلك ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب ذلك أيضاً .
الثانية : أنّه لابدّ أن يكون القبض بإذن الواقف كما هو المشهور(3) ، وعن صاحب الكفاية التوقّف(4) ; لعدم الدليل ، ويدلّ على المشهور ظهور الرواية المتقدّمة في ذلك ، حيث إنّه نسب التسليم فيها إلى صاحب الوقف ، ولكن في صحيحة محمّد بن مسلم، وخبر عبيد بن زرارة وقع التعبير بقوله (عليه السلام) : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث(5) ، وفي صحيحة صفوان المتقدّمة قوله (عليه السلام) : ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه . فإنّ ظاهره جواز المخاصمة مع الواقف للقبض ، ومقتضى أصالة عدم ترتّب الأثر هو اعتباره ، وكيف كان ، فالمسألة مشكلة .
- (1) كمال الدّين : 520 ح49 ، الاحتجاج : 2 / 558 رقم 351 ، وعنهما الوسائل : 19 / 182 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح8 .
- (2) مثل رواية عبيد بن زرارة ومحمّد بن مسلم الآتيتين .
- (3) الحدائق الناضرة: 22 / 147، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 182.
- (4) كفاية الأحكام : 140 .
- (5) الكافي : 7 / 31 ح7 ، التهذيب : 9 / 135 ح569 وص137 ح577 ، الاستبصار : 4 / 101 ح387 وص102 ح390، الفقيه: 4/182 ح639، وعنها الوسائل: 19/178، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح1 وص180 ح5.