(الصفحة 82)الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا ينحسم ذلك إلاّ ببيعه ، فيباع ويقسّم ثمنه بينهم . نعم ، لو فرض أنّه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى ، أو تبديل العين الموقوفة بالاُخرى تعيّن ذلك ، فتشترى بالثمن عين اُخرى أو يبدّل بآخر ، فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون ، والمتولّي للبيع في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين اُخرى هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولٍّ منصوب من قبل الواقف1 .
1 ـ الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي مثلها كالأوقاف على العناوين العامّة لا الجهات لا يجوز التصرّف الناقل ـ كالبيع والصلح والهبة ـ ونحوها فيها كالجهات العامّة . نعم ، قد يعرض في الأوّلين بعض العوارض المجوّزة لذلك ، وأمّا في الثالثة فلا معنى للنقل فيها أصلاً ، وأمّا تلك العوارض فهي عبارة عن أحد اُمور أربعة :
الأوّل : ما إذا خربت العين الموقوفة بحيث لا يمكن إعادتها إلى الحالة الاُولى، ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها والانتفاع بثمنها ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإنّها تباع في هذه الحالة ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ; لأنّ الأمر يدور بين إبقائها إلى أن يتلف بنفسها ، وبين إتلاف البطن الموجود إيّاها ، وبين تبديلها بما يبقى مراعاةً لحقّ البطون ، ومن المعلوم أولويّة الأخير ، والأحوط بل الأقوى حفظاً لغرض الواقف ورعايةً لنظره مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة ، فيشترى بثمن البستان المخروبة بستان أصغر وأقلّ منه قابل للانتفاع .
الثاني : أن يسقط عن الانتفاع المعتدّ به بسبب الخراب أو غيره على وجه لا
(الصفحة 83)
يرجى عوده ويحكم في العرف أنّه خرج عن الانتفاع ، كما إذا انهدمت الدار وصارت عرصة يمكن إجارتها بمقدار جزئيّ يكون بحكم العدم بنظر العرف .
وقد استظهر من المشهور عدم الجواز في هذه الصورة(1) ، حيث علّقوا الجواز على عدم إمكان الانتفاع به ، إلاّ أن يقال بأنّ مقصودهم عدم إمكان الانتفاع المعتدّ به ، وأمّا إذا قلّت منفعته لا إلى حدّ يلحق بالعدم عند العرف ، فلا دليل على الجواز .
وما اشتهر من التبديل بالأحسن(2) فالظاهر أنّه لا يسوّغ البيع بنفس هذا العنوان ، ومن الواضح أنّه في صورة البيع والاشتراء بثمنه ما يعادله إذا كان نفعه مثل الأوّل أو أقلّ منه لا يجوز قطعاً .
نعم ، حكي عن المفيد جواز البيع في هذه الصورة التي يكون بيعه وشراء عين اُخرى عوضه أعود وأنفع للموقوف عليهم(3) .
لكن التحقيق عدم الجواز ، وفاقاً للأكثر(4) ; لعدم الدليل على الجواز إلاّ خبر جعفر بن حنان (حيّان خ ل) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث إنّ في آخره قال الراوي : قلت : فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج
- (1) الحدائق الناضرة : 22 / 256 ، الانتصار : 468 ـ 470 ، جامع المقاصد : 4 / 97 ، مسالك الأفهام : 3/170 وج5/400 ، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 4 / 71 و 78 .
- (2) المهذب : 2 / 92 ، النهاية : 600 ، المراسم العلويّة : 200 ، نزهة الناظر لابن سعيد : 74 ، تذكرة الفقهاء : 10/41 .
- (3) اُنظر المقنعة : 652 ، وحكى عنه الشهيد في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد : 2 /24 .
- (4) مختلف الشيعة : 6 / 257 مسألة 29 ، إيضاح الفوائد : 2 / 392 ، الحدائق الناضرة : 18/446ـ 447 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 255 ، السرائر : 3 / 153 ، شرائع الإسلام : 2 / 220 ، كشف الرموز : 2 /54 ، قواعد الأحكام : 2/395 ، التنقيح الرائع : 2 / 330 ، مهذّب البارع : 3 / 64 ، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : 2/383 ـ 385 ، الروضة البهيّة : 3 / 255 .
(الصفحة 84)
من الغلّة؟ قال : نعم إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم باعوا(1) .
وخبر الحميري : أنّه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) : ـ جعلني الله فداك ـ روي عن الصادق (عليه السلام) [في بيع الوقف](2) خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه؟ فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلّهم على ذلك ؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب (عليه السلام) : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين ، إن شاء الله(3) .
وقد أفاد السيّد في الملحقات بعد نقل الخبرين: أنّ العمل بهما مع مخالفة الأكثر ، بل عدم القائل إلاّ المفيد (قدس سره) مشكل ، مع أنّ الظاهر من الأوّل كفاية عدم كفاية الغلّة ، ومن الثاني الجواز مع رضاهم مطلقاً ، ولم يقل بهما أحد ، وأيضاً ظاهرهما جواز البيع من دون أن يشترى بعوضه ، وهذا مناف لحقّ البطون ، فاللازم الإعراض عنهما مع ضعفهما وعدم الجابر ، أو حملهما على الوصية ونحوها(4) .
الثالث : ما إذا اشترط الواقف في وقفه عند حدوث أمر مثل الاُمور المذكورة في المتن ، فقد قوّى في المتن أنّه لا مانع من البيع أو مثله عند حدوث ذلك الأمر .
- (1) الكافي : 7 / 35 ح29 ، الفقيه : 4 / 179 ح630 ، التهذيب : 9 / 133 ح565 ، الاستبصار : 4 /99 ح382 ، وعنها الوسائل : 19 / 190 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح8 .
- (2) من الاحتجاج .
- (3) الاحتجاج : 2 / 584 ، وعنه وسائل الشيعة : 19 / 191 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح9 ، وبحار الأنوار : 53/166 .
- (4) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 256 .
(الصفحة 85)
والأصل في ذلك ما في الصحيح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كيفيّة وقف ماله في عين «ينبع» وفيه : فإن أراد ـ يعني الحسن (عليه السلام)ـ أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء ولا حرج عليه فيه ، وإن شاء جعله سرى الملك ، وإنّ ولد عليّ (عليه السلام)ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) ، وإن كانت دار الحسن بن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه ، وإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثاً في سبيل الله ، وثلثاً في بني هاشم وبني المطّلب ، ويجعل الثلث في آل أبي طالب، إلى آخره(1) .
الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى بدل العين الموقوفة أو تبديلها بها ، فيجوز بيعها حينئذ وتقسيم ثمنها بينهم .
وربما يستدلّ على ذلك بخبر عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ـ : إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها ، أو يدعها موقفة ، فكتب إليّ : أعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وإنّ ذلك رأيي إن شاء الله ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له . قال : وكتبت إليه : إنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافاً شديداً ، وأنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته؟
- (1) الكافي: 7/49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 199 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح3.
(الصفحة 86)
فكتب بخطّه إليّ : وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس(1) .
وقد اُورد على الاستدلال بهما بإيرادات :
منها : احتمال كون المراد تلف مال الوقف ونفوس الموقوف عليهم ، لا مطلق الأموال ومطلق النفوس .
ومنها: عدم ظهورهما في الوقف المؤبّد الذي هو محلّ البحث ; لعدم ذكر الأعقاب.
ومنها: احتمال أن يكون مورد السؤال قبل تماميّة الوقف; لعدم الإقباض ، ويؤيّده كون البائع هو الواقف ، ولو كان بعد تماميّته كان الأمر إلى الناظر أو الموقوف عليه .
ومنها : أنّ الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين ، مع أنّه مناف لحقّ البطون ولقول المجوّزين .
وبالجملة : فالاستدلال لهذا الأمر للجواز في مقابل أدلّة المنع مشكل .
قلت : هذه الإيرادات وإن كانت قابلة للنقاش بل الجواب ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ ملاحظة نفس عنوان الموضوع تكفي في الحكم بالجواز ; لأنّ في دوران الأمر بين جواز بيع الوقف ، وبين تحقّق تلف الأموال والأنفس بسبب الاختلاف نوعاً لا شكّ في أنّ الترجيح مع الأوّل ، ولا حاجة إلى ما يدلّ على الجواز .
ثمّ إنّ هاهنا بعض الاُمور الذي قيل بجواز بيع الوقف معه ، كزوال عنوان لاحظه الواقف في الوقفيّة ، كما إذا وقف بستاناً مع لحاظ البستانيّة في عنوان الوقف ، نظراً إلى أنّه إذا خرج عن هذا العنوان بطل كونه وقفاً ، وقد حكي عن المحقّق الشيخ
- (1) الكافي : 7 / 36 ح30 ، الفقيه : 4 / 178 ح628 ، التهذيب : 9 / 130 ح557 ، الاستبصار : 4 /98 ح381 ، وعنها الوسائل : 19 / 187 ـ 189 ، كتاب الوقوف والصدقات : ب6 ح5 و 6 .