(الصفحة 89)مسألة : لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه فالأحوط تعميره منها وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة ، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف الثمن في التعمير المحتاج إليه . وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد . نعم ، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير1 .
وهذا بخلاف ما إذا كان الوقف وقف انتفاع ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإنّ الموقوف عليه في هذا النوع من الوقف لم يصر مالكاً للمنفعة ، بل له حقّ الانتفاع فقط ، فكما أنّه لا تجوز إجارة ما استعاره ، كذلك لا تجوز الإجارة هنا في حال من الأحوال ، فإنّ الدار الموقوفة على سكنى الذرّية إذا كان الفرد الآخر ذرّية واجداً لشرائط الموقوف عليه ، فلا مجال للاستئجار والإجارة بعد عدم الفرق بين هذا الفرد وسائر الأفراد ، وإذا لم يكن واجداً له لا يجوز جعل العين الموقوفة تحت اختياره واستيلائه لينتفع به ، كما هو واضح .
1 ـ لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه لأجل الخراب كما عرفت(1) ، واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، ففيه صورتان :
الاُولى : إمكان تعمير ذلك البعض المحتاج إلى التعمير من منافع نفسه ، فمقتضى الاحتياط اللازم التعمير من المنافع وصرف ثمن البعض الآخر المبيع لأجل عروض الخراب المجوّز للبيع في اشتراء مثل الموقوفة وإن كان أصغر ، كما هو الغالب في مثل هذا الفرض ، ففي الحقيقة قد وقع الجمع في هذه الصورة بين التعمير من
(الصفحة 90)مسألة : لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بينهما ، فيتصدّيه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم ، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين ، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده ، بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على
المنافع بالإضافة إلى البعض غير المخروب ، وبين اشتراء مثل الموقوفة بثمن البعض المخروب الذي صار جائز البيع .
الثانية : أن لا يمكن تعمير ذلك البعض من منافع نفسه ، وقد نفى في المتن البُعد عن أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض المخروب في التعمير المحتاج إليه ، حفظاً للعين الموقوفة عن الخراب ، ورعايةً لغرض الواقف مع الإمكان . نعم ، أفاد في الذيل أمرين :
أحدهما : الصرف للتعمير لا للاحتياج إلى التعمير ، بل لمجرّد توفير المنفعة وزيادتها ، وقد استبعد الجواز لذلك ، ولعلّه لأجل أنّه مع إمكان الصرف في شراء مثل العين الموقوفة ـ حتّى يستفيد به البطون اللاحقة ـ لا وجه للصرف للتعمير لمجرّد التوفير مع ترتّب المنفعة العقلائيّة المقصودة للواقف عليه .
ثانيهما : أنّه لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل العين الموقوفة ولو كان أصغر منها ، لا مانع من الصرف في التعمير للتوفير ; لأنّه مع الدوران بين بقاء الثمن بنفسه أو التقسيم بين أفراد البطن الموجود ، ولا محالة ينتفى موضوع الوقف بهذا المقدار ، وبين صرفه في تعمير البعض الموجود ولو لتوفير المنفعة الموجب لاستفادة جميع البطون منه بهذا الوصف ، يكون الترجيح مع الثاني .
(الصفحة 91)مشهد ، ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً ، ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلاّ بالقسمة جازت ، لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً . وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقاً1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع قد وقع التعرّض لها :
الأوّل : أنّه بعدما عرفت من أنّه يجوز وقف المشاع(1) أيضاً إذا اُريد إفراز حصّة الوقف المشاعة عن الملك الطلق لا إشكال في جواز هذا الإفراز وصحّة التقسيم بحيث صارت كلتا الحصّتين مفروزة ، غاية الأمر أنّ المتصدّي لذلك من ناحية مالك الطلق هي نفس المالك ، ومن ناحية الوقف هو المتولّي أو الموقوف عليه ; لعدم اختصاص أدلّة صحّة التقسيم بما إذا كان كلاهما طلقين .
الثاني : أنّه لا مانع من التقسيم فيما إذا تعدّد الواقف والموقوف عليه مع كون الوقف مشاعاً ، كما إذا كانت دار مشتركة بين زيد وعمرو ، فوقف كلّ منهما حصّته من الدار المشتركة على خصوص أولاد نفسه ، ففي هذه الصورة أيضاً يجوز الإفراز لينتفع كلّ من الموقوف عليهم بحصّته الخاصّة وسهمه المفروز ; لما ذكر في الفرع الأوّل .
الثالث : ما إذا اتّحد الواقف وتعدّد الوقف والموقوف عليه ، كما إذا وقف نصف
- (1) الخلاف : 3 / 542 مسألة 7 ، فقه القرآن للراوندي : 2 / 292 ، السرائر : 3 / 154 ، المؤتلف من المختلف : 1/674 مسألة 7 ، الجامع للشرائع : 373 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 431 ، إرشاد الأذهان : 2 / 401 ، تلخيص الخلاف : 2/217 ، الروضة البهيّة : 3 / 176 ، جواهر الكلام : 28 / 20 .
(الصفحة 92)مسألة : لو آجر الوقف البطن الأوّل وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة ، إلاّ أن يجيز البطن اللاحق فتصحّ على الأقوى . ولو آجره المتولّي ، فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف ، ولا تحتاج إلى إجازتهم1 .
داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على مشهد ، فإنّه بلحاظ تعدّد الموقوف عليه قد نفى في المتن البُعد من الجواز بحيث صارت حصّة المسجد مفروزة كحصّة المشهد في المثال المذكور ، والوجه فيه ما ذكرنا .
الرابع : لو كان الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه وإن اتّحد الوقف والواقف ، ضرورة عدم اختصاص الحقّ بخصوص البطون الموجودة ، بل لو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولم ينحسم إلاّ بالقسمة جازت القسمة ، لكنّها لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة إذا كانت القسمة حقيقيّة راجعة إلى قسمة العين ; لما ذكرنا .
نعم ، لا بأس بقسمة المنافع الجائزة غير المنافية لحقوق البطون اللاحقة ، وأمّا قسمة العين فمع تعلّق حقّ الجميع بها فلا تجوز أصلاً ، والمفروض ارتفاع التنازع والتخاصم بأصل القسمة ، وتوقّفه على قسمة العين أحياناً لا يجوّز ذلك ; لما ذكر ، كما لو فرض توقّف ارتفاع النزاع بالتخصيص ببعض الموجودين ، فإنّه لا يجوز ذلك .
1 ـ لو آجر العين الموقوفة فهنا صورتان قابلتان للبحث :
إحداهما : ما إذا كان المؤجر البطن الأوّل وعرض انقراضهم قبل انقضاء مدّة
(الصفحة 93)مسألة : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه دائماً ، أو إلى مدّة ، مستقلاًّ ومشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص ، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز جعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولٍّ يعيّن المتولّي بعده1 .
الإجارة، فالقاعدة تقتضي بطلان الإجارة بالإضافة إلى بقيّة المدّة; لعدم ملكيّة البطن المؤجر منفعة المدّة الباقية وإن كان الوقفوقف منفعة موجباًلحصول ملكيّتها، كما في المستأجر الذي آجر العين المستأجرة زائدة على مدّة إجارة نفسه ، غاية الأمر جريان الفضوليّة والصحّة على هذا القول بناءً على إجازة المالك الحقيقي في الفرضين.
ثانيتهما : إيجار المتولّي دون البطن الأوّل ، وانقراضهم قبل انقضاء مدّة الإجارة ، والمستفاد من المتن أنّ الملحوظ في هذه الإجارة الصادرة من المتولّي إن كان مصلحة الوقف فالإجارة نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ; لفرض تحقّقها من المتولّي ورعاية المصلحة ، كما أنّه إن كان الملحوظ مراعاة البطون اللاّحقة ومصلحتهم دون أصل الوقف تنفذ الإجارة ولا تحتاج إلى الإجازة . وأمّا لو فرض كون النظر في الإيجار إلى مصلحة بعض البطون دون أصل الوقف ، ودون جميع البطون فلا ، والوجه فيه كونها متعلّقة لحقّ الجميع . غاية الأمر بطناً بعد بطن ، وفي الحقيقة في الطول لا في العرض ، فلا يصحّ إلاّ في الصورتين الأوّلتين ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد نفى الإشكال والخلاف(1) في ذلك السيّد في الملحقات ، وقال : إنّ خلاف
- (1) مختلف الشيعة : 6 / 262 مسألة 34 ، المقتصر : 210 ، تبصرة المتعلّمين : 126 ، الجوهرة في نظم التبصرة : 140 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 ، التنقيح الرائع : 2 / 307 ـ 308 ، رياض المسائل : 9 / 306 ، الشرح الصغير : 2/241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .