(الصفحة 42)الموقوف عليهم1 .
مسألة : لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدّة لنزول المسافرين ونحوها . وأمّا الوقف على العناوين العامّة ـ كفقراء المحلّ مثلاً ـ إذا كان الواقف داخلاً في العنوان حين الوقف ، أو صار داخلاً فيه فيما بعد ، فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ، ويقصد خروجه عنه ، ومن ذلك ما لو وقف شيئاً على ذرّيّة أبيه أو جدّه إن كان المقصود البسط والتوزيع ، كما هو الشائع المتعارف فيه .
وإن كان المراد بيان المصرف ـ كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوّار والحجّاج ونحوهم ـ فلا إشكال في خروجه وعدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه ، وأمّا لو قصد الإطلاق والعموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع ، والأحوط خلافه ، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج ،
1 ـ لو آجر عيناً ثمّ وقفها صحّ الوقف وبقيت الإجارة على حالها ، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدّة الإجارة; لعدم منافاتها للوقف ; لأنّ الغرض منها تمليك المنافع في مدّة معيّنة ، والغرض من الوقف تمليك العين أو تحبيسها ، ولا يكون بينهما منافاة ، كما لو آجر العين من واحد ثمّ باعها من شخص آخر . نعم ، بعد تماميّة الوقف لو انفسخت الإجارة بالفسخ كما لو فرض جعل خيار الشرط لنفسه ، أو بالإقالة ، واللازم في كلتا الصورتين رجوع المنفعة إلى آخر مدّة الإجارة إلى الموجب وهو الواقف المؤجر ، دون الموقوف عليهم .
(الصفحة 43)وهو أولى به ممّن قصد الدخول1 .
1 ـ قد فرض في هذه المسألة صورتين :
الاُولى : الوقف على الجهات العامّة كالأمثلة المذكورة في المتن ، وفي هذه الصورة نفى الإشكال عن جواز انتفاع شخص الواقف من تلك الجهات ; لأنّ هذا الانتفاع لا يعدّ من الوقف بنحو التشريك ، بل من البعيد جدّاً أن لا يجوز لواقف المسجد أن يصلّي في ذلك المسجد ويجوز لغيره ذلك ، كما لا يخفى .
وألحق بذلك في ذيل كلامه ما إذا وقف شيئاً على ذرّية أبيه أو جدّه ، فيما إذا كان المراد بيان المصرف ولم يقصد خروجه ، بل قصد العموم والإطلاق ، فقد قوّى جواز الانتفاع به لنفسه ، بل اكتفى في جوازه بعدم قصد خروج نفسه وأنّه أولى ممّن قصد الدخول ; لأنّه أبعد من الوقف لنفسه ولو بنحو الشركة ، وإن جعل الاحتياط في خلافه .
الثانية : ما إذا كان وقفاً على العناوين وكان مشمولاً لها من حين الوقف ، أو داخلاً فيه فيما بعد ، وفصّل في هذه الصورة بين ما إذا كان المراد التوزيع عليهم ، فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصّته من المنافع ، بل اللازم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ويقصد خروجه ، وإن كان المراد بيان المصرف دون التوزيع والتقسيم ، فإنّه يجوز له الاستفادة منه إذا لم يكن قاصداً لخروج نفسه .
والفرق بين هذا الفرض وفرض الوقف على ذرّية أبيه أو جدّه مثلاً أنّ الغالب المتعارف هناك قصد التوزيع والتقسيم ، وأنّ الغالب المتعارف هنا بيان المصرف وعدم قصد خروج نفسه ، والضابطة في الصورتين ما أشرنا إليه من عدم الدخول في دائرة الوقف ، بحيث ينطبق عليه الوقف لنفسه ولو بنحو الشركة ، وأولى ما كان بُعدُه عن هذه الدائرة أزيد وعدم ارتباطه بها أكثر ، كما لا يخفى .
(الصفحة 44)مسألة : يعتبر في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا يصحّ وقف الصبيّ وإن بلغ عشراً على الأقوى . نعم ، حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه كما يأتي ، فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه1 .
مسألة : لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلماً ، فيصحّ وقف الكافر فيما يصحّ من المسلم على الأقوى ، وفيما يصحّ منه على مذهبه إقراراً له على مذهبه2 .
1 ـ أمّا اعتبار ما عدا البلوغ من الاُمور الاُخر في العقود المشتملة على الحقوق الماليّة مطابقةً أو التزاماً ـ كما في باب النكاح الدائم ـ فلا إشكال فيه ، إنّما الإشكال في الوصيّة للصبيّ بناءً على صحّتها إذا بلغ عشراً كما سيأتي ، من جهة دلالة دليل صحّته على الصبي البالغ عشراً إذا وقف ، وعدم دلالته .
وقد فصّل في المتن بين ما إذا صدر الوقف عن الصبي كذلك ، فلا دلالة لدليل الصحّة على صحّة وقفه في هذا السنّ أيضاً ; لعدم الملازمة بين الأمرين ، وبين ما إذا كان الصادر عنه الوصيّة بالوقف في ذلك السنّ ، فمقتضى إطلاق أدلّة صحّة الوصيّة الشمول للوصيّة بالوقف ، ولا دليل على تقييدها ، ولا ملازمة بين صحّة الوصيّة بالوقف ، وبين نفس الوقف كما هو ظاهر ، ولذا فرّع عليه في المتن أنّه إن أوصى بالوقف صحّ وقف الوصيّ عنه .
2 ـ أمّا عدم اعتبار الإسلام في الواقف فيما يصحّ من المسلم ، فلعدم اعتبار قصد القربة في الوقف غير المتمشّي من الكافر على ما مرّ(1) ، وأمّا عدم اعتباره فيه فيما
(الصفحة 45)مسألة : يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً مملوكة يصحّ الانتفاع به منفعة محلّلة مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به ، غير متعلّق لحقّ الغير المانع من التصرّف ، ويمكن قبضه ، فلا يصحّ وقف المنافع ، ولا الديون ، ولا ما لا يملك مطلقاً كالحرّ ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير ، ولا ما لا انتفاع به إلاّ بإتلافه كالأطعمة والفواكه ، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرّم كآلات اللهو والقمار ، ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة ، كما إذا وقف الدابّة لحمل الخمر ، أو الدكّان لحرزها أو بيعها ، وكذا لا يصحّ وقف ريحانة للشمّ على الأصحّ ; لعدم الاعتداد ببقائها ، ولا العين المرهونة ، ولا ما لا يمكن قبضه كالدابّة الشاردة . ويصحّ وقف كلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بالشرائط ، كالأراضي ، والدور ، والعقار ، والثياب ، والسلاح ، والآلات المباحة ، والأشجار ، والمصاحف ، والكتب ، والحليّ ، وصنوف الحيوان; حتّى الكلب المملوك والسنّور ونحوها1 .
يصحّ على مذهبه ، فلقاعدة الإلزام المبحوث عنها في الكتب المعدّة لبيان القواعد الفقهية ، ومستندها الروايات الكثيرة الدالّة على إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، بناءً على الشمول للكافر أيضاً ، وعدم الاختصاص بالعامّة(1) .
1 ـ يعتبر في الموقوف أعني ما يصلح للوقف اُمور :
الأوّل : أن يكون عيناً ، فلا يصحّ وقف المنافع ولا الديون ; لعدم صدق حبس العين وتسبيل المنفعة فيهما كما لا يخفى ، ونظير ذلك ما تقدّم في كتاب المضاربة(2) من
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 167 ـ 174 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المضاربة مسألة 1.
(الصفحة 46)
اعتبار أن يكون رأس المال المرتبط بالمالك عيناً في مقابل المنفعة والدين وإن تقدّم بعض المناقشات هناك ، لكن الظاهر أنّه لا مناقشة في المقام لما ذكر .
الثاني : أن يكون مملوكة ، فلا يصحّ وقف ما لا يملك مطلقاً كالخمر ، أو لا يملكه المسلم كالخنزير إذا كان الواقف مسلماً ، وإلاّ فقد تقدّم في المسألة السابقة صحّة وقف الكافر فيما يصحّ منه إقراراً له على مذهبه ، كما هو مقتضى قاعدة الإلزام .
الثالث : أن يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه بقاءً معتدّاً به ، فلا يصحّ وقف ما لا انتفاع به إلاّ بإتلافه ، كالأطعمة والفواكه .
الرابع : أن يكون ذلك الانتفاع محلّلاً ، فلا يصحّ وقف ما يكون منفعته العقلائيّة منحصرة بالمحرّم ، كآلات القمار مثلاً ، وذكر في المتن أنّه يلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرّمة وإن لم يكن منافعه مطلقاً كذلك ، كوقف الدابّة لحمل الخمر، أو الدكّان لحرزها أو بيعها ، وتوصيف بقاء العين بكونه بقاءً معتدّاً به إنّما هو لإخراج وقف ريحانة للشمّ ; لعدم الاعتداد ببقائها .
الخامس : أن لا تكون العين متعلّقة لحقّ الغير ، ولأجله يكون التصرّف فيها ممنوعاً ، كما لو فرض أن تكون مرهونة ; لأنّ الرهن مانع من التصرّف فيها ، ولذا يتوقّف صحّة بيع الراهن لها على إجازة المرتهن ، كما قد قرّر في محلّه(1) .
السادس : أن يكون ممّا يمكن قبضه، فلايصحّ وقف ما لا يمكن ، كالدابّة الشاردة.
ومع اجتماع هذه الشرائط يصحّ الوقف في جميع الاُمور ; سواء كانت مثل الكتب والمصاحف ، أو مثل الدور والعقار ، أو مثل الثياب والسلاح والآلات المباحة ، أو مثل الأشجار، أو مثل الحليّ، أو مثل صنوف الحيوانات حتّى الكلب المعلَّم وغيرها.
- (1) تحرير الوسيلة : 2 / 9 ، كتاب الرهن مسألة 19 ، مسالك الأفهام : 4 / 47 .