(الصفحة 235)مسألة : يشترط في الناذر البلوغ، والعقل، والاختيار ، والقصد ، وانتفاء الحجرفي متعلّق نذره، فلاينعقد نذرالصبيّ وإن كان مميّزاًوبلغ عشراً، ولا المجنون ولو أدواريّاً حال دوره، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان غضباً رافعاً للقصد، ولا السفيه المحجور عليه إن كان المنذور مالاً ولو في ذمّته ، ولا المفلّس المحجور عليه إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلّق به حقّ الغرماء1 .
مسألة : لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج; وإن كان متعلّقاً بمالها ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّه ، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه ، ولو أذِن لها فنذرت انعقد ، وليس له بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به2 .
حكم في المتن بعدم انعقاده على إشكال ينشأ من أنّه لا وجه لعدم الانعقاد بعد كون معنى النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى ، كما ربما يؤيّده الكتاب حكاية عن قول مريم :
{إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً}(1) ومن أنّ الجمع بين كلمة «النذر» الدالّة على الالتزام لله ، وبين كلمة «لله» لا يكاد يستقيم ، فلا يترك الاحتياط .
1 ـ أمّا اعتبار الاُمور المذكورة الذي يتفرّع عليه البطلان في الموارد الفاقدة ، فيدلّ عليه ما مرّ مراراً(2) ، ولا حاجة إلى الإعادة بوجه أصلاً .
2 ـ في المسألة صورتان :
إحداهما : نذر الزوجة مع منع الزوج وإن كان متعلّقاً بما يكون ملكاً لها أو لها
- (1) سورة مريم : 19 /26 .
- (2) مثل ما مرّ في ص144 ـ 149 و 223.
(الصفحة 236)
السلطنة عليه ، ولم يكن العمل به مانعاً عن حقّ الزوج من الاستمتاع وغيره .
ويدلّ على حكمه رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ، ولا صدقة ، ولا تدبير ، ولا هبة ، ولا نذر في مالها إلاّ بإذن زوجها ، إلاّ في حجّ ، أو زكاة ، أو برّ والديها ، أو صلة قرابتها(1) . والظاهر منها اشتراط الإذن لا مجرّد عدم المنع .
كما ربما يؤيّده رواية الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : ليس على المملوك نذر إلاّ أن يأذن له سيّده(2) .
ثمّ إنّ تقييد النذر المنفي في الرواية الاُولى بمال الزوجة ليس لاختصاص النفس عنه ، بل يعمّ ما إذا كان عملاً منافياً للاستمتاع ، كنذر الصوم مثلاً ، نظراً إلى أنّ من محرّمات الصوم الجماع ، ولا يجتمع الصوم معه ، بل يمكن أن يقال بالشمول لمطلق أفعاله ولو لم يكن منافياً للاستمتاع ، كما إذا نذرت أن تصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة في كلّ يوم ، حيث إنّه لا ينافي الاستمتاع أصلاً ، وإطلاق عبارة المتن يشمله ; لأنّ مفادها عدم صحّة نذر الزوجة بدون إذن الزوج مطلقاً .
ويمكن الاستشكال في ذلك ، نظراً إلى أنّه لا دليل يظهر منه هذه الجهة ، فإنّه وإن لم يكن للقيد مفهوم لمنعه في مطلق القضايا المفهوميّة حتّى مفهوم الشرط ، إلاّ أنّ استفادة حكم المطلق من الرواية التيوقع فيهاالتقييدتحتاج إلى إلغاءالعرف خصوصيّة القيد ، وبالجملة : استفادة ما هو مفاد المتن من الرواية المذكورة في غاية الإشكال .
- (1) الفقيه : 3 / 109 ح457 وص277 ح1315 ، تهذيب الأحكام : 7 / 462 ح1851 وج8 / 257 ح935 ، وعنهما الوسائل : 23 ح315 كتاب النذر والعهد ب15 ح1 .
- (2) قرب الإسناد : 109 ح376 ، وعنه الوسائل : 23 / 316 ، كتاب النذر والعهد ب15 ح2 وبحار الأنوار : 104/217 ح10 .
(الصفحة 237)مسألة : النذر إمّا نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ; وهو ما علّق على أمر : إمّا شكراً لنعمة دنيويّة أو اُخرويّة ، كأن يقول : «إن رزقت ولداً فلله عليّ كذا» أو «إن وفّقت لزيارة بيت الله فلله عَليّ كذا» . وإمّا استدفاعاً لبليّة ، كأن يقول : «إن شفى الله مريضي فلله عَليّ كذا» . وإمّا نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه; زجراً للنفس عن ارتكابهما ، مثل أن يقول : «إن تعمّدت الكذب ، أو بلت في الماء فلله عليّ كذا» أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما . وإمّا نذر تبرّع ، وهو ما كان مطلقاً ولم يعلّق على شيء ، كأن يقول : «لله عليّ أن أصوم غداً» . لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأوّلين ، وفي انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد1 .
ولو أذن لها فنذرت انعقد ، وليس للزوج بعد ذلك حلّه ولا المنع عن الوفاء به ، ومن المسائل المبتلى بها في زماننا هذا نذر المرأة الحائض الإحرام قبل المقيات في المدينة التي يكون الفصل بينها وبين مسجد الشجرة فرسخاً لئلاّ تحتاج إلى الإحرام مع هذه الحالة من مسجد الشجرة ، فإنّه إذا لم يتحقّق الإذن القبلي لا ينعقد النذر على ما هو مفاد المتن ، ولا يكفي مجرّد الرضا القلبي ، ولا عدم المنع البعدي كما لا يخفى ، لكن مرّ الإشكال فيه .
ثانيتهما : نذر الولد بدون إذن الوالد ، فإنّه لم يقم في النذر دليل على التوقّف على إذنه ، بل مانعيّة منعه ، وليس له حلّه ولا منعه عن الوفاء به ، ولا ملازمة بين النذر واليمين في هذه الجهة ، كما يؤيّده اختلاف أحكامهما في كثير من الجهات .
1 ـ النذر على ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : هو نذر برّ ، ويقال له : نذر المجازاة ; وهو ما علّق على أمر : إمّا
(الصفحة 238)
شكراً لنعمة دنيويّة أو اُخرويّة ، وإمّا استدفاعاً لبليّة ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وإطلاق عنوان المجازاة عليه إنّما هو بلحاظ كون التعهّد النذري جزاءً لوقوع المعلّق عليه من النعمة أو دفع البليّة ، ولذا يقع مثله بصورة القضيّة الشرطيّة الدالّة على ترتّب الجزاء على الشرط ، ولا ربط لهذا الأمر بمسألة ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة وعدمه ، كما لايخفى .
القسم الثاني : نذر زجر ، وهو ما علّق على فعل حرام أو مكروه زجراً للنفس عن ارتكابهما ، أو على ترك واجب أو مستحبّ زجراً لها عن تركهما ، ولا ارتباط لهذا القسم أيضاً بما قد يتخيّل من أنّ ترك الواجب حرام وترك المستحبّ مكروه ، فإنّك قد عرفت(1) عدم ثبوت حكمين في الموارد المذكورة . غاية الأمر أنّه لا مجال لإنكار كون ترك الواجب غير جائز عقلاً ، وترك المستحبّ ترك لما هو راجح شرعاً .
القسم الثالث : هو نذر تبرّع لم يقع فيه التعليق على شيء شكراً أو زجراً ، بل كان مطلقاً ، كالمثال المذكور في المتن .
نفى في المتن الإشكال والخلاف عن انعقاد النذر في القسمين الأوّلين ، لكن ذكر أنّ في انعقاد الأخير قولان ، أقواهما الانعقاد ، وهو الظاهر ; لدلالة الكتاب(2) على صدق النذر على نذر مريم في قصّتها بما ترتبط إلى الولادة من غير حمل ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل :
موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يجعل عليه صياماً في نذر
- (1) في ص214 ـ 215 .
- (2) سورة مريم : 19 / 26 .
(الصفحة 239)مسألة : يشترط في متعلّق النذر مطلقاً أن يكون مقدوراً للناذر ، وأن يكون طاعةً لله تعالى ; صلاةً ، أو صوماً ، أو حجّاً ، ونحوها ممّا يعتبر في صحّتها القربة ، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به ، كزيارة المؤمنين ، وتشييع الجنازة ، وعيادة المرضى وغيرها ، فينعقد في كلّ واجب أو مندوب ولو كفائيّاً إذا تعلّق بفعله ، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه . وأمّا المباح ، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه ، فإن قصد به معنى راجحاً ; كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة ، أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في انعقاده ، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلّقه فعلاً أو تركاً بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحاً ولو دنيويّاً . وأمّا إذا لم يقصد به معنى راجحاً ، ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيّته ، فالظاهر عدم انعقاده ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه1 .
فلا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين(1) .
ورواية محمّد بن منصور أنّه سأل موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن رجل نذر صياماً فثقل الصيام عليه؟ قال: يتصدّق لكلّ يوم بمدّمن حنطة(2)، فإنّ مقتضى ظاهر السؤال فيهما أو إطلاقه وترك الاستفصال دليل على صحّة النذر المذكور فيهما ، فتدبّر .
1 ـ يشترط في متعلّق النذر مطلقاً فعلاً أو تركاً أن يكون مقدوراً للناذر شرعاً وعرفاً ، إذ لا معنى للالتزام والتعهّد بما ليس كذلك ، ويشترط أيضاً إمّا أن يكون
- (1) الكافي : 7 / 457 ح15 ، الفقيه : 3 / 235 ح1111 ، تهذيب الأحكام : 8 / 306 ح1138 ، وعنها الوسائل : 23/312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 234 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 312 ، كتاب النذر والعهد ب12 ح2 .