(الصفحة 257)إلى جهة خاصّة ، وإلاّ اقتصر عليها1 .
مسألة : لو عيّن شاة للصدقة ، أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ونحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل كالسمن ، وأمّا المنفصل فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل لا يخلو من وجه ، وأمّا النتاج الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه2 .
1 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : أن ينذر شيئاً لمشهد من المشاهد المشرّفة ، ففي المتن أنّه يجب صرفه في مصالحه ، كالاُمور المذكورة فيه ، ويشكل الأمر بالإضافة إلى زماننا هذا لو نذر شيئاً لمشهد من مشاهد العراق ، فإنّ صرف الناذر الشيء المنذور في مصرفه غير مقدور له ، والإلقاء في الضرائح المقدّسة ـ مع عدم العلم بالصرف المذكور بل مع العلم بعدمه ; لأنّ الحكومة تتسلّط عليه وتصرفه فيما تشاء ـ غير جائز ، فالظاهر أنّ الحكم في هذا الفرض أيضاً حكم الفرض الآتي .
الثاني : أن ينذر شيئاً لنفس الإمام المدفون في تلك المشاهد أو بعض أولاده ، والظاهر جواز صرفه في سُبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له ، ولا فرق في ذلك بين الصدقة على المساكين ، وإعانة الزائرين ـ خصوصاً إذا كانوا من الفقراء ـ وغيرهما من وجوه الخير ، كبناء المساجد والقناطر ونحو ذلك ، وإن كان الأحوط الأولى الاقتصار على الاُمور المذكورة في المتن إذا لم يكن قصد الناذر جهة خاصّة أو انصراف إليها ، وإلاّ يجب الاقتصار عليها .
2 ـ لو عيّن شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) ، أو لمشهد من المشاهد ، أو مسجد من المساجد أو نحو ذلك ، يتبعها نماؤها المتّصل بلا إشكال ، وأمّا النماء المنفصل فقد
(الصفحة 258)مسألة : لو نذر التصدّق بجميع ما يملكه لزم ، فإن شقّ عليه قوّم الجميع بقيمة عادلة على ذمّته ، وتصرّف في أمواله بما شاء وكيف شاء ، ثمّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ، ويحسب إلى أن يوفي التمام ، فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى ممّا تركه بعد موته1 .
نهى عن ترك الاحتياط في الحمل واللبن ، بل نفى خلوّه عن الوجه ، ومن الواضح أنّ المراد هو الحمل واللبن قبل الانفصال حين تعلّق النذر ، وإلاّ فلا إشكال في كونه لمالكه ، والسرّ في الأوّل هي التبعية العرفيّة ، فإنّ الحمل في بطن الشاة واللبن الموجود في ضرعها تابعان عرفاً لها ولا تفكيك بينهما وبين الشاة كذلك ، فتدبّر .
1 ـ الأصل في هذه المسألة رواية محمّد بن يحيى الخثعمي ـ وهو من ثقات ابن أبي عمير ـ قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر (عليه السلام) ، فسلّم عليه ثمّ جلس وبكى ، ثمّ قال له : جعلت فداك ، إنّي كنت أعطيت الله عهداً إن عافاني الله من شيء كنت أخافه على نفسي أن أتصدّق بجميع ما أملك ، وأنّ الله عافاني منه ، وقد حوّلت عيالي من منزلي إلى قبّة في خراب الأنصار ، وقد حملت كلّ ما أملك ، فأنا بائع داري وجميع ما أملك ، فأتصدّق به؟
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : انطلق وقوّم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة واعرف ذلك ، ثمّ اعمد إلى صحيفة بيضاء ، فاكتب فيها جملة ما قوّمت ، ثمّ انظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة وأوصه ، ومره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك وجميع ما تملك فيتصدّق به عنك ، ثمّ ارجع إلى منزلك وقم في مالك على ما كنت فيه ، فكلْ أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل ، ثمّ انظر كلّ شيء تصدّق به فيما تستقبل من صدقة ، أو صلة قرابة ، أو في وجوه البرّ ، فاكتب ذلك كلّه
(الصفحة 259)مسألة : لو عجز الناذر عن المنذور ـ في وقته إن كان موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ـ انحلّ نذره وسقط عنه ولا شيء عليه . نعم ، لو نذر صوماً فعجز عنه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على الأقوى ، والأحوط مدّان1 .
واحصه ، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه ، فمره أن يخرج إليك الصحيفة ، ثمّ اكتب فيها جملة ما تصدّقت وأخرجت من صدقة أو برّ في تلك السنة ، ثمّ افعل ذلك في كلّ سنة حتّى تفي لله بجميع ما نذرت فيه ، ويبقى لك منزلك ومالك إن شاء الله .
قال : فقال الرجل : فرّجت عنّي ياابن رسول الله جعلني الله فداك(1) .
والظاهر أنّ مورد الرواية كالمتن صورة المشقّة ، وإلاّ فاللازم الوفاء بالنذر في مفروض المسألة كما هو مقتضى القاعدة .
1 ـ قد مرّ(2) اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر وتحقّقه ، فاعلم أنّه مع طروّ العجز في وقت العمل إن كان النذر موقّتاً ، ومطلقاً إن كان مطلقاً ينحلّ النذر ويسقط عنه ولا شيء عليه ; لعدم تعمّد الحنث . نعم ، فيما إذا نذر صوماً فعجز عنه يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، كما في رواية محمّد بن منصور ، أنّه سأل موسى ابن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال : يتصدّق لكلّ يوم بمدّ من حنطة(3) .
- (1) الكافي : 7 / 458 ح23 ، تهذيب الأحكام : 8 / 307 ح1144 ، وعنهما الوسائل : 23 /314 ، كتاب النذر والعهد ب14 ح1 .
- (2) في ص239 ـ 240.
- (3) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .
(الصفحة 260)مسألة : النذر كاليمين في أنّه إذا تعلّق بإيجاد عمل; من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها ، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، ويتحقّق الحنث وتجب الكفّارة بتركه فيه ، فإن كان صوماً يجب قضاؤه على الأقوى ، وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط ، وأمّا غيرهما فالظاهر عدم وجوبه . وإن كان مطلقاً كان وقته العمر ، وجاز له التأخير إلى أن يظنّ بالوفاة فيتضيّق ، ويتحقّق الحنث بتركه مدّة الحياة . هذا إذا كان المنذور فعل شيء . وإن كان ترك شيء ، ففي الموقّت حنثه بإيجاده فيه ولو مرّة ، وفي المطلق بإيجاده مدّة حياته ولو مرّة ، ولو أتى به تحقّق الحنث وانحلّ النذر ، كما مرّ في اليمين1 .
والأحوط الأولى مدّان ، كما في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يجعل عليه صياماً في نذر فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) . فإنّ الرواية الاُولى قرينة على حمل هذه على الاستحباب ; لظهورها في عدم وجوب أكثر من مدّ .
1 ـ النذر المتعلّق بإيجاد عمل كالأمثلة المذكورة في المتن إن كان موقّتاً تعيّن ذلك الوقت ، ويتحقّق الحنث ووجوب الكفّارة بترك ذلك العمل المنذور في الوقت المعيّن له ، غاية الأمر أنّه قد فصّل في المتن بين أن يكون ذلك العمل صوماً ، فقد قوّى وجوب القضاء فيه ، وبين أن يكون صلاة فاحتاط وجوباً بالقضاء ، وبين غيرهما فاستظهر عدم الوجوب .
وأنا أقول : أمّا الدليل على وجوب القضاء في الصوم فهي رواية عبدالله بن
- (1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .
(الصفحة 261)
جندب المتقدّمة(1) ، قال : سأل عبّاد بن ميمون ـ وأنا حاضر ـ عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً وأراد الخروج إلى مكّة ، فقال عبدالله بن جندب : سمعت من رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً فحضرته نيّة في زيارة أبي عبدالله (عليه السلام)؟ قال : يخرج ولا يصوم في الطريق ، فإذا رجع قضى ذلك . هذا ولكن الظاهر ضعف الرواية بالإرسال .
نعم ، هنا صحيحة زرارة قال : إنّ اُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت لله في بعض ولدها في شيء كانت تخافه عليه ، أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها ، فخرجت معنا إلى مكّة ، فاُشكل علينا صيامها في السفر ، فلم ندر تصوم أو تفطر ، فسألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال : لا تصوم في السفر ، إنّ الله قد وضع عنها حقّه في السفر ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها ، فقلت له : فماذا إن قدمت إن تركت ذلك؟ قال : لا ، إنّي أخاف أن ترى في ولدها الذي نذرت فيه بعض ما تكره(2) .
والظاهر أنّ المراد من قوله : «تصوم» في ذيل الرواية هو قضاء الصوم .
وأمّا الاحتياط الوجوبي في قضاء الصلاة فلأجل أنّه لا دليل ظاهراً في خصوص الصلاة ، كما ورد في الصوم على ما عرفت ، ويمكن إلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى الصلاة بدعوى عدم اختصاص الدليل بالصوم ، مضافاً إلى دعوى إمكان الإطلاق في قوله : «إقض ما فات» وعدم الاختصاص بالصلوات اليوميّة .
وأمّا غير الصوم والصلاة فمع الترك في الموقّت كترك الصدقة في خصوص وقت نذرها فيه لا دليل على وجوب القضاء بوجه ، هذا بالنسبة إلى الموقّت .
- (1) في ص247.
- (2) الكافي : 7 / 459 ح24 ، وعنه الوسائل : 23 / 313 ، كتاب النّذر والعهد ب13 ح2 .