(الصفحة 91)مشهد ، ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً ، ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلاّ بالقسمة جازت ، لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً . وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقاً1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع قد وقع التعرّض لها :
الأوّل : أنّه بعدما عرفت من أنّه يجوز وقف المشاع(1) أيضاً إذا اُريد إفراز حصّة الوقف المشاعة عن الملك الطلق لا إشكال في جواز هذا الإفراز وصحّة التقسيم بحيث صارت كلتا الحصّتين مفروزة ، غاية الأمر أنّ المتصدّي لذلك من ناحية مالك الطلق هي نفس المالك ، ومن ناحية الوقف هو المتولّي أو الموقوف عليه ; لعدم اختصاص أدلّة صحّة التقسيم بما إذا كان كلاهما طلقين .
الثاني : أنّه لا مانع من التقسيم فيما إذا تعدّد الواقف والموقوف عليه مع كون الوقف مشاعاً ، كما إذا كانت دار مشتركة بين زيد وعمرو ، فوقف كلّ منهما حصّته من الدار المشتركة على خصوص أولاد نفسه ، ففي هذه الصورة أيضاً يجوز الإفراز لينتفع كلّ من الموقوف عليهم بحصّته الخاصّة وسهمه المفروز ; لما ذكر في الفرع الأوّل .
الثالث : ما إذا اتّحد الواقف وتعدّد الوقف والموقوف عليه ، كما إذا وقف نصف
- (1) الخلاف : 3 / 542 مسألة 7 ، فقه القرآن للراوندي : 2 / 292 ، السرائر : 3 / 154 ، المؤتلف من المختلف : 1/674 مسألة 7 ، الجامع للشرائع : 373 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 431 ، إرشاد الأذهان : 2 / 401 ، تلخيص الخلاف : 2/217 ، الروضة البهيّة : 3 / 176 ، جواهر الكلام : 28 / 20 .
(الصفحة 92)مسألة : لو آجر الوقف البطن الأوّل وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة ، إلاّ أن يجيز البطن اللاحق فتصحّ على الأقوى . ولو آجره المتولّي ، فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف ، ولا تحتاج إلى إجازتهم1 .
داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على مشهد ، فإنّه بلحاظ تعدّد الموقوف عليه قد نفى في المتن البُعد من الجواز بحيث صارت حصّة المسجد مفروزة كحصّة المشهد في المثال المذكور ، والوجه فيه ما ذكرنا .
الرابع : لو كان الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه وإن اتّحد الوقف والواقف ، ضرورة عدم اختصاص الحقّ بخصوص البطون الموجودة ، بل لو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولم ينحسم إلاّ بالقسمة جازت القسمة ، لكنّها لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة إذا كانت القسمة حقيقيّة راجعة إلى قسمة العين ; لما ذكرنا .
نعم ، لا بأس بقسمة المنافع الجائزة غير المنافية لحقوق البطون اللاحقة ، وأمّا قسمة العين فمع تعلّق حقّ الجميع بها فلا تجوز أصلاً ، والمفروض ارتفاع التنازع والتخاصم بأصل القسمة ، وتوقّفه على قسمة العين أحياناً لا يجوّز ذلك ; لما ذكر ، كما لو فرض توقّف ارتفاع النزاع بالتخصيص ببعض الموجودين ، فإنّه لا يجوز ذلك .
1 ـ لو آجر العين الموقوفة فهنا صورتان قابلتان للبحث :
إحداهما : ما إذا كان المؤجر البطن الأوّل وعرض انقراضهم قبل انقضاء مدّة
(الصفحة 93)مسألة : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه دائماً ، أو إلى مدّة ، مستقلاًّ ومشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص ، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز جعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولٍّ يعيّن المتولّي بعده1 .
الإجارة، فالقاعدة تقتضي بطلان الإجارة بالإضافة إلى بقيّة المدّة; لعدم ملكيّة البطن المؤجر منفعة المدّة الباقية وإن كان الوقفوقف منفعة موجباًلحصول ملكيّتها، كما في المستأجر الذي آجر العين المستأجرة زائدة على مدّة إجارة نفسه ، غاية الأمر جريان الفضوليّة والصحّة على هذا القول بناءً على إجازة المالك الحقيقي في الفرضين.
ثانيتهما : إيجار المتولّي دون البطن الأوّل ، وانقراضهم قبل انقضاء مدّة الإجارة ، والمستفاد من المتن أنّ الملحوظ في هذه الإجارة الصادرة من المتولّي إن كان مصلحة الوقف فالإجارة نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ; لفرض تحقّقها من المتولّي ورعاية المصلحة ، كما أنّه إن كان الملحوظ مراعاة البطون اللاّحقة ومصلحتهم دون أصل الوقف تنفذ الإجارة ولا تحتاج إلى الإجازة . وأمّا لو فرض كون النظر في الإيجار إلى مصلحة بعض البطون دون أصل الوقف ، ودون جميع البطون فلا ، والوجه فيه كونها متعلّقة لحقّ الجميع . غاية الأمر بطناً بعد بطن ، وفي الحقيقة في الطول لا في العرض ، فلا يصحّ إلاّ في الصورتين الأوّلتين ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد نفى الإشكال والخلاف(1) في ذلك السيّد في الملحقات ، وقال : إنّ خلاف
- (1) مختلف الشيعة : 6 / 262 مسألة 34 ، المقتصر : 210 ، تبصرة المتعلّمين : 126 ، الجوهرة في نظم التبصرة : 140 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 ، التنقيح الرائع : 2 / 307 ـ 308 ، رياض المسائل : 9 / 306 ، الشرح الصغير : 2/241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .
(الصفحة 94)مسألة : إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده ، وأمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً إلاّ إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك ; بأن جعل التولية لشخص وشرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله1 .
ابن إدريس(1) غير محقّق(2) ، وهو موافق لقاعدة السلطنة المقتضية للجواز في جميع الفروض المذكورة . نعم ، فيما لو لم يعيّن الواقف متولّياً في ضمن صيغة الوقف ، فهل التولية له ، أو للموقوف عليهم ، أو للحاكم ، أو يفصّل بين الوقف الخاصّ فللموقوف عليهم ، وبين الوقف العامّ فللحاكم؟ وجوه ، بل أقوال .
1 ـ من البديهي أنّ ارتباط الواقف بالعين الموقوفة من جهة الخصوصيّات المأخوذة في الموقوف عليه ، ومن جهة جعل التولية لنفسه أو لغيره إنّما هو ما دام لم يتمّ صيغة الوقف ولم تتمّ بعد ، فله في حين الإيقاع وفي ضمن عقده إجراء الاُمور التي منها التولية المبحوث عنها في المقام ، وأمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف كغيره ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً .
واستثنى من ذلك في المتن ما إذا اشترط في ضمن عقد الوقف لنفسه ذلك ; بأن جعل التولية لشخص وشرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله; لعموم «المؤمنون عند شروطهم»(3)وكون الشرط في ضمن عقد لازم، فلامجال لتخيّل أنّ الشرط في ضمن
- (1) السرائر : 3 / 156 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 227 مسألة 1 .
- (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 159 ، تهذيب الأحكام : 7 / 371 ح1503 ، الاستبصار : 3 / 232 ح833 ، قضاء الحقوق للصوري : 18 ح5 ، عوالي اللئالي : 1 / 218 ح84 وص293 ح173 وج2 / 257 ح7 ، وعنها الوسائل : 21 / 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب20 ذ ح4 ، وبحار الأنوار : 49 / 162 وج75 / 96 ح18 وج77 / 167 ، ومستدرك الوسائل : 13 / 301 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب5 ح7 .
(الصفحة 95)مسألة : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً . نعم ، يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعلها ـ خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة ـ لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف ، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز ، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه ، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق1 .
غيره لا يجب أو لا يجوز الوفاء به ، وإن كان قد عرفت منّا أنّه لا فرق بين الشروط في ضمن العقود اللازمة، والشروط في ضمن العقود الجائزة من جهة الوجوب، أو جواز الوفاء به ما دام العقد الجائز باقياً بحاله غير منتف موضوعه ، فراجع .
1 ـ لا إشكال كما في المتن في عدم اشتراط العدالة في الواقف إذا جعل التولية لنفسه(1) وإن احتمله في محكيّ المسالك(2) ، ونقل فيه قولين في محكيّ الكفاية(3)والرياض(4) ، وأمّا لو جعل التولية لغيره فقد قوّى في المتن عدم الاعتبار أيضاً ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 229 مسألة 8 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 441 ، الشرح الصغير : 2 / 241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .
- (2) مسالك الأفهام : 5 / 325 .
- (3) كفاية الأحكام: 141.
- (4) رياض المسائل : 9 / 307 .