(الصفحة 151)مسألة : لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات1 .
1 ـ الوجه في ذلك أنّه لا دليل على كون الإغماء والجنون العارضين بعد الوصيّة في حال السلامة والخلوّ من الجنون موجبين لبطلانها ، ودعوى أنّ الوصيّة من العقود الجائزة وهي تبطل بالجنون العارض ما لم يدلّ دليل على عدمه ، مدفوعة بأنّ إثبات هذه الدعوى يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 152)
[ما يشترط في الموصى له ]
مسألة : يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت ، أو لما تحمله المرأة في المستقبل ، ولمن سيوجد من أولاد فلان ، وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح ، وانفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي1 .
1 ـ لا شبهة في اعتبار وجود الموصى له حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم ; لأنّه لا معنى لتمليكه وإن فرض وجوده حين الموت ، ضرورة أنّ أصل إنشاء التمليك بالنسبة إلى المعدوم غير صحيح ، كما في البيع بالإضافة إلى المشتري غير الموجود ، بل قد عرفت(1) أنّه في صورة موت الموصى له الموجود حال الوصيّة يتلقّى وارث الموصى له الملكيّة من الموصي وإن كان التقسيم إنّما هو على حسب الإرث كما مرّ(2) ، لا من الموصى له الميّت .
نعم ، في انتقال دية المقتول إلى ورثته في فرض عفو الورثة عن القصاص وقبول أخذ الدية مع موافقة القاتل يجري احتمال كون الدية منتقلاً من الميّت إلى الورثة ، لا ملكاً لهم ابتداءً ، ولكن هذه الملكية معتبرة مقدّمة للانتقال إلى الوارث في من ينعتق عليه كالأب ، مع أنّ الإنسان لا يصير مالكاً للأب حتّى يعتقه ، فالملكيّة المفروضة إنّما هي مقدّمة للانعتاق ، ولا مجال لتوهّم الاستمرار .
ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر صحّة الوصيّة للحمل بشرطين معتبرين في باب الإرث أيضاً :
(الصفحة 153)مسألة : تصحّ الوصيّة للذمّي ، وكذا للمرتدّ الملّي إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف ، وفي عدم صحّتها للحربي والمرتدّ الفطري تأمّل1 .
أحدهما : وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح .
ثانيهما : انفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت الوصيّة ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي ، كما أنّه لا يرث في هذه الصورة ويرث سهمه سائر الورّاث .
1 ـ تصحّ الوصيّة للذمّي والمرتدّ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر ، كالمصحف والعبد المسلم ، ويدلّ على صحّة الوصيّة للكافر في الجملة ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ روايات .
منها : رواية الريّان بن شبيب (الصلت خ ل) قال : أوصت ماردة (مارد ، مارية خل) لقوم نصارى فراشين بوصيّة ، فقال أصحابنا : أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك ، فسألت الرضا (عليه السلام) فقلت : إنّ اُختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى ، وأردت أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين؟ فقال : امض الوصيّة على ما أوصت به ، قال الله تعالى :
{ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(1) ،(2).
وفي المتن : «وفي عدم صحّتها للحربيّ والمرتدّ الفطري تأمّل» ولعلّ منشأ التأمّل من وجوب قتلهما وإعدامهما ، فلا معنى للوصيّة التمليكيّة بالإضافة إليهما ، ومن أنّ وجوب القتل لا ينافي التمليك بعد فرض إمكان اتّصافهما بالملكيّة ولو مع الارتداد الفطري والكفر الحربي ، ولعلّ الاحتمال الأوّل أقرب وإن كان لا يظهر من المتن ترجيح لأحد الاحتمالين ، بل لعلّ التعبير يشعر بترجيح الثاني ، فتأمّل .
- (1) سورة البقرة : 2 /181 .
- (2) الكافي : 7 / 16 ح2 ، التهذيب : 9 / 202 ح806 ، الاستبصار : 4 / 129 ح486 وعنها الوسائل : 19/343 ، كتاب الوصايا ب35 ح1 .
(الصفحة 154)
[ أحكام الوصيّة ]
مسألة : يشترط في الموصى به في الوصية التمليكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كحقّي التحجير والاختصاص ; من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعة ، وفي العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة ، أو يثمر الشجر في المستقبل1 .
مسألة : لابدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل ، والخنزير ، وآلات اللهو والقمار ، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها ، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللّهو ، وكذا منفعة القردة ونحوها2 .
1 ـ يعتبر في الموصى به في الوصيّة التملكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لصدق عنوان ترك الخير المعنون في الآية الشريفة(1)عليهما فقط ، ولا فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير ، أو منفعة يمكن تمليكها في الإجارة ونحوها ، كما أنّه لا فرق في العين بين أن تكون موجودة بالفعل أو ممّا ستوجد قطعاً أو اطمئناناً ، كحمل الدابّة أو ثمر الشجر في المستقبل ، كما أنّه لا فرق في الدين الذي يكون للموصي على ذمّة الغير بين أن يكون درهماً وديناراً ، أو يكون عروضاً ، كما إذا اشتراه سلماً وسلفاً ، فإنّه لا مانع من الإيصاء به إلى الغير .
2 ـ لابدّ في الموصى به أن يكون مالاً شرعاً ; بأن يكون ذات منفعة عقلائيّة
- (1) سورة البقرة: 2 / 180.
(الصفحة 155)مسألة : لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، وأمّا عن الغير; بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه ، فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة1 .
محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بالاُمور المذكورة في المتن المشتركة في عدم الاتّصاف بالماليّة الشرعيّة ، كما ظهر أنّه لو كان الموصى به نفس المنفعة فقط لابدّ وأن تكون محلّلة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو لحرمتها ، وكذا لا تصحّ الوصيّة بالقردة ومثلها ; لعدم ثبوت نفع عقلائيّ لها .
1 ـ للوصيّة بمال الغير صورتان :
الاُولى : ما إذا كان الإيصاء به عن نفسه ; بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه ، والوصيّة بهذه الصورة غير جائزة وإن أجاز المالك ; لأنّ الإجازة لا توجب صيرورته ملكاً للموصي ومعدوداً من جملة ما تركه ، كما لايخفى .
الثانية : ما إذا كان الإيصاء به عن الغير; بأن جعله للموصى له بعد وفاة ذلك الغير ، وقد نفى في المتن البُعد عن صحّتها ونفوذها بالإجازة ، ومنشؤه أنّ الفضولي ليس على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على الموارد المتيقّنة ، بل هو أمر على وفقها يجري في كلّ العقود ما لم يدلّ دليل على الخلاف .
نعم ، ربما يتوهّم أنّ عدم جريان الفضوليّة في الوصيّة إنّما هو لأجل عدم كونها من العقود بل من الإيقاعات ، كما تقدّم في المسألة الخامسة ، ولكن الجواب أنّ عدم جريان الفضوليّة في الإيقاعات أيضاً ليس على خلاف القاعدة ، بل يقتصر فيه على موارد دلّ الدليل على عدم الجريان فيها ، كالطلاق والعتق والإبراء ونحوها ، وعليه فلا يبعد أن يقال كما في المتن بالصحّة مع الإجازة اللاحقة في هذه الصورة .