(الصفحة 355)مسألة : لا يعتبر في حلّية السمك ـ بعدما اُخرج من الماء حيّاً أو اُخذ حيّاً بعد خروجه ـ أن يموت خارج الماء بنفسه ، فلو قطعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع أو غيره حلّ أكله ، بل لا يعتبر في حلّه الموت رأساً ، فيحلّ بلعه حيّاً ، بل لو قطع منه قطعة واُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه ; سواء مات الباقي في الماء أم لا . نعم ، لو قطع منه قطعة وهو في الماء حيّ أو ميّت لم يحلّ ما قطعه1 .
كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ الملاك هي الحلّية بالأصالة لا مطلقاً ، فإذا غصب إنسان حيواناً وذبحه على الطريق الشرعي يكون أكل لحمه حلالاً من حيث وقوع التذكية عليه ، وإن كان حراماً من جهة الغصبية والتصرّف في مال الغير بدون إذنه ، وعليه فحصول الملكيّة كالحيازة لا يستلزم الحلّية ، بل الملاك في كلّ واحد منهما أمر مستقلّ عن الآخر ، ولا ملازمة بينهما أصلاً ، كما لا يخفى .
1 ـ المستفاد من الروايات الواردة في حلّية السمك هو أنّ الاعتبار بالإخراج من الماء حيّاً أو أخذه حيّاً بعد خروجه ، في مقابل الموت في الماء ، وأمّا أنّ موته خارج الماء لابدّ وأن يكون مسبّباً عن نفس الكون خارج الماء ، نظراً إلى أنّ السمك لا يعيش كذلك فلا ، فلو قطعه قبل أن يموت ومات بالتقطيع حلّ أكله ; لأنّ المفروض إخراجه من الماء حيّاً ووقوع الموت خارج الماء ، بل لا يعتبر في الحلّية الموت خارج الماء أصلاً ، بل يجوز ابتلاعه حيّاً ، كما هو المعروف في معالجة بعض الأمراض بابتلاع صغار الحيتان في حال الحياة ، بل لو قطع منه قطعة خارج الماء واُعيد الباقي إلى الماء حلّ ما قطعه ، سواء مات الباقي في الماء أم لا . نعم ، لو قطع منه قطعة وهو في الماء ـ سواء كان حيّاً أم ميّتاًـ لم يحلّ ما قطعه ; لأنّ ظاهر الروايات أخذ الحوت من الماء حيّاً ، لا قطعة منه ولو كانت كبيرة .
(الصفحة 356)مسألة : ذكاة الجراد أخذه حيّاً ; سواء كان باليد أو بالآلة ، فلو مات قبل أخذه حرم ، ولا يعتبر فيه التسمية ، ولا الإسلام ، كما مرّ في السمك . نعم ، لو وجده ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً ، ولا تجدي يده ولا إخباره في إحرازه1 .
ويدلّ على بعض المطلوب رواية أبي أيّوب أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها في الماء فماتت ، أتؤكل؟ فقال : لا(1) .
ورواية عبد الرحمن بن سيابة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن السمك يصاد ، ثمّ يُجعل في شيء ، ثمّ يُعاد في الماء فيموت فيه؟ فقال : لا تأكله; لأنّه مات في الذي فيه حياته(2) ، وغير ذلك من الروايات .
1 ـ الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الجراد نصيبه ميّتاً في الماء أو في الصحراء ، أيؤكل؟ قال : لا تأكله . قال : وسألته عن الدّبا من الجراد أيؤكل؟ قال : لا ، حتّى يستقلّ بالطيران . وفي كتاب عليّ بن جعفر عن الدبا ، هل يحلّ أكله؟ قال : لا يحلّ أكله حتّى يطير(3) .
- (1) الكافي : 6 / 217 ح4 ، الفقيه : 3 / 206 ح944 ، تهذيب الأحكام : 9 / 11 ح41 ، وعنها الوسائل : 24 / 79 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب33 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 216 ح3 ، الفقيه : 3 / 206 ح945 ، تهذيب الأحكام : 9 / 11 ح40 ، وعنها الوسائل : 24 / 79 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب33 ح2 .
- (3) الكافي : 6 / 222 ح3 ، قرب الإسناد : 277 ح1099 و1101 ، تهذيب الأحكام : 9 / 62 ح264 ، مسائل علي بن جعفر : 192 ح396 ، وص109 ح18 ، وعنها الوسائل : 24 / 87 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب37 ح1 ، وفي البحار : 65 / 194 ح13 عن القرب والمسائل .
(الصفحة 357)مسألة : لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحلّ وإن قصده المحرق . نعم ، لو مات بعد أخذه بأيّ نحو كان حلّ ، كما أنّه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد; بأنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها ، فاُجّجت لذلك فاجتمعت واحترقت بها لا يبعد حلّيتها1 .
ومنها : موثّقة مسعدة بن صدقة قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن أكل الجراد؟ فقال : لا بأس بأكله ، ثمّ قال (عليه السلام) : إنّه نثرة(1) من حوت في البحر ، ثمّ قال : إنّ عليّاً (عليه السلام)قال : إنّ الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكيّ ، والأرض للجراد مصيدة ، وللسمك قد تكون أيضاً(2) .
ومنها : رواية عمرو بن هارون الثقفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الجراد ذكّي فكُله ، وأمّا ما مات في البحر فلا تأكله(3) .
ثمّ إنّك عرفت(4) أنّه لو وجد السمك ميّتاً في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّاً ، ولا يجدي يده ولا إخباره في إحرازه ، كذلك الجراد مثله .
1 ـ لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من الجراد ، لا يحلّ بذلك وإن كان قصد المحرق هذه الجهة ، بل يحتاج إلى الأخذ باليد وموته بعده بأيّ نحو كان .
- (1) قال في مجمع البحرين : والنثرة للدوابّ : شبه العطسة ، ومنه الحديث : الجراد هو نثرة من حوت البحر ، أي عطسته .
- (2) الكافي : 6 / 221 ح1 ، قرب الإسناد : 50 ح162 ، تهذيب الأحكام : 9 / 62 ح262 ، وعنها الوسائل : 24 / 87 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب37 ح3 وفي البحار : 65 / 201 ح24 عن القرب .
- (3) الكافي : 6 / 222 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 62 ح263 ، وعنهما الوسائل : 24 / 88 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب37 ح4 .
- (4) في ص351 .
(الصفحة 358)مسألة : لا يحلّ من الجراد ما لم يستقلّ بالطيران ; وهو المسمّى بـ «الدبى» على وزن «عصا»; وهو الجراد إذا تحرّك ولم تنبت بعد أجنحته1 .
نعم ، لو فرض كون النار آلة لصيد الجراد ، نظراً إلى أنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت نفسها فيه ، فأجّجت لهذا الغرض فاجتمعت واُحرقت بها ، فقد نفى البُعد عن حلّيتها .
ويؤيّده رواية عمّار بن موسى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن السمك يشوى وهو حيّ؟ قال : نعم ، لا بأس به . وسُئل عن الجراد إذا كان في قراح ، فيحرق ذلك القراح ، فيحرق ذلك الجراد وينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال : لا(1) . والظاهر أنّ المراد بالقراح هي الآلة المعدّة لنضج المشويّات ، ولعلّه الذي يعبّر عنه بالفارسية بـ «ساج» .
1 ـ وقع التصريح بذلك في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة في المسألة السابقة الدالّة على حرمة الجراد الذي لا يستقلّ بالطيران لصغره وأنّه هو المسمّى بـ «الدّبى» .
- (1) تهذيب الأحكام: 9/62 ح265، وعنه الوسائل: 24 / 88 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب37 ح5.
(الصفحة 359)
القول في الذباحة
والكلام في الذابح ، وآلة الذبح وكيفيّته ، وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل :
مسألة : يشترط في الذابح أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه ، فلاتحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أو غيره حتّى الكتابي على الأقوى ، ولا يشترط فيه الإيمان ، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب وإن أظهر الإسلام1
.
1 ـ أمّا اشتراط أن يكون الذابح مسلماً أو ما بحكمه ، كالمتولّد منه المحكوم بالإسلام ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه المتسالم عليه ظاهراً ، بحيث يعدّ كأنّه من الضروريات عند المسلمين ـ الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، وفي جملة منها : أنّها هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلاّ مسلم(1) ، نظراً إلى قوله تعالى :
{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}(2) ، وفي بعضها التصريح بأنّ المسيحي يقول باسم المسيح(3) ، وفي
- (1) وسائل الشيعة : 24 / 48 ـ 59 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، ب26 ح1 ، 6 ، 7 ، 10 وب27 ح2 ، 4 ، 8 ، و24 .
- (2) سورة الأنعام : 6 / 121 .
- (3) وسائل الشيعة : 24 / 49 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب26 ح3 وص53 ب27 ح3 .