(الصفحة 264)
القول في العهد
لا ينعقد العهد بمجرّد النيّة ، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى ، وصورتها : «عاهدت الله» أو «عليَّ عهد الله» ويقع مطلقاً ومعلّقاً على شرط كالنذر ، والظاهر أنّه يعتبر في المعلّق عليه ـ إن كان مشروطاً ـ ما اعتبر فيه في النذر المشروط ، وأمّا ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دنياً ، ولا يعتبر فيه الرجحان فضلاً عن كونه طاعة ، فلو عاهد على فعل مباح لزم ، ولو عاهد على فعل كان تركه أرجح ، أو على ترك أمر كان فعله أولى ـ ولو من جهة الدُّنيا ـ لم ينعقد ، ولو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه ذلك انحلّ1 .
1 ـ يدلّ على وجوب الوفاء بالعهد ـ مضافاً إلى ظهور التسالم عليه ، وإلى ما عن بعض التفاسير من تفسير آية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(1) بعامّة العهود الشاملة لمعاهدة الله(2) ، وإلى إطلاق الآيات التي وقع فيها الأمر بالوفاء
- (1) سورة المائدة : 5 /1 .
- (2) تفسير القمّي : 1 / 160 ، تفسير العياشي : 1 / 289 ح5 ، جامع البيان : 6 / 31ـ 32 ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد : 2 / 147 ـ 148 ، مجمع البيان : 3 / 250 ، كنز الدقائق : 3 / 4 .
(الصفحة 265)
بالعهد(1) ، معلّلاً في بعضها بأنّ العهد كان مسؤولاً(2) ـ الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب الكفّارة بمخالفة العهد(3) الظاهرة في وجوب الوفاء بالعهد كالنذر واليمين .
وكيف كان ، فالظاهر عدم انعقاد العهد بمجرّد النيّة التي هي أمر نفساني ، بل يحتاج إلى الصيغة ; لكونه من الاُمور الإنشائية كالنذر واليمين ، وكما أنّ النذر قد يكون مطلقاً وقد يكون معلّقاً على شرط ، كذلك العهد على قسمين : المطلق والمعلّق ، غاية الأمر أنّه يعتبر في المعلّق عليه ما اعتبر فيه في النذر المشروط; من أنّه قد يكون من فعل الشخص ، وقد يكون من فعل غيره ، وقد يكون من فعل الله تعالى .
وأمّا ما عاهد عليه فالعهد بالإضافة إليه إنّما يكون مثل اليمين; في أنّه يعتبر فيه أن لا يكون مرجوحاً ديناً أو دنياً . نعم ، لا يعتبر فيه الرجحان فضلاً عن كونه طاعة ، فلو عاهد على فعل مباح لزم بشرط أن لا يكون تركه أرجح ، كما أنّه لو عاهد على ترك مباح لزم إذا لم يكن فعله أرجح ولو من جهة الدُّنيا .
وبالجملة : لا دليل على اعتبار الرجحان الشرعي فيما عاهد عليه ، بل اللازم عدم المرجوحيّة فيه فعلاً أو تركاً ولو من جهة الدُّنيا ; لأنّه لا مجال لوجوب الوفاء بالعهد الذي كان تركه أرجح ، ولو لم يكن كذلك حين العهد ثمّ طرأ عليه المرجوحيّة ينحلّ العهد ولا يبقى بحاله كما عرفت فيما تقدّم .
- (1) سورة البقرة : 2 / 40 ، سورة الأنعام : 6 / 152، سورة النحل : 16 / 91 .
- (2) سورة الإسراء : 17 / 34 .
- (3) تهذيب الأحكام : 309 ح1148 وص315 ح1170 ، الاستبصار : 4 / 54 ح187 وص55 ح189 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 173 ح454 ، وعنها الوسائل : 22 / 395 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ب24 ح1 و2 ، وج23/326ـ 327 ، كتاب النذر والعهد ب25 ح1 ، 2 و 4 ، وفي البحار : 104 / 244 ح161 .
(الصفحة 266)مسألة : مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفّارة ، والأظهر أنّ كفّارتها كفّارة من أفطر يوماً من شهر رمضان1 .
1 ـ البحث في كفّارة مخالفة العهد إنّما هو كالبحث في كفّارة مخالفة النذر ، وستأتي كلتاهما في كتاب الكفّارات إن شاء الله تعالى ، هذا تمام الكلام في كتب الأيمان والنذور والعهود .
(الصفحة 267)
كتاب
الكفارات
(الصفحة 268)