(الصفحة 142)مسألة : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته1 .
مسألة : الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً ، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ، ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ، ولا تنفذ فيه وصاياه2 .
فيما ردّه على الأقوى ، من دون فرق بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ ، لفرض تحقّق كليهما . غاية الأمر بالنسبة إلى الأبعاض ، واستثنى فيه صورة ما إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع ، كما إذا أوصى له بخاتم أو مثله ، ففي هذه الصورة يكون التبعيض مبطلاً ، من دون فرق أيضاً بين شرطيّة القبول أو مانعيّة الردّ ; لما عرفت من تحقّق كلا الأمرين ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من الردّ المتّصف بالمانعيّة إجماعاً هو ردّ المجموع لا البعض ، وحينئذ لا يؤثّر ردّ البعض أصلاً ، بل الوصيّة نافذة بالإضافة إلى المجموع وإن لم يتحقّق القبول بالنسبة إليه ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لو تحقّق موت الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول ; لأنّ حقّ ذلك ينتقل إلى ورثته ; لأنّه من جملة ما تركه ، فلو فرض عدم رجوع الموصي عن وصيّته يملك ورثة الموصى له الموصى به بقبولهم كمورّثهم .
2 ـ هل وارث الموصى له يتلقّى المال ابتداءً من الموصى له بعد انتقال المال إليه أوّلاً والقسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث ، أو أنّه يتلقّى المال
(الصفحة 143)مسألة : إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم صحّت الوصية فيمن قبل ، وبطلت فيمن ردّ بالنسبة1 .
من الموصي من دون واسطة؟
وتظهر الثمرة في ديون الموصى له ونفوذ وصاياه ، فعلى الأوّل تخرج من مال الموصى له ; لتقدّمها على الإرث دون الثاني ; لعدم ارتباط الوصيّة بالموصى له حينئذ ، قد استظهر في المتن الثاني ، والوجه فيه أنّه لم ينتقل إلى الموصى له بعد فوته في حياة الموصي قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، والذي انتقل إلى الورثة إنّما هو مجرّد حقّ القبول ، فاللازم الالتزام بأنّ ورثة الموصى له يتلقّون المال من الموصي ابتداءً في صورة القبول وعدم رجوع الموصي عن وصيّته ، ويترتّب عليه ما ذكر .
1 ـ لو اختلف ورثة الموصى له في الردّ والقبول فتحقّق الأوّل من بعض والثاني من البعض الآخر ، فهو كما إذا قبل الموصى له البعض دون الآخر ، كما تقدّم في المسألة الثامنة ، وعليه فتصحّ الوصيّة في المقام فيمن قبل ، وتبطل فيمن ردّ بالنسبة ، كما في تلك المسألة بالنظر إلى الأبعاض ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 144)
[ما يعتبر في الموصي ]
مسألة : يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ . نعم ، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف ، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات ، وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدواريّاً في دور جنونه ، ولا السكران ، ولا المكره ، ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه1 .
1 ـ يدلّ على صحّة وصيّة البالغ عشراً في الجملة روايات :
منها : موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته(1) .
ومنها : موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق ، أو تصدّق ، أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز(2) .
ومنها : موثّقة أبي بصير وأبي أيّوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الغلام ابن عشر سنين يوصي ، قال : إذا أصاب موضع الوصيّة جازت(3) .
ومنها : موثّقة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته(4) .
- (1) الكافي : 7 / 28 ح3 ، الفقيه : 4 / 145 ح501 ، وعنهما الوسائل : 19 / 362 ، كتاب الوصايا ب44 ح3 .
- (2) الكافي : 7 / 28 ح1 ، الفقيه : 4 / 145 ح502 ، التهذيب : 9 / 181 ح729 ، وعنها الوسائل : 19 /362 ، كتاب الوصايا ب44 ح4 .
- (3) التهذيب : 9 / 181 ح727 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح6 .
- (4) التهذيب : 9 / 182 ح730 ، وعنه الوسائل : 19 / 363 ، كتاب الوصايا ب44 ح7 .
(الصفحة 145)
ومنها : غير ذلك من الروايات المعتبرة التي ادّعي استفاضتها الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايتان :
إحداهما : ما دلّ على أنّ المناط في صحّة وصيّة الصبيّ هو العقل لا البلوغ عشر سنين ; وهي موثّقة جميل بن درّاج ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيّته وإن لم يحتلم(1) .
ثانيتهما: ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ وصحّتها إذا بلغ ثمان سنوات ; وهي رواية الحسن بن راشد ، عن العسكري (عليه السلام) قال : إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك(2) .
ويمكن الجواب عن الرواية الاُولى ـ مضافاً إلى أنّ اعتبار العقل في صحّة الوصية ثابت بالإضافة إلى البالغ أيضاً ، فلا مجال للحكم بصحّة وصيّته، خصوص غير البالغ إذا كان عاقلاً ـ بأنّ الرواية تدلّ على صحّة طلاقه وصدقته أيضاً مع عدم الاحتلام ، فلا يجوز الأخذ بها ، خصوصاً بملاحظة ما مرّ في كتاب الحجر(3) من السنّ المعتبر علامة للبلوغ . نعم ، لابدّ من حمل إطلاق الغلام على البالغ عشراً ، نظراً إلى تلك الروايات المتقدّمة .
وأمّا رواية الحسن بن راشد ـ فمضافاً إلى المناقشة في سندها ، وفي دلالتها على جواز أمره مطلقاً إذا بلغ ثماني سنين لا خصوص وصيّته ـ تكون الشهرة المحقّقة(4)
- (1) التهذيب : 9 / 182 ح733 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح2 .
- (2) التهذيب : 9 / 183 ح736 ، وعنه الوسائل : 19 / 212 ، كتاب الوقوف والصدقات ب15 ح4 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في الصغر، مسألة: 3.
- (4) شرائع الإسلام: 2 / 244، رياض المسائل: 9 / 439 ـ 440، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 2 /465، كفاية الأحكام: 145، جواهر الكلام: 28 / 271.
(الصفحة 146)
التي هي أوّل المرجّحات وفي صدرها على خلافها ، حيث إنّه لم يقل بها إلاّ ابن الجنيد(1) .
نعم ، هنا رواية تخالف جميع الروايات المتقدّمة ; وهي صحيحة أبي بصير المرادي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين ، وأوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقٍّ جازت وصيّته(2). هذا ، والظاهر الإجماع(3) على خلاف هذه الرواية المفصّلة بالكيفيّة المذكورة فيها .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاقات الروايات المتقدّمة أنّه لا فرق بين ذوي الأرحام والغرباء ، كما ذهب إليه المشهور(4) ، لكن هنا صحيحة دالّة على التفصيل ; وهي ما رواه محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء(5) .
ولعلّه لذا استشكل بعض المحشّين على العروة وقال : إنّ صحّة وصيّته للغرباء محلّ إشكال(6) وإن صرّح في متن العروة بعدم الفرق ، وهو مقتضى قاعدة الإطلاق والتقييد والجمع الدلالي بينهما فيما لم يكن هناك إجماع على الخلاف .
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 348 .
- (2) الكافي : 7 / 29 ح4 ، الفقيه : 4 / 145 ح503 ، التهذيب : 9 / 182 ح732 وعنها الوسائل : 19/361 ، كتاب الوصايا ب44 ح2 .
- (3) مسالك الأفهام : 6 / 141 ، الحدائق الناضرة : 22 / 412 .
- (4) العروة الوثقى : 2 / 771 ، كتاب الوصيّة مسألة 3908 ، الأمر الأوّل .
- (5) الكافي : 7 / 28 ح2 ، الفقيه : 4 / 146 ح504 ، التهذيب : 9 / 181 ح728 ، وعنها الوسائل : 19/360 ، كتاب الوصايا ب44 ح1 .
- (6) التعليقة على العروة الوثقى للسيّد الخوئي : 310 .